
بيرل هاربر روسيا أم إعلام غربي؟ مركز فيريل للدراسات. 02.06.2025. الدكتور جميل م. شاهين. لم تمضِ ساعات على نشرنا لمحاولة اغتيال فلاديمير بوتين في كورسك، حتى جاءت ثلاثة ضربات أوكرانية قوية لموسكو، تُضافُ لسابقاتها مما يؤكد أنّ الحرب في خطّ تصاعدي مرسوم، ومحادثات السلام المزعوم ليست سوى محطات “تناول المرطبات”.
هجوم الناتو بدأ ضدّ قطار مدني
لا يمكن بأية حال الاقتناع بأنّ الاختراقات المخابراتية أو الردود العسكرية الأوكرانية جاءت بمقدرات ذاتية، سابقاً أو حالياً ومنها هجمات الليلة الماضية تحديداً. البداية كانت بتفجير جسر بقطار مدني ليلة السبت أدى لمقتل 7 مدنيين روس على الأقل وجرح العشرات، قربَ مدينة Bryansk، قرب الحدود الأوكرانية وقربَ هنا تعني 100 كم داخل الأراضي الروسية الشاسعة.
بعدها بساعتين أي فجر الأحد 01.06.2025، تفجيرٌ ثانٍ بجسر قطار آخر منطقة Zheleznogorsk في مدينة كورسك الحدودية أيضاً، أدى لخروج عدة عربات عن مسارها وإصابة السائق، والقطار هذه المرة ليس مدنياً
إلى هنا الاختراقات عادية ويمكن لأوكرانيا القيام بها بمجهود ذاتي. وهذا يحصل في أية دولة مهما كانت قوتها، لكن تفجير قطار مدني روسي ينزعُ صورة الناتو “الإنسانية” ودولهِ “الراقية” حاملة أغصان الزيتون.
ضربة القاذفات النووية الروسية
ربما نختلفُ في مركز فيريل للدراسات بتقييم نتائج تلك الضربة فعلياً عما وردَ في وسائل الإعلام حتى الروسية منها، فكلّ جهة تريد استغلال ما حدثَ لهدف ما. هناك تضخيمٌ أو تقزيمٌ وشحنٌ للشارع أو العكس. نبدأ بموجز لطريقة الهجوم بعضها وصلكم في الأخبار، وقد يكون لدينا جديد.
اختراقٌ مخابراتي من الناتو دون شك المخابرات الأوكرانية رأس الحربة فيه. بدأ بتجنيد عشرات الروس والأجانب الناطقين بالروسية بطلاقة ومنهم سائقي شاحنات، عِلماً أنّ بعضهم اشترك بالعملية دون أن يدري، أي لم تكن كلها اختراقات، بينما كانت الحاجة المادية أحد أسباب قبول الانخراط ومعها ضعفُ الولاء. الطريقة كانت بغاراتٍ شنتها مُسيّرات أوكرانية على 4 قواعد جوية روسية تبعد إحداها عن الحدود 4660 كم، وهي قاعدة Belaya Air Base، أي لا يُمكن أن تخترق مُسيّراتٌ هذه المسافة دون أن تلتقطها الرادارات، لهذا أخفى القائمون على العملية تلكَ المسيرات ضمن شاحنات انطلقت منها قُبيلَ وصولها إلى هناك.
المُلاحظ أنّ وسائل الإعلام البريطانية لديها معلومات دقيقة بعد الهجوم بدقائق! ومنها الغارديان البريطانية التي أخذنا منها: تهريب المسيرات كان ضمن صناديق خشبية في شاحناتٍ تحمل لوائح روسية. شملَ الاستهدافُ عدة قاذفات روسية من طراز Tu-95 وTu-22 يستخدمها الجيش الروسي لإطلاق صواريخ بعيدة المدى على الجيش الأوكراني.
