هل يحضر الأسد القمة العربية؟ الدكتور جميل م. شاهين 16.05.2023

هل يحضر الأسد القمة العربية؟ الدكتور جميل م. شاهين 16.05.2023 ثلاثة أيام فقط تفصلنا عن بدء انعقاد القمة العربية، المفترض أن تحمل الرقم 32، والمكان هو الرياض عاصمة السعودية والتاريخ 19 أيار 2023.

إنجازات القمم العربية

يُثيرُ مجرد هكذا عنوان سخرية الكثير من القرّاء، والسببَ هو اليأس من هذه القمم ومن الجامعة العربية بكل مَنْ فيها وما تُمثّل. فتشنا في مركز فيريل للدراسات عن قراراتٍ هامة سابقة انعكست حقيقةً على أرض الواقع، فما وجدنا إلا القليل القليل، أمّا القسم الأعظم من تلك الإنجازات “الخارقة” فجاء على صفحاتِ وسائل إعلام الدول المُستضيفة. فنقرأ بديباجة نسخة طبق الأصل، مثلاً: (حققت القمة العربية الأخيرة إنجازاتٍ هامة على كافة الصعد رغم صعوبة الأوضاع) وسيلة إعلامية لزعيم عربي آخر: (حققت القمة العربية إنجازاتٍ عظيمة رغم التحديات التي تواجه أمتنا العربية). أهم تلك “الخوارق” ما حققتهُ الزعامات في طريق الوحدة العربية، والاكتفاء الذاتي والأمن الجماعي والدفاع المشترك ورفاهية المواطن العربي. أما ما يُشاع عن التجارة بالقضية الفلسطينية بشكل عام، ثم التجارة بها مُجزّأة؛ تارةً غزة ثم القدس والضفة، وكلّ “بطل” يدّعي أنّه حامي الحِمى ولولاه ما كان هناك عرب أو عروبة. فهذا كلام مُغرضين ومتآمرين على الوطن…

ما هي نتائجُ القمم العربية غير الكلام؟

فشلت الجامعة العربية وبجدارة في معظم القضايا الهامة، القضية الفلسطينية بكافة جوانبها، السودان ودارفور سابقاً وحالياً، ليبيا، غزو العراق وقبله غزو الكويت، حرب اليمن، الحرب في سوريا، احتلال الكيان للبنان، حرب تموز، الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا ولبنان، قصف المفاعل النووي في العراق، قضية الصحراء الغربية…

اتفق العرب على العراق فدمروه، ثم اتفقوا على سوريا فدمروها ولا تنسوا اليمن والصومال، وليتهم ما اتفقوا.

اعتباراً من العام 2010، انحرفَ اتجاه القمم العربية نحو ما يحدث في الدول العربية من حروب أهلية، ومنها سوريا التي تمت معاقبتها، وبذكاء “متوارث”، بإبعادها عن “الجامعة المقدسة”. كما أصبحت إيران وليست إسرائيل عدو العرب الأول.

بعد كل هذا؛ هل للجامعة العربية مبررات أو مقومات البقاء على قيد الحياة؟ نُجيبكم فوراً: نعم يجب أن تبقى رغم فشلها المستمر! لماذا؟

عودة سوريا للجامعة العربية

كما هو متوقع، (أرسل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز دعوة للرئيس السوري بشار الأسد، للمشاركة في القمة العربية التي ستعقد في الرياض بتاريخ 19 أيار الحالي. سلم الدعوة سفير السعودية لدى الأردن نايف بن بندر السديري، مع تحيات الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء للرئيس السوري، وتمنياتهما لحكومة وشعب سوريا الشقيق بالأمن والاستقرار، فيما حمّله الرئيس السوري تحياته وتقديره لهما، ولحكومة وشعب السعودية المزيد من التقدم ودوام الرقي والنماء). هكذا ورد الخبر على وسائل الإعلام السعودية.

قررت جامعة الدول العربية بتاريخ 7 أيار الحالي، عودة سوريا لشغل مقعدها بعد تعليق تلك المشاركة 12 عاماً، بينما استأنفت البعثة الديبلوماسية السورية في الرياض عملها يوم الأربعاء 10 أيار 2023. طبعاً لابد من تصريحاتٍ صحفية عن روابط الأخوة و “الدين الواحد”، التي تجمع “شعبي” البلدين مع الحرص على العمل العربي المشترك، والتصدي للمخططات التي تستهدف “شقّ” الصفّ العربي.

ماذا تستفيد سوريا من عودتها للجامعة العربية؟

الفائدة السورية الأولى باختصار؛ إنهاء العزلة العربية بشكل خاص والعالمية إلى حد بعيد، أي تخطي قرارات وعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ودون ضوء أميركي أخضر. نعم نؤكد في مركز فيريل أنّ واشنطن وخلفها الدول الغربية، تقفُ ضدّ إعادة سوريا وهذا دليل آخر على تراجع النفوذ والسيطرة الأميركية عربياً وعالمياً.

الفائدة الثانية هي تحسّن الوضع الاقتصادي في سوريا، ونقول هنا تحسّن وليس الوصول لحالة اقتصادية جيدة. من الطبيعي، على فرض أنّ هناك شيء طبيعي يحدث، أن تدعمَ دول الخليج والسعودية خاصة الاقتصاد السوري بطرق شتّى، في ظل نمو اقتصاد سعودي هو الأفضلُ عالمياً حالياً على الأقل. لكن بالمقابل؛ هل ستدعم الرياض دمشقَ في ظلّ “فساد” هو الأسوأ في العالم؟

ماذا تستفيد الدول العربية من عودة سوريا؟

وجدت الدول العربية، بعد 12 عاماً، أن حالة القطيعة مع سوريا فاشلة ولم تأتِ بأية نتيجة، والمليارات التي صرفتها تلك الدول لإسقاط الدولة السورية، بدءاً من الضخ الإعلامي إلى المساعدات المالية للمعارضة واستقبال الآلاف منهم والتنسيق مع عواصم الغرب وأعداء “العرب” بما في ذلك  التعاون مع تل أبيب، إلى المليارات التي صرفتها عدة دول عربية “شقيقة” على الإرهابيين من جبهة النصرة وداعش، من تسليح وذخيرة ورواتب وحتى تأمين بطاقات طيران لعشرات الآلاف منهم، حيث نشرنا ضمن دراستنا أنّ 53% من المقاتلين الأجانب في سوريا جاؤوا من “الدول الشقيقة”. كل هذا لم ينفع، فاكتشفت تلك الدول أنه لابد من الرضوخ للأمر الواقع، والتعامل مع القيادة نفسها التي كانت بنظرهم “فاقدة للشرعية” واليوم فجأة عادت شرعية. من هنا وجبَ إعادة سوريا إلى الحضن العربي “الحنون”. هذا هو الظاهر لكن هناك أسباب أخرى هامة.

لعبت عودة العلاقات بين السعودية وإيران دوراً أساسياً في ذلك، وتأجيل الخلافات بين البلدين، ونقول هنا تأجيل وليس حل، كان إيجابياً لسحب السوريين نحو الحضن العربي كي يبتعدوا قليلاً عن الإيرانيين.

أمر آخر؛ تلعبُ السعودية اليوم دوراً إقليمياً قوياً، وتطمحُ بقيادتها الشابة أن تصبحَ الدولة الأهم في المنطقة، فتسحبُ البساط من تحت الدول المنافسة؛ إيران، تركيا، مصر، لتنتقلَ فيما بعد للعب دور أوسع عالمياً. ما تريدهُ الرياض هو أن تصبحَ “عاصمة القرار”، عودة سوريا برعاية ووساطة سعودية سيرفعُ من مكانتها كعاصمة هي الأهم.

عودة ضمن الشروط السورية

تتبعنا الخط البياني لشروط إعادة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية، فوجدنا أنّه لم يتمّ تحقيق أي شرط، والخط البياني للشروط العربية نزل من القمة وهي رحيل الأسد واستبدال القيادة السورية كاملة ووصول المعارضة لكرسي الحكم، تتابع النزول لدى العرب ليصلَ إلى الصفر. على العكس تماماً؛ عادت سوريا بشروطها وهي ألا يكون هناك شرط أصلاً.

 باتَ المطلوبُ هو حل سياسي شامل “لاحقاً”، دققوا على كلمة لاحقاً، متى؟ لا تحديد زمني. والمساعدة على إعادة اللاجئين السوريين وعدم التعرّض لهم. بعد ذلك؛ هل سيحضر الأسد القمة؟

هل سيحضر الأسد القمة العربية في السعودية؟

حضور الرئيس السوري بشار الأسد شخصياً القمة العربية على رأس الوفد السوري لم يُحسم بعد وقبل ثلاثة أيام فقط.

ما نراهُ في مركز فيريل؛ أنّ حضور الأسد سيكون الحدث الأهم في هذه القمة، إن حصل. لكنّ ظروف نجاح هذا الحضور ونتائجهُ لم تنضج بعد حسب الرؤية السورية. بما أن حضوره هام، فهل سيكون استقباله استثنائياً؟ ومَنْ يستقبلهُ؟

نعتقدُ أنّ القيادة السورية لن تحضر القمة إلا بشروط قد تكون صعبة على مضيفيها، فالسوريون يريدون استقبالاً حافلاً ونتائج قمة قوية ليكون حضور الأسد ليس بهدف زيادة عدد صور ألبوم الجامعة العربية.

أمر هام آخر؛ هل ستقفُ واشنطن وتل أبيب تتفرجان على الأسد يُقلعُ بطائرته من مطار دمشق الدولي، هكذا دون أية ردة فعل؟

 الأسد قال قبلَ أيام: (العودة للجامعة العربية ليست هدفًا بحد ذاته بل الهدف هو العمل العربي المشترك) وهو ما فُسّر بأنه تلميح لعودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، بعد أن تحولت الأنظار نحو طهران. الولايات المتحدة لن تُمرر الأمر هكذا ومعها تل أبيب، وستتعاون مع قطر والمغرب لإفشال أية خطوة سورية باتجاه “جدة”، وستُفعل قوانين جديدة تنتظرُ ومعها المعارضة السورية في واشنطن، ليتم عمل “كوكتيل” من قوانين قديمة كقيصر والكبتاغون وجديدة مثل قانون منع التطبيع مع سوريا. فلننتظر ونرى ولنا عودة. مركز فيريل للدراسات. 16.05.2023. الدكتور جميل م. شاهين.