اليمن الأسوأ وسوريا الخامسة عالمياً ولبنان دخل المنافسة. كل ثالث عربي جائع. الجوع يفتكُ بالدول العربية. مركز فيريل للدراسات. Dr. Jameel M. Shaheen. Firil Center For Studies. FCFS Berlin 18.12.2021
لا يزال الجوع في الدول العربية يتفاقم. هذه خلاصة تقرير منظمة الفاو العالمية حول الدول العربية وشمال إفريقيا. التقرير صدر بتاريخ 16 كانون الأول 2021، وفيه تفاصيل مخيفة عن الوضع الغذائي الصحي، فقد تضاعف تقريباً بنسبة 91,1% عدد الأشخاص الذين يُعانون من الجوع وسوء التغذية في المنطقة، منذ عام 2000 حتى يومنا هذا.
وفقاً للتقرير الصادر عن منظمة الفاو والذي ترجمه مركز فيريل للدراسات في برلين: وصل عدد الجياع في الدول العربية إلى 69 مليون شخص في عام 2020، بسبب الأزمات السياسية والحروب والاضطرابات الاجتماعية وازدياد الفقر وعدم المساواة وتغير المناخ وندرة الموارد الطبيعية والتداعيات الاقتصادية المرتبطة بوباء COVID-19 الأخير.
عانى ما يقرب من ثلث سكان المنطقة، أي 141 مليون شخص، من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في عام 2020، بزيادة قدرها 10 ملايين عن العام الذي سبقهُ أي 2019.
حسب تصريح السيد عبد الحكيم الواير، المدير العام المساعد للفاو والممثل الإقليمي للشرق الأدنى وشمال إفريقيا: “لا تزال النزاعات تشكل أحد الأسباب الرئيسية للجوع في المنطقة، حيث يواجه حوالي 53.4 مليون شخص الجوع في البلدان والمناطق المتأثرة بالصراعات، وهو أعلى بأكثر من ستة أضعاف مما هو عليه في البلدان الآمنة… لا أتوقع حدوث تحسن ملحوظ في الوضع هذا العام لأن العوامل الأساسية للجوع مستمرة في دفع الوضع نحو الأسوأ“.
سوء التغذية يصيب حتى الدول الخليجية
يُحذّرُ التقرير من أنّ نتائج عام 2021 ستكون أشد من العام السابق، ولا يمكن تحميل جائحة كوفيد -19 كافة الأسباب، فالمنطقة العربية ما كانت في الطريق الصحيح قبل انتشار الفيروس، لكن الجائحة فاقمت الوضع أكثر.
مقابل الجوع ونقص التغذية، تُعاني شعوب بعض الدول العربية من الإفراط في تناول الغذاء، مما يُشكّلُ عبئاً إضافياً على تلك الدول. فالسمنة حتى لدى الأطفال دون الخامسة بالإضافة للبالغين وصلت في الكويت إلى 37,4% من عدد السكان. والسمنة لا تعني أبداً أن الغذاء صحي، فقد يُصاب بالسمنة حتى الفقراء الذين لا يتناولون سوى الخبز والمعجنات. بشكل عام؛ ارتفعت نسبة السمنة بين البالغين بشكل مطرد في المنطقة منذ عام 2000، حيث وصلت إلى 28.8% عام 2020، وهي أكثر من ضعف المتوسط العالمي البالغ 13.1%.
وحسب التقرير: “لا يزال الوزن الزائد في مرحلة الطفولة يمثل مشكلة صحية عامة عالية في المنطقة، فالمتوسط العالمي هو 5.7% بينما يصل إلى 10.7% في المنطقة العربية”. كل ماورد لا يتحدّثُ بشكل صريح عن حجم الكارثة التي فاقت كلّ وصف…
ما يحدثُ خطير ويُنذرُ بمستقبل أسود. رأي مركز فيريل للدراسات
رغم قتامة التقرير ووضعه لأسباب عديدة، لكنه أغفل أسباباً أخرى عن عمد أو مراعاة لدول معينة. من الأسباب الأخرى للجوع؛ ارتفاع معدل الولادات وعدم اتخاذ الحكومات أية إجراءات فعالة لإقامة المشاريع الزراعية لتأمين الغذاء للملايين المتزايدة سنوياً. نأخذ مصر كمثال: ازداد عدد سكانها بين عامي 2006 و2017 بواقع 20489000، أكثر من 20 مليون ولادة، أي خلال 11 عاماً هناك زيادة تُعادل عدد سكان سوريا من الأطفال المستهلكين الجدد غير المنتجين بحاجة لطعام، وعلى الحكومات المصرية تأمين مصادر تغذية جديدة.
خصَّ التقرير الدول التالية: الجزائر. البحرين. جزر القمر .جيبوتي. مصر. العراق. الأردن. الكويت. لبنان. ليبيا. موريتانيا. المغرب. عُمان. قطر. السعودية. الصومال. السودان. سوريا. تونس. الإمارات. اليمن. فلسطين.
الصومال كانت الأسوأ، حسب التقرير الذي أخذ النسبة وليس العدد فكانت 59,5% من الصوماليين يُعانون من الجوع وسوء التغذية، ثم اليمن بواقع 45,4%.
لو كان لدى زعماء العالم ذرة أخلاق لأوقفوا الحرب في اليمن
الحقيقة الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة أيضاً تقول أنّ اليمن هي الأعلى وليس الصومال بالعدد الإجمالي لكنها هربت إلى النسبة لمدارة الزعماء والدول التي سببت الكارثة في اليمن الذي كان يوما يُسمى سعيداً.
اتصل مركز فيريل بأحد العاملين في مجال الإغاثة في اليمن فنقل لنا الصورة الحقيقية عما يجري هناك، وكانت مأساوية وكارثية. حوالي 16 مليون يمني يُعانون من نقص غذائي وصل حدّ المجاعة، وحتى في التقرير الأول ذكروا أنّ الأسباب هو الحرب الدائرة دون تسمية الدول التي تُدير هذه الحرب وهي السبب الرئيسي في مأساة الشعب اليمني.
الوقاحة وهي الوصف الديبلوماسي لما قام به المجتمعون في هيئة الأمم المتحدة وأصدروا بعدها تقريرهم بتاريخ 22 أيلول 2021، ورد في التقرير المهزلة:
(وقد شكر منسق الإغاثة التابع للأمم المتحدة قادةَ العالم على الاستجابة الإنسانية في اليمن، مؤكداً أنّها من بين أكثر الخطط تمويلاً، حيث تم الوفاء بـ98% من التعهدات التي تم التعهد بها في حدث في شهر آذار 2021. حيث تمّ جمع أكثر من 2 مليار دولار و “منع المجاعة وإخراج الناس من حافة اليأس” ، وتقديم المساعدة إلى كل مقاطعة من مقاطعات البلاد البالغ عددها 333). أتعلمون ماذا تستطيع هذه الـ2 مليار دولار أن تُقدّم للشعب اليمني من طعام؟ حسابيا يكون نصيب اليمني الذي يعاني من الجوع حوالي 130 دولاراً، أين تبخرّت ومن سرقها؟
السيدة Henrietta Fore المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة ( UNICEF اليونيسف) كانت أكثر صراحة لهذا اتهُمَت بالسوداوية: (1.7 مليون شاب يمني هاجر. 11.3 مليون شاب يعتمدون على المساعدة الإنسانية للبقاء على قيد الحياة و 2.3 مليون دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، وهناك 400 ألف يمني دخلوا مرحلة الموت الوشيك). تخيلتم هذه الأرقام الصادرة عن هيئة رسمية؟
ما لفت نظرنا أيضاً في مركز فيريل هو الخطر القادم مع الأجيال القادمة، فتقرير الفاو ذكرَ أنّ 20,5% من الأطفال دون سنّ الخامسة يُعانون من التقزّم، بينما 7,8% يعانون من الهزال أي نقص التغذية الشديد. في اليمن فقط 2.3 مليون طفل لديهم سوء تغذية حادّ، ولا يمكن إصلاح هذا النقص في بنيتهم الجسدية مستقبلاً.
التقزّم لا يعني قصر القامة الوراثي، بل وسيلة تكيّف يقوم بها جسم الإنسان عندما يتناول طعاماً منخفض الطاقة لفترات طويلة، أي يعاني من الجوع، والنتيجة الصحية على المدى البعيد لهذا الإنسان تكون: فشل أعضاء الجسم الرئيسية الحيوية وهي القلب والرئتين والدماغ والكيلتين والكبد بعمر مبكر، بالإضافة لقصور النمو الإدراكي لدى الأطفال. ولمن يسأل؛ سوريا ليست بعيدة عن ذلك، فترتيبها حسب الصورة في المركز الخامس عالمياً في إنعدام الأمن الغذائي، بينما دخلت لبنان المنافسة بقوة.
وهنا المشكلة الكبيرة التي تطرحُ أسئلةً يتمّ تناسيها…
ما هو المستقبل الصحي الذي ينتظرُ عشرات الملايين وربما مئات الملايين من الأجيال القادمة التي تعاني نقصاً حادّاً في التغذية لعدة سنوات في هذه الدول؟ ما هو المستقبل العلمي والعملي الذي ينتظر الأجيال القادمة إذا كان همّها الأول وشغلها الشاغل تأمين لقمة العيش الفقيرة غذائياً؟ أليس أحد الأهداف؛ خلق أجيال من ضعيفي البنية البدنية والعقلية؟ رغيف الخبز وحبة البطاطا لا تعني غذاءً كاملاً، يجب أن تحوي الوجبات الغذائية الصحية على مكونات أخرى خاصة للأطفال في مرحلة النمو؛ اللحوم والأسماك. منتجات الألبان. الفواكه والخضروات والعصير. السكريات والزيوت بالإضافة للنشويات. هل فكرتم بمستقبل الأطفال الصحي الذين من المفروض أن يقودوا هذه الدول مستقبلاً؟ اللهم إلا إذا كانت الحكومات “الكريمة” تعتبرُ رغيفَ الخبز وحبة بطاطاغذاءً كاملاً!! مركز فيريل للدراسات. 18.12.2021.