أعلنت المخابرات الداخلية الأوكرانية (SBU) مسؤوليتها عن قصفِ طائرات عسكرية روسية، لكن بأرقامٍ مبالغ فيها كثيراً، فمثلاً: (أصبنا 40 قاذفة استراتيجية وسببنا خسائر تتجاوز 7 مليار دولار). يستحيلُ تقدير ذلكَ خلال دقائق من الضربة أمّا رقم 40 طائرة فهو غير صحيح نهائياً. قضية الإعداد للعملية منذ 18 شهراً أمرٌ وارد وهو ما أكدهُ الرئيس الأوكراني المؤقت فولوديمير زيلينسكي: (كنا نستعد للعملية لأكثر من عام ونصف. التخطيط والتنظيم وجميع التفاصيل كانت مُعدّة على أكمل وجه. يمكنني القول بثقة إن هذه عملية فريدة من نوعها). إلى هنا كلامه صحيح، أمّا التالي مما قالهُ زيلينسكي، فكان مبالغ فيه أو غير صحيح: (استخدمنا 117 طائرة مُسيّرة في العملية. وكان عدد مماثل من مُشغّلي الطائرات المُسيّرة يعملون فيها، أصبنا 34% من حاملات صواريخ كروز الاستراتيجية في المطارات. كان أفرادنا يعملون في مناطق روسية مُختلفة ، ثم انسحبَ أفرادنا من الأراضي الروسية عشية العملية، وهم الآن بأمان). كله سنناقشهُ بعد قليل.
حقيقة أم مبالغة؟
شاهدنا كلنا فيديوهات احتراق قاذفات روسية وصور لعشرات المسيرات مُكدّسة في منشأة صناعية. وصورٌ أخرى لصناديق خشبية أسقفها معدنية، بينما تسلّقَ رجالٌ شاحنة كبيرة لمنع انطلاق عشرات المسيرات.
ما وردنا وتوصلنا إليه في مركز فيريل أنّ عدد المسيرات الأوكرانية كان ثلاثة أضعاف ما استخدمَ فعلياً على الأقل، وهناك 4 شاحنات لم تُشارك في المهمة بسبب اعتراضها من قِبَل الأمن الروسي أو المدنيين بما في ذلك السائقين وهذا ما ظهر في الفيديو. الشاحنة التي شاركت بفعالية وقفت على مسافة 6 كم من قاعدة Belaya الروسية، وهي التي صُوّرت وانتشر عنها الفيديو لطائرات تشتعل، فلماذا اشتعلت وماذا اشتعل؟ سنجيب على السؤال طبعاً. أمرٌ آخر هام؛ اكتشفَ سائقو 4 شاحنات الخطة وأنّهم ينقلون مسيرات ليست للجيش الروسي كما بدأت المهمة، كيف؟
استغرقَ الإعداد للعملية 18 شهراً، وهذا صحيح كما أسلفنا والفترة كانت لازمة لإحداث اختراق أمني دافعه الرئيسي هو الفساد، الاختراق بدأ بعقدٍ لاستيراد آلاف المسيرات الرباعية البسيطة لصالح الجيش الروسي، وهي التي استُخدمت في الهجمات، وصلت الشحنات الأولية بطرقٍ التفافية “مزعومة” على العقوبات الغربية، حسب الاتفاقية. بعد دفعِ “رشوات” لضباط في الجيش الروسي، كانت الخطوة التالية أن تُشحنَ لعدة قواعد عسكرية جوية روسية، سائقو الشاحنات بدأوا بايصال الصناديق الخشبية للمناطق المفترضة، لكن هناك مَنْ اعترضهم قبل وصولهم لمقصدهم بمسافة لا تتعدى بضعة كيلومترات، ففتح الصناديق وأطلقَ المسيرات. حصل قتال بين بعض السائقين ومَنْ اعترضهم لهذا قُتِلَ أحدهم بينما وُجِدَ سائقٌ آخر مشنوقاً، وهذا يؤكد أن معظم السائقين غير مُجندين.
هل احترقت القاذفات الروسية فعلاً؟

مما لاشكّ فيه أنّ أضراراً كبيرة لحقت بعدة قاذفات روسية، لكنّ السؤال: لماذا انبعث دخان أسود كثيف منها فور اصطدام المسيرة بها؟ عِلماً أنّ تلك المسيرات لا تستطيعُ حمل كمية متفجرات تتجاوز مئات الغرامات بينما بعضها حمل مادة قابلة للاشتعال فقط!
السبب يا سادة هو معاهدة START II، الموقعة بين الاتحاد السوفيتي قُبيل انهياره مع الولايات المتحدة في 17 حزيران 1991 ثم بجزئها الثاني والثالث لاحقاً، وكان طرفاها جورج بوش الأب وبوريس يلتسن. هذه الاتفاقية علّقها فلاديمير بوتين في 21 شباط 2023 لكنهُ لم ينسحب منها نهائياً، تماماً مثل قضية رفع العقوبات، رفع وليس إلغاء.
على ماذا تنص الاتفاقية؟ بنود كثيرة ملخصها الحدّ من انتشار الأسلحة النووية وإيقاف التجارب، مع بناء الثقة بين الدولتين الأكبر في العالم. واشنطن اخترقت الاتفاقية عام 2021. الذي يتعلقُ بموضوعنا هنا هو بندٌ لم ينسحبُ منه فلاديمير بوتين وهذه خطيئة كبيرة مازال مُصرّاً عليها، على أساس “حسن النية تجاه واشنطن”!
سُئلنا في مركز فيريل مراتٍ عن سبب عدم بناء “هنكارات” أي حظائر للطائرات الروسية. السبب هو معاهدة ستارت التي تحظرُ إخفاء أية طائرة حربية يمكنها حمل أسلحة نووية، يجب أن تكون هذه الطائرة ظاهرة للأقمار الصناعية الأميركية أو الروسية بوضوح، ويمكن فحص حمولتها بسهولة. هو خطأ روسي مهما كانت الدوافع، فالطائرات مكشوفة للأميركيين والبريطانيين ولمعظم أعداء روسيا.
سبب احتراق الطائرات هو وضعُ إطارات “كاوتشوك” عليها ضمن صفوف واضحة في الفيديوهات. فيريل للدراسات.
رأي مركز فيريل للدراسات
الخسارة الأولى كانت معنوية، والثانية خسارة إعلامية أظهرت الضعف الروسي في مجاراة آلة الإعلام الغربي المتفوقة. الخسارة الأقل نراها الخسارة العسكرية، فالعملية لم تكن الأولى فكلنا شاهدنا هجوم 05 أيار الماضي على 11 مطار روسي ووصول المسيرات إلى موسكو، وقبلها هجوم مطار إنجلز أيضاً على قاذفات روسية، فهل سيواصل الروس الالتزام بمعاهدة ستارت؟ هذا هو السؤال الخطير
بناءُ حظائر للطائرات الروسية يعني القضاء على ستارت، وبالتالي سلوكٌ أميركي موازٍ، أي أننا دخلنا سباقاً نووياً جديداً هو الأخطر منذ اختراع تلك الأسلحة. كما أنّ الالتزام بتلك الاتفاقية يعني تواصل الهجمات والتدمير، واستحالة حماية الأجواء. بجميع الأحوال؛ تركُ القاذفات مكشوفةً هو خطأ عسكري في هذه المرحلة تحديداً، ويجب حمايتها بملاجئ خرسانية وليس بطريقة بدائية بصفوف إطارات كاوتشوك على الأجنحة.
سبقَ واكتشفت القيادة الروسية فساداً عسكرياً كبيراً في عدة مناطق، منها كورسك وبيلغورود، أكد الإعلام الروسي وقتها اتخاذ الإجراءات المناسبة. الفساد هنا أخطر بكثير وهو خيانة كبرى، مما يؤكد أنّ الطابور الخامس الروسي يتسيّدُ الساحة والمسيرات الأوكرانية لم تُطلق عدة مرات إلا من داخل روسيا مستخدمةً شبكات فساد تضم مواطنين وضباطاً روس. لهذا فمهمة القيادة الروسية ليست فقط حماية الحدود الخارجية، بل أيضاً الالتفات للداخل الروسي ومعالجة أسباب كارثة انعدام الولاء الوطني لدى بعض المواطنين. مواجهة “الطابور الخامس الروسي” بقوة، ستضمنُ الانتصار في الحرب وإلا فلن تقوم قائمةٌ لموسكو إن تطورت الأمور وذهبت بعيداً، والأمر ينطبقُ على أوروبا الساعية بأقدامها نحو الفناء على ظنّ أنّ هكذا ضربات ستقصمُ ظهر الدب الروسي، وما يحدثُ نراهُ العكس.
القول بأنّ كييف أبلغت واشنطن بالضربة مُسبقاً، وأنّ زيلينسكي اتصل شخصياً لإبلاغ ترامب بها، سيتم لحسهُ لاحقاً، إلا إذا كان ترامب يسعى فعلياً لحرب كبيرة لا يعرف معناها، وهذا مُستبعد عن تاجر العقارات.
ينتظرُ الناتو والعالم معهُ الردَّ الروسي، الذي نراهُ في مركز فيريل سيكونُ قاسياً لكن لا نعتقد أنه سيكون نووياً كما يطمحُ ويتمنى الجاهلون بالأسلحة النووية، بوتين مازال يعملُ بالصبر البعيد ويعرفُ حدود قوته، حتى لو استفزّهُ جون هيلي البريطاني ودعاهُ للنزال، فمملكتهُ تمحيها قنبلةُ إيفان الكبير، على فرَض أنّه وأمثالهُ يعرفون شيئاً عن تلك القنابل. الدكتور جميل م. شاهين. 02.06.2025. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. برلين