
الفوضى القادمة على الشرق الأوسط. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 01.07.2025. الباحث الأستاذ زيد م. هاشم. تطرقنا البارحة لساحاتٍ محتملة للحرب العالمية الثالثة بحلتها الجديدة، أي الحرب التدريجية على مراحل، ويعني حرباً مديدة تشتعلُ فترة وتهدأ أخرى، لكن هذا لا يمنع من “هبّاتٍ شديدة السخونة” رأينا بروفا لها بين إيران وإسرائيل. بعد حادثة إطلاق الصواريخ عام 2013 التي تم اعتراضها، وتحدثنا عنها في مركز فيريل، اقتربت سوريا من الاشتعال يومها ثم خمدت. اليوم؛ عادت الخطورة لكن ليس على سوريا الحالية بل المنطقة بكاملها.
لماذا جاؤوا بالإرهابي الجولاني وأتباعه؟
بعد هدوء العاصفة التي أحاطت بالفارس المغوار الذي لا يُشقُّ له غبار، الإرهابي أبي محمد الجولاني، والانتصارات الخيالية التي حققها “أبو تحرير” وعناصرهُ، صحى كثيرون من “السذج” من سكرتهم وبدأوا يرونَ ولو بعين واحدة، أنّ هذا البطل ما كان من ورق فقط، بل من غبار يتلاشى حالياً، لتظهر حقيقتهُ الواضحة قبل مجيئه مع ماضيه الدموي الذي لا يمكنُ لمنظفات الأرض، بما في ذلك منظفات رامبو نفسهُ، أن تغسلَ جريمةً واحدةً ارتكبها زعيم عصابة إرهابية مع عناصره من شُذّاذ الآفاق. الأهداف التالية مطلوبٌ من الجولاني وبني حيزبونَ تحقيقه قبل ترحيلهم
أولاً: التخلّص من الأقليات بأية طريقة
أولاً: التخلّص من الأقليات بأية طريقة، والأقليات مجازاً وهي هنا كلمة “غير صحيحة” لأنهم الأصل وأصحابُ الأرض الحقيقيّون، وبالمعنى الواسع هم أكثرية متعاظمة تزداد وستعرفون لماذا. التخلّص يتم سواء بالمجازر أو بالتهجير بعيداً عن سوريا. بدأها الإرهابيّون ومازالوا وبأقذر الأساليب تحت عيون “حماة الإنسانية” من عربٍ وأعاجم. ومن ضمن “الأقليات” المسلمون السنة المعتدلون أيضاً، هؤلاء تحديداً تزداد نسبتهم يومياً وسيشكّلون قريباً “كابوساً” لأبناء حيزبون، فأهل الشام هم الأكثر صبراً، وعندما يثورون لا يوقف بوجههم لا رامبو ولا نتنياهو
ثانياً: التنازل لإسرائيل عن الأرض والعِرض
ثانياً: التنازل لإسرائيل عن كلّ ما تريدهُ من أرضٍ ونفوذٍ وسلطان، وهذا يعني الابتعاد عن إيران. يتطلبُ هذا التنازلُ وجود نظام إرهابيٍّ يجعلُ الأقليات والسُنّة المعتدلين والصوفيين منهم، يتنازلون عن قيمهم ومبادئهم، فيُصبحونَ حلفاءَ لواشنطن وعبيداً لتل أبيب، فمَنْ رضي فليبقَ، ومَنْ يُعارض فليمت أو يرحل.
ثالثاً: تحويل سوريا إلى كنتوناتٍ مناطقية طائفية
ثالثاً: إنشاء كنتوناتٍ مناطقية طائفية متصارعة، لا تحملُ أية صبغة سياسية محددة، أي مجتمع مجهول الهوية القومية، يسهلُ ضمّهُ واحتلالهُ في أية لحظة
رابعاً: جعل سوريا خزان إرهابيين
رابعاً: جعل سوريا خزان إرهابيين لفترةٍ حسب الحاجة، واستخدام إرهابيي الجولاني ليس فقط للتدخلات الداخلية وارتكاب المجازر والتفجيرات الانتحارية والخطف والتهجير، وهذا يشملُ حتّى المسلمين السنة المعتدلين، بل أيضاً للتدخلات الخارجية، بإرسالهم إلى دولٍ مجاورة أو بعيدة، وهنا سنتوسع بعد قليل.
خامساً: تحريك داعش عند الحاجة
خامساً: تحريك داعش عند الحاجة، وبالتالي تبقى هناك ذريعة للتدخل الأميركي الدائم، وهذا فخٌّ أيضاً لحكومة المتخلفين الحالية، كيف؟ يُحرّكُ الإرهابي الجولاني داعش عند الحاجة لشماعة يُلقي عليها اتهامات جريمة إرهابية ما ارتكبها وجماعتهُ. لكن إلى متى يمكنهُ الكذب؟ وماذا لو تحرّكت داعش فعلاً، أي جماعته أنفسهم، وسيطروا على سوريا كاملةً، هنا ستجد واشنطن الذريعة للتخلص منه، واحتلال سوريا كاملةً وتنصيب نظام علماني موالٍ لها ولتل أبيب بشكل يُماثلُ ذُلَّ وهوان الجولاني الخنوع، لكن بدون إسلامٍ سياسي.
أي سيتمُّ التخلّصُ من الجولاني ومعهُ الإسلام السياسي التركي، لكن بعد إنهاكِ وتهجير الشعب السوري الذي “قرِفَ” من نظام الإخوان الفاشل الطائفي المتخلّف، واعتبرهم عدوّه الأساسي وبات همه التخلص منهم بأية وسيلة، ولو على حساب عشرات الآلاف من الأرواح.
سادساً القضاء على محور المقاومة
تحريك داعش سيكون مرهوناً بمصالح واشنطن، وعندما نقول واشنطن في مركز فيريل هنا، نعني الغرب ومعهُ الكيان ومعظم الأنظمة العربية. تنصبُّ الأهمية الآن وخلال الفترة القريبة القادمة على القضاء على ما تبقى من محور المقاومة، لذلك هم بحاجة لنظام إرهابي طائفي، ينقلُ بوصلتهُ مع الملايين من الغوغاء مِنَ الغرب نحو الشرق، ويعتبرُ إيران هي العدو الرئيسي والأزلي، وقد نجحوا بجدارة.
سابعاً القضاء على الدّين الإسلامي لصالح الدين الإبراهيمي
إن حصل ما سبقَ فهذا يعني؛ الوصولَ إلى إسرائيل الكبرى مؤقتاً، وتصفية القضية الفلسطينية نهائياً، وتنفيذ أجندة واشنطن في الشرق الأوسط، وبنفس التوقيت سيتمُّ القضاءُ على الدّين الإسلامي على يد الجولاني وجماعته، وإعلان الدين الابراهيمي ديناً رسمياً لدول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل. مع القضاء على كافة الأنظمة الدينية التي قد تُفكرُ بمعارضة ذلك.
ثامناً التنازل عن سوريا كاملةً
استنتجَ “العباقرةُ” أصحاب نظرية “أعطوهم فرصة”، بذكائهم الفطري” أنّ أبا محمد الجولاني وعبيدهُ، كَذَبة مأجورين، فقد رفعوا الصوت عالياً بوعيدٍ وتهديد بأنهم لن يقفوا قبلَ تحرير القدس! فإذ بهم عاجزين عن تحرير غرف نومهم. مع العِلم أنّ أيَّ مسؤول حالي لا يحملُ الشرعية القانونية باتخاذ أيّ قرار، والاعتماد الأميركي والإسرائيلي هو على “سياسة الأمر الواقع” وهذا ما يُوقّعُ عليه هؤلاء المتخلّفون من تنازلات عن الأرض والعِرض، سواء في الجولان أو مع تركيا وغيرها. الجولاني الذي توعّد كاذباً بتحرير فلسطين، يتخلّى عن سوريا كاملةً، لكنّ جماعتهُ لا ينفكون عن الصراخ والاعتزاز بكرامة زعيمهم، وأيّة كرامة هذه!
تاسعاً الوصول إلى دولة فاشلة
قلنا مراتٍ وسط معارضة من جماعة النظام السابق، أن سوريا ومنذ 2011 دخلت مرحلة الدولة الفاشلة. شروط هذه الدولة الفاشلة تتحقق بشكل متسارع على يد حكومة المتخلفين. اليوم يترحمُ كثيرٌ من السوريين على أيام بشار الأسد معيشياً على الأقل، رغم أنها كانت سيئة. وكما نقول دائماً في مركز فيريل؛ هناك السيء وهناك الأسوأ، نحن اليوم قابَ قوسين أو أدنى من “الأسوأ” ومن كافة النواحي. حديثُ رفع العقوبات والكذب على الناس مستمر، والغريب أنّ الناس مازالت تُصدق، والجواب الدائم: الغريق بيتعلق بقشة. حتى القشة غير موجودة. قبل أن يختفي الجولاني وجماعتهُ، ستكون سوريا الدولة الأكثر فشلاً في العالم.
عاشراً اتفاقية برّاك ــ بن سلمان
ربما ننفردُ في مركز فيريل بهذا الاسم حول توقعاتنا باتفاقية قادمة، تُماثل سايكس بيكو جديد في المنطقة. يقودها “توماس البرّاك” وهذا اسمه الحقيقي، ومحمد بن سلمان. موقع سوريا الجيوسياسي المتحكّم بالمنطقة، هامٌّ لكافة الدول القريبة والبعيدة. لكن لا توجد ضمانة دائمة لأنظمة حكم تمتثِلُ لأوامر الغرب دائماً، لهذا لماذا تبقى هكذا دولة واحدة غير مجزّأة، رغم أنّ سوريا الحالية هي جزء من سوريا الحقيقية. بناءً على ذلك لماذا لا يتمّ التقسيم على أسس طائفية وقومية، بطريقة فيدرالية أولاً وهكذا تدريجياً. كلّ مجموعة عرقية لها الحق بدويلة. وهذا ما يُرحّبُ به ويعملُ على تنفيذهِ كافة زعماء المنطقة، ونُكرر هنا كافة الزعماء ولا نستثني أحداً وأولهم “الأشقاء” العرب، لكنّ ألا يدري هؤلاء “الأذكياء” أنّهم ضمن الائحة؟
مهمة الجولاني في لبنان؛ فخٌّ أم قُربان؟
مما تناقلتهُ وسائل إعلام حكومة المتخلفين دون دليل مؤكد، أنّ المبعوث الأميركي “توماس البرّاك” أجرى اتصالاً قبل أيام مع الإرهابي الجولاني وقال له: “أنتَ رئيس واحد لدولتين”. ويعني لبنان وسوريا، هذا الخبر؛ إن كان كاذباً فسيُعطينا فكرةً عمّا يُفكّرُ فيه “المتخلّفون”، أمّا إن كان صحيحاً فهو على نموذج “انفشو وشوف”.
في الحالين؛ هناك تطوراتٌ خطيرة قادمة على لبنان وعلى الداخل السوري، فالإرهابيّونَ الذين منحهم مجهول النَسَب الجنسية السورية، لن تكون مهمتهم فقط قتلَ السوريين، والهجوم على القواعد العسكرية الروسية، بل أيضاً قتلُ اللبنانيين وبدعم إسرائيلي مباشر، وهذه هي المهمة الرابعة للجولاني هذا. تحرّكاتُ الإرهابيين بدأت وتجمعاتهم واضحة للعَيان في الساحل السوري وصولاً إلى طرابلس، وغربي دمشق وصولاً إلى مشارف البقاع.
بالتوازي تضاعفت منذ أيام موجات العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني خاصة. مع سيناريو خطير بتمهيد جوي صهيوني على البقاع والضاحية، قبلَ هجوم همجي “غوغائي” متوقع من إرهابيي الجولاني، بينما على الحكومة والجيش اللبناني المساعدة أو الفرجة على شعبه يُذبح بيد الأيغور والتركمنستان والشيشان وطيران الصهاينة، كلّهُ تمهيداً للقضاء على حزب الله وليس فقط نزع سلاحه. كلّ هذا سيُناقشهُ “المؤقت” مع مجرم الحرب نتنياهو عندما يتقابلان، وعلينا أن نُصدق أنها المرة الأولى… والمعنى واضح. اتفاق سلام والأصح استسلام مع إسرائيل قريب وتوقيع على “الدين الإبراهيمي” الجديد والاستغناء عن الدين الإسلامي والمسيحي أيضاً، هذا على فرض أنّ الأمور سارت بيسر، ولم يتمّ القضاءُ على جماعة الجولاني في الأمتار الأولى في الضاحية أو البقاع، مهما كان عدد الانتحاريين لديه.
بالتوازي مع كل هذا يجب إنهاء إيران. فالسلام بين إسرائيل وإيران حسب مركز فيريل ضربٌ من الخيال. السلام مع إسرائيل يعني استسلام وخنوع وخضوع وأصحاب الخليج سيرونَ العجب العجاب بوقفتهم إلى جانب واحد.
ماذا لو كان ما يجري فخّاً للإسلام السياسي؟
ماورد قبلَ قليل هو صورة أولى، الصورة المعاكسة أيضاً واردة بقوة، وقد تكونُ فخّاً للجولاني والإسلام السياسي. حتى لو لم تكن الصورة واضحة مُسبقاً، والخطط الأميركية مكتملة، فهناك قوىً كثيرة ستحوّلُ الهجوم الإرهابي على لبنان إلى فخّ لا يطالُ رقبة الجولاني وعبيدهُ، بل يصلُ لرقبةِ أردوغان في عرشه.
مَنْ هو المسيحي اللبناني “الذكي”، طبعاً باستثناء جعجع العبقري، الذي سيرضى أن تتحوّلَ لبنان إلى إمارة إسلامية متخلّفة؟ وهل سيأتي الإرهابي الجولاني وجماعته إلى لبنان بالحضارة والرقي والإزدهار مثلاً؟ هذه سوريا مثالٌ على حضارتهم التي يخجلُ منها الإنسانُ الحجري.
لنفترض، افتراضٌ فقط، أنّ المتخلّفين أتموا المهمة بنجاح، سيطروا على لبنان كاملاً وأصبحوا على حدود إسرائيل راكعين ساجدين لنتنياهو وخليفته، ما الضمانة بأنهم سيبقونَ على اتفاقية الذل الحالية؟ إذا كانوا يغدرون بذويهم ويقتلون أمهاتهم، فلماذا لا يقتلون ويغتصبون الإسرائيليات وهم العطشى لجهاد النكاح؟
يعلمُ أردوغان وجماعة الإسلام السياسي أنّهم على القائمة أيضاً، سواء تمّ القضاء على إيران أم لا، لهذا يتعجلُ السيطرة التامة على سوريا، والوصول إلى لبنان أيضاً عن طريق صبيّه الجولاني، مُعتقداً أنّ الأمور ستسيرُ بطريقة التسليم والاستلام كما حصل في سوريا.
دخول السعودية على الخط ودعم الجولاني مثيرٌ للشبهات، فماذا لدى هكذا إرهابي ليقدمهُ إلى محمد بن سلمان أو دونالد ترامب؟ لا خيلَ ولا مالُ ولا سيرة مُشرّفة ولا حسب ولا نسب، فماذا وراء هذه “الطبطبة”؟ كلب حراسة جديد؟ لديهم ما يكفي. أضحية العيد؟ السعودية رمت وراءها التخلّف وانطلقت، وهي بنفس الوقت تُشجّعُ “الجهلة”!
أخيراً؛ لا توجد دولة بعيدة عن المشهد الفوضي، طبعاً الصين وروسيا في المقدمة، في المنطقة لدينا العراق وتركيا ومصر والجزائر ، فهي أيضاً ضمن القائمة، وإن بقيت تتفرّج ستكون هي التالية، ولن تفيدها شعاراتٌ وإن كانت صادقةً، أو اتفاقيات سلام ونجدة للجيش الإسرائيلي. الفوضى القادمة على الشرق الأوسط. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 01.07.2025. الباحث الأستاذ زيد م. هاشم. الدكتور جميل م. شاهين