نكرر ما نقوله دائماً: يمكنكم النوم في العسل واستخدام تعابير “فشروا وخسئوا”، بينما الانفصاليون والأتراك وغيرهم، يعملون ليل نهار لتحقيق مآربهم…
من المفروض أن يُعلنوا تأسيس فيدرالية كردية في الجزيرة السورية منذ أكثر من سنتين، تمّ تأجيلها عدة مرات بسبب عدم وجود الظروف الدولية المناسبة، والحقيقة أنّ الضوء الأخضر لم يأتهم من واشنطن سابقاً، فهل لمع الضوء الأخضر الآن؟
اهتزاز وتراجع ثم تقدم، هذا هو حال الانفصاليين
أسموها “فيدرالية الاتحاد الديموقراطي لشمال وشرق سوريا“، نتيجة الضغط أصبحت “فيدرالية روج أورفا”، تراجعوا اليوم لتصبح “حكومة شمال سوريا”. الاهتزاز مردهُ طبيعة فيهم تتبعُ أوامر الآخرين، فهم يهتزون بين تشجيع وخذلان أميركي، وبين وعود خليجية وتهديدات تركية، فيتأرجح الانفصاليون الأكراد منذ سنوات في إعلان فيدراليتهم.
تصريح السفير الأميركي السابق في البحرين، وليام روباك، المكلف بشكل رسمي من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتولي الملف السوري، أثناء زيارته لمدينة الطبقة ثم ريف دير الزور والحسكة قبل أسابيع قليلة، هو الذي نراه في مركز فيريل للدراسات الأصدق:
“تعهد دونالد ترامب ببقاء القوات الأميركية والتحالف الدولي العاملة في شرق الفرات، في المناطق المحررة من قبضة داعش لمنع حدوث فراغ أمني أو خلل عسكري، أو عودة عناصر «داعش» أو ظهور تنظيمات إرهابية متطرفة”. وشدد روباك هذا على: ” أنّ ترامب لا يعتزم سحب قوات بلاده من المناطق التي تتواجد فيها ميليشيات قسد، بما في ذلك مدينة الطبقة، لدعم عملية الاستقرار في هذه المناطق“.
المبعوث الأميركي زار محافظة الرقة والحسكة ودير الزور، وعقد اجتماعات في البصيرة والشدادي، متحدثاً مع شيوخ ووجهاء العشائر إلى جانب رؤساء مجالس مسد، الجميع كان يتمسّحُ بالعباءة الأميركية، شاهدوا الصور، بما في ذلك شيوخ العشائر العربية.
السعودية غارقة في دعم تقسيم سوريا
الوزير السعودي ثامر السبهان، زار عام 2017 عين عيسى برفقة منسق “التحالف الدولي” بيرت ماكغورك، حاملاً مشاريع ومعونات للانفصاليين.
هذه المرة أيضاً روباك زار المنطقة عقبَ إعلان السعودية في 17 آب، عن تقديمها مساعدات جديدة بقيمة 100 مليون دولار لدعم جهود إعادة تنشيط المجتمعات المحلية، الأصح: لدعم حكومة الانفصال الكردية. وكما ذكرنا في مركز فيريل أنّ تدفق الأسلحة والعتاد لميليشيات قسد الانفصالية لم يتوقف عبر شمال العراق.
وصلت المساعدات السعودية السخية، واستطاعت القوات الأميركية دفع رواتب ميليشيات “الصناديد” والتي تضمُ إرهابيين من قبيلة شُمر في اليعربية شرقي الحسكة، وقبيلة عنزة في منطقة عين عيسى شمال غربي الرقة. “الصناديد” يتبعون بالولاء الديني والعشائري لقبيلتهم الأساسية في الجزيرة العربية، أي للسعودية.
السعودية بدعمها للانفصاليين تريد تحقيق ثلاثة أمور:
تقسيم سوريا، التخلص من الوجود الإيراني في سوريا عن قطع طريق طهران نحو دمشق، ضرب تركيا بيد الأكراد.
محاولات السيطرة على البوكمال ووصل “المنطقة 55” في التنف مع مناطق سيطرة قسد في الجزيرة، مازالت مستمرة، سواء بيد داعش أو بيد الانفصاليين، يبدو أن الرياض ومعها واشنطن اتفقتا على أنّ قسد هي الأكثر طاعة وخنوعاً، لهذا يقدمون لها الدعم الأكبر من دعمهم لداعش في معاركها، وعند السيطرة على منطقة هجين شمال البوكمال، سنرى توسعاً في العمليات للسيطرة على كامل المنطقة جنوباً.
افتتاح قنصلية أميركية في الجزيرة السورية
يبدو الأمر مستغرباً لكنه حقيقي، ما ورد لمركز فيريل للدراسات، أنّ القوات الأميركية دخلت مرحلة الانتهاء من تجهيز قنصلية أميركية شمال شرق سوريا، الترجيحات أن تكون في عين عيسى ضمن القاعدة الأميركية، رغم أنّ فتح قنصلية أخرى في القامشلي غير مستبعد. ماذا يعني فتح قنصلية أميركية؟
التصريح الأوضح كان من وزير الدفاع الأمريكي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرته الفرنسية فلورنس بارلي في باريس: “عدد الدبلوماسيين الأمريكيين في سوريا تضاعف، وذلك تزامناً مع اقتراب الهزيمة العسكرية لتنظيم “داعش” الإرهابي في البلاد”. أين هم الديبلوماسيين الأمريكيين؟ بالتأكيد ليسوا في دمشق.
ثلاث حكومات في سوريا!
حكومة في إدلب برئاسة أحمد طعمة تتلقى الأوامر من أنقرة وإدارة ذاتية منذ سنوات، وحكومة أخرى في الجزيرة السورية برعاية الاحتلال الأميركي، تأسست الأربعاء. بالإضافة للحكومة الشرعية في دمشق، هل هذا ما سنُصبحُ عليه في سوريا؟
“الإدارة الذاتية” التابعة للمجلس السياسي لقسد، أعلنت تشكيل حكومة فيدرالية مؤلّفة من 9 هيئات والأصح 9 وزارات، الاجتماع تمّ برعاية أميركية في عين عيسى بريف الرقة الشمالي.
تضم الحكومة الاستيطانية: هيئة الداخلية، هيئة التربية والتعليم، هيئة الإدارات المحلية، هيئة الاقتصاد والزراعة، هيئة المالية، هيئة الثقافة والفن، هيئة الصحة والبيئة، هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل، وهيئة المرأة. إنها حكومة مكتملة بتمويل ذاتي وسعودي. من أين يأتي التمويل الداخلي؟ سوف نرى.
مستوطنة كاملة وحظر طيران في الجزيرة السورية
عندما نشرنا فيديو عن حقيقة مدينة القامشلي تاريخياً، تضمن معلومات من مصادر أوروبية، قرر اليوتيوب حذفهُ نتيجة التبليغات والسبب كما زعموا: “فيديو يؤذي مشاعر فئة معينة ويحتوي على مناظر دموية”، يمكنكم مشاهدة الفيديو والبحث عن المناظر الدموية تلك!! إذاً؛ يريدون تزوير التاريخ والانفصال، وأي حديث عن فيدرالية هو خيانة وغباء مهما كان المتحدث…
تمويل هذه المستوطنة يمكن استنتاجه من تصريحات روباك، الذي أكد على نفي تسليم الطبقة والرقة للحكومة السورية. أي سد الفرات سيبقى نحن سيطرة الانفصاليين.
معلوماتنا في مركز فيريