كندا تدقُّ جرس الإنذار

كندا تدقُّ جرس الإنذار. Firil Center For Studies. Berlin. 02.07.2021. Dr. Jameel M. Shaheen

هل تتخيّل أن تصل الحرارة هنا إلى 50 درجة صيفاً؟! منطقة ليتون، الروكي الكندي. فيريل

مازالت الموجات الحارّة غير المسبوقة تضربُ أنحاء متفرقة من العالم، مُسجّلة درجاتٍ قياسية كلّ عام ومنذ أكثر من عشر سنوات متتالية. هذه المرة كانت من نصيب أميركا الشمالية وصولاً إلى القطب الشمالي، وقبلها أوروبا والآن الشرق الأوسط ولا نهاية منتظرة لهذا الحرّ الاستثنائي.

يكون صيفُ الشمال الغربي من كندا والولايات المتحدة معتدلاً بمعدل حرارة 20 درجة، لكن في الموجة الحارّة التي مازالت تضرب تلك المناطق، ارتفعت الحرارة 15 درجة فوق المعدل، وهذا تطرفٌ طقسي لم يحدث حسب خبراء المناخ هنا في ألمانيا منذ ألف عام.

حزيران الأعلى حرارة في التاريخ



خلال ثلاثة أيام وفي أواخر حزيران الماضي، كانت درجات الحرارة القياسية المُسجّلة منذ 140 عاماً تتساقط يومياً ليتم تسجيل درجات جديدة. الأحد 27 حزيران 2021 في قرية Lytton الواقعة شمال شرق مدينة فانكوفر وضمن جبال الروكي دائمة الثلوج، 46.6 درجة مئوية، في اليوم التالي أي الإثنين 47.9 درجة ، الثلاثاء 29 حزيران 49.5 درجة. عِلماً أنّ أعلى درجة مُسجّلة في كندا كانت 45 درجة عام 1937.

درجة حرارة الـ40 مئوية باتت مألوفة فوق خط عرض 50 شمال خط الاستواء، وحسب عالم الأرصاد Karsten Schwanke هي أعلى حرارة مسجلة شمال خط العرض 50، بينما اقتربت من 30 درجة أقصى شمال كندا قرب القطب الشمالي وفي مناطق الجليد الدائم! حتى شمال جبل ماكنلي في آلاسكا سُجّلت 31,7، على شواطئ خليج Hudson Bay الذي يبقى متجمداً طوال الشتاء بمعدل حرارة 30,8 تحت الصفر، تجاوزت الحرارة منتصف الثلاثينات!

درجات الحرارة التي سُجّلت في أميركا الشمالية نهاية حزيران 2021. أعلى من المعدل العام بـ15 درجة مئوية. Firil Center

مَن لم يمت بالكورونا مات بالحرارة

تحصدُ الموجات الحارة سنوياً عشرات الأرواح في كندا، لكن هذه المرة وبسبب موجة حارّة واحدة تضاعف عدد الوفيات ثلاث مرات واقترب من 500 وفاة خلال خمسة أيام. معظم الحالات كانت بين كبار السن، ففي مدينة فانكوفر لوحدها توفي 71 شخصاً. أغلقت المدارس والجامعات ومُنح الموظفون عطلة رسمية.

الموجة أصابت شمال شرق الولايات المتحدة في ولايتي واشنطن وأوريغون. سجلت سياتل 42.2 درجة وبورتلاند 46.1 درجة، وهي أرقام قياسية طبعاً.

أين هو العصر الجليدي؟

هو تطرفٌ طقسي بدأ يتحوّلُ إلى تطرف مناخي. والحديث عن “العصر الجليدي” كما ذكرنا عدة مرات في مركز فيريل للدراسات، حديثٌ غير علمي سنبحثهُ لاحقاً.

جفاف وطقس حارّ لعدة أسابيع ثم عواصف رعدية وانخفاض حاد في درجات الحرارة وفيضانات. هذا ما حدث في أوروبا خلال حزيران ومازال مستمراً. شمال ووسط أوروبا تعرضت لموجة حارة طويلة، هنا في برلين مثلاً سقط أقل من 2 مم من الأمطار خلال خمسة أسابيع في أطول موجة جفاف، ثم خلال 36 ساعة سقط 118 مم من الأمطار!

وصفت هيئة الأرصاد الجوية الأمريكية ما يحدث بالخطير وغير المسبوق، وعزت السبب إلى تراكم الحرارة فوق المنطقة أو ما يسمى “القبة الحرارية“.

عالم الأرصاد الجوية Karsten Schwanke من مركز الرصد والمناخ الألماني، يؤكد أنّ التيار النفاث عالي السرعة بات يضمّ 7 موجات ذاتَ إنحناءات حادّة جداً، حيثُ يتخذ شريط الرياح شكل الحرف اليوناني Ω. في هذه المنطقة يتراكم الهواء الاستوائي وشبه الاستوائي الحارّ، والذي يغوص نحو الأرض ويزداد ارتفاعًا عن طريق ضغط الهواء بالأسفل، ونادرًا ما يكون هناك تكوّن للغيوم، وبالتالي يؤدي الإشعاع الشمسي الدائم إلى درجات حرارة عالية جداً.

هو أكثر من احتباس حراري



يمكننا وصف ما يحدث بالعشوائية، فهكذا حالات لم تمرّ من قبل على العلماء ولم يسمعوا بها سوى من القصص التاريخية، لهذا لا يمكن تحميل السبب للاحتباس الحراري فقط. جرس الحرارة قرعتهُ كندا وحسب Michael Palecki عالم المناخ الأميركي من NOAA: (بصمات تغيّر المناخ باتت واضحة). عالم المناخ الشهير Michael Mann لا يؤمن بالصدفة يقول:

(لاحظ علماء المناخ منذ فترة طويلة أنّ الطقس بات أكثر قسوةً، فهناك حالات من الجفاف الطويل ثم الأمطار الغزيرة والعواصف الشديدة. موجات الحرارة ستزداد نتيجة للاحتباس الحراري، وهي الآن أكثر بثلاث مرات في الولايات المتحدة مما كانت عليه في الستينيات، وتؤثر على مناطق أكبر من أي وقت مضى).

ما نراهُ في مركز فيريل للدراسات أنّ ما حدث ويحدثُ هو جرس إنذار قد يكون الأخير، فارق الحرارة بين المناطق الإستوائية والقطبية تضاءل، بينما ازداد الفارق الحراري بين المياه واليابسة، وهذا سيؤدي لموجات حارّة أكثر تكراراً وحدّةً وزيادة في اضطراب الطقس وزيادة أيضاً في العواصف والفيضانات، وهذا كله ستكون له نتائج سيئة على الحياة البشرية.

للتوضيح أكثر دعونا نستعرضُ بعض المعلومات عن مناخ الإقليم الكندي الذي سُجلت فيه أعلى درجة حرارة، وهذا سيكون مثالاً لا يحتاج لشرح أوسع؛ تقعُ المنطقة شمال خط عرض 50، معدل حرارة شهر آب وهو الأعلى حرارة في السنة 15,3 درجة مئوية، معدل شهر كانون الأول 7,1 تحت الصفر. تصلُ فيها الحرارة صيفاً إلى 30 درجة مئوية وشتاءً إلى 25 تحت الصفر. عندما ارتفعت الحرارة أثناء الموجة الحارة غير المسبوقة ووصلت 49,6، ونتيجة الجفاف الطويل، اشتعلت الحرائق في المنازل الخشبية غير المجهزة لتحمل هكذا درجات شديدة ثم امتدت إلى الغابات وإلى مسافات بعيدة. المنطقة بكاملها تُعتبر منكوبة وقد هجرها سكانها، بينما خرجت الحرائق عن السيطرة شمال شرق فانكوفر وبمساحات مئات الكيلومترات المربعة. مركز فيريل للدراسات. 02.07.2021. Firil Center For Studies. Dr. Jameel M. Shaheen. Berlin