الوضع الاقتصادي في سوريا. بحث من مركز فيريل للدراسات أيار 2023. الجزء الأول هذه دراستنا الثالثة حول الحياة المعيشية في سوريا، بعد أن نشرنا في آذار 2021 دراسة حول هذا الموضوع، كانت نتيجتها صادمة وهي أنّ: الحياة المعيشية بالنسبة للمواطن السوري أغلى بـ 26 ضعفاً عن مثيلتها لدى المواطن الألماني. اليوم ونحن نقتربُ من منتصف العام 2023، هل من جديد مُبشّر؟
تتغيّر الوجوه والأسماء والطريقة واحدة
تغيّرت الأسماء والوجوه، وما تغيّرت العناوين؛ رحل أو رُحّلَ وزير وجاء آخر، عُدّلت وزارة بينما احتفظ معظم أصحاب الكراسي بكراسيهم، وبقينا نقرأ ونسمعُ ذات التعابيرَوالأخبار المعروفة للصغير والكبير؛ “التدخّل الإيجابي لصالح المواطن” و “مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك تضبطُ محلاتٍ ومحطاتٍ ارتكبت مخالفاتٍ”، “البطاقة الذكية” ضبوط طالت فعالياتٍ تجارية في السوق بسبب رفع الأسعار”.
كلّ ما ورد بعضٌ من العناوين البرّاقة التي تملأُ وسائل الإعلام، فهل انعكس ذلك إيجاباً على هذا المواطن؟
المسؤولون لا ينامون الليل لانشغالهم بوضع الخطط للخروج من الأزمة الخانقة، وتخفيف العبء عن كاهل الشعب. همّهم الوحيد رضى الشارع قبل أن يُقابلوا وجه ربهم، وتصريحاتهم أيضاً لم ولن تتغيّر. فهل نستبشرُ خيراً بأي تغيير وزاري ورحيل الوزير الفلاني واستلام آخر؟
الصيام مستمر إلى أجل غير مُسمّى
مرّ شهر رمضان 2023 ومعه عيد الفطر، لكنّ الصيام مستمر إلى أجل غير مُسمّى. نزلنا إلى الأسواق السورية، التقى فريق مركز فيريل للدراسات في سوريا بعشرات المواطنين ومازال، سألناهم رغم معرفتنا وخبرتنا ومعاناتنا شخصياً من هذا الواقع الأليم. دخلنا المحلات بكافة مستوياتها، الشعبية وما تُسمى مجازاً “محلات الهاي لايف”. قارنا ونُقارن أسعار “مئات السلع” والحاجات الأساسية للحياة. لنخرجَ بسؤال واحد لن يُجيبَ عليه صاحب كرسيّ:
كيف يمكنُ لأسرة سورية مكونة من أربعة أفراد أن تعيشَ ثلاثين يوماً براتب موظف قدره 120 ألف ليرة سورية؟!
قراءة المزيد: الوضع الاقتصادي في سوريا. بحث من مركز فيريل للدراسات أيار 2023. الجزء الأولزيادة الرواتب قادمة، فاصبروا!
هناك قاعدة مُختلَقة منذ سنوات وهي: (كل زيادة رواتب يعقبها رفع أسعار السلع الضرورية) وتكون نسبة الزيادة أقل من قيمة الرفع، فينحدر المستوى المعيشي هبوطاً وبشكل مستمر.
اليوم ونحن في نهاية أيار 2023، يعود الحديث عن زيادة الرواتب وبنسبٍ كبيرة، هكذا يُروّج له، نسبة 200%، معلومات مركز فيريل للدراسات تُرجح نسبة أقل، لكن لنفرض، ونقول هنا لنفرض أنّ النسبة كانت 200% فصار دخل العائلة السورية من هنا وهناك يصل إلى نصف مليون ليرة سورية. هل تكفي الـ500 ألف ليرة سورية لحياة شبه مقبولة، أي دون الوسط؟ الجواب لا هكذا دخل شهري لا يصل بالمواطن السوري لملامسة خط الفقر العالمي.
قبل الزيادة “الخيالية” المفترضة “فيسبوكيّاً”، أخذنا الـ120 ألف ليرة سورية كراتب موظف عادي، ودخلنا بهذا الراتب “الضخم” أسواق العيد التي علّقت محلاتها لافتاتٍ مُزركشة عن الحسومات والخصومات ومهرجانات التسوق. قصدنا صالات السورية للتجارة، جماعة (التدخل الايجابي)، التي سيكون لها مع مولات الهاي لايف، نصيب كبير في تقرير مركز فيريل للدراسات، كما أسلفنا، وقلة قليلة من الأسواق الشعبية المتبقية في البلاد، التي يستطيع المواطن اللجوء إليها “لتسكيج“ وضعه المعيشي.
أردنا شراء حاجيات لأرخص وجبة إفطار، وعندما رأينا أسعار الأسواق، أدركنا أنّ الصيام يجب أن يكون لعدة أيام متواصلة كي نستطيع شراء ما يملأ زاوية من المعدة الخاوية، في زمن لا يصوم فيه تجار “دود الخل” عن الفلتان التجاري.
طبق شوربة وصحن سلطة وصحن مفركة بطاطا لن ندعمها بزيت قلي، مع ربطة خبز، وبدون رائحة لحم أو سمنة، لا سمح الله، هل هناك أبسط من هكذا وجبة؟ أخبرونا إن كنتم تعلمون. هكذا وجبة تُكلّفُنا بقدر راتب موظف لشهر كامل… ويقولون لك اصبر والفرج قادم…
الآن بزيادة 200% فرضاً، مع ارتفاع فوري لسعر الغاز والبنزين وما يجرّهُ هذا الارتفاع، هل تستطيع أسرة سورية تناول هكذا وجبة رخيصة مرة أسبوعياً؟ ماذا عن أجور المواصلات، فواتير الكهرباء، الماء، الهواتف، الإنترنت “السريع”، مصروفات المدارس، المونة، التدفئة، لن نقترب من أجرة المنزل فهذه أمور خيالية.
ثم يأتيكَ صاحبُ “صُنع في سوريا”
بمهرجانات تسويقية وإعلانات حتى في غرف النوم، تصعقنا الأسعار المترافقة مع شعار “التدخل الإيجابي”. أيّ خداع هذا؟ إيجابي لمَنْ؟ للمستهلك أم للتاجر؟ ما آلية التسعير التي اتبعتها الشركات التي تطرح منتجاتها في مهرجانات التسوق (صنع في سوريا)؟ فيما يتعلق بالسلع الاستهلاكية والمواد التموينية والأغذية التي يحتاجها المواطن، هل يعلمُ المسؤولون متوسط الدخل؟ أم القياس على دخل التاجر والمسؤول؟
مونة سبعة كيلوغرامات مكدوس تُكلّف 207000 ليرة سورية؟! و(رب البندورة) التي أصبحت سيدة المنزل تُقنن بها في الطبخ لأن الكيلو الواحد منها بـ8000 ليرة.
ماذا عن القمح السوري الأشهر عالمياً؟ المعكرونة يتراوح سعر الكيلو بين 8500 و10000 ليرة بل أكثر من ذلك في أنواعها المختلفة! أي أن الـ4 كيلو يتجاوز 30 ألف ليرة.
كل ما سبق أرقام حقيقية تُقدم تحت مسمى حسومات خاصة في مهرجانات التسوق للمواطنين. لن نفتح باب المنتجات التي لا يعرف مصدرها ومكان وزمان تصنيعها ومدى جودتها، ولن نتطرق لأسعار المنظفات، إيماناً منا بأنه كما سبق لأجدادنا أن استحموا بصابونة غار فقط فالقطعة منها بـين 3000 و 4500 ليرة لذلك يحق للمواطن رفع لافتة أين المفر وماذا بعد؟
ويخرج إلى الشاشات من يقول منتجاتنا تصدر إلى الخارج ومهرجانات التسوق السورية تتنقل في الدول، وأوروبا تتعلّم منّا وتأخذ بطرقنا في معالجة الأزمة، وجامعات سوريا الوحيدة في العالم التي تُدرّس طلابها مجاناً!
هل حقاً تصل منتجاتكم إلى أسواق الخارج بنفس الأسعار ونفس الجودة؟ أم أنها في بلادنا الغالية تبقى “الأغلى”؟ وأبسط مثال؛ سعر عبوة “مربى الفواكه” هو 19000 ليرة بوزن نصف كيلو وهي لإحدى الشركات التي تصل منتجاتها إلى ألمانيا والكثير من دول أوروبا. فهل تستقبلُ دول الاتحاد الأوروبي هكذا منتجات بنفس السعر والجودة؟
إن أردنا مواصلة حلمنا، سنتحدثُ عن الحلويات، حلويات العيد السورية، كيلو السمن النباتي يتجاوز 20 ألف ليرة، ليتر الزيت 18 ألف ليرة، كيلو الطحين 5 آلاف ليرة والسميد 8آلاف ليرة، والدجاجة باتت تبيض في المشافي فحلّقَ أسعار البيض، بالنتيجة، دعونا ننسى الحلويات.
خاتمة الجزء الأول من الحياة المعيشية للمواطن السوري
لسنا هنا لمهاجمة حكومة أو مسؤولين أو تُجار، بل تنبيه هؤلاء، إن كانوا غافلين، إلى أن الوضع المعيشي للمواطن السوري، يُشبهُ سقف الدين الأميركي، سيرفعونه ويتجنبون الكارثة، والحقيقة أنهم يؤجلون الكارثة. هل وصلت الحياة المعيشية للخط الأحمر في سوريا؟ دون شك وصلت، وكثرة إبر التخدير تقتضي رفع “الجرعة” كل مرة لكن في النهاية ماذا سيحدث؟
المطلوب من الدولة وليس الحكومة؛ اتخاذ إجراءات حقيقية عوضاً عن حلول تسمى مجازاً إسعافية، بينما هي مكاسب مادية لشركائها تجار الحرب، وعلى حساب مستهلكين عاجزين “مؤقتاً” عن مقاطعة أية مادة غذائية، حتى وإن كانت هذه المقاطعة ضمن الحلول البدائية في عقول العامة… واحذروا وهذا تحذير لكم إن كنتم تفهمون.
المقاطعة سنتحدث عنها بوقتها رغم أنّ مفهوم (كساد المواد بمخازن التجار) يظنون أنه مستحيل. ماذا لو شملت المقاطعة حتى “الأعلاف” التي ترمون بها للحيوانات التي تُصدّر والأصح تُهرّب بمعرفة الدولة؟
المواطن السوري أيتها الدولة السورية صبور جداً، تحمّل الإرهابيين بأصنافهم ومنهم أنتم، فلا تظنّنَ أنه يعتبركم ملائكة. المواطن السوري يا “سادة” تجاهل فسادكم وسرقاتكم وظلمكم، نسي الأساسيات التي صنفتموها كماليات
المواطن السوري قد يأتي وقت… يلحقُ بكم إلى غياهب البرازيل، فاختاروا مكاناً آخر للهروب… الشكر لفريق مركز فيريل للدراسات في دمشق، سوريا، على عمله الدؤوب والمتواصل، وقل اعملوا. مركز فيريل للدراسات. 27.05.2023. فيديو مرافق يمكنكم مشاهدته بعدة روابط. مع تحياتنا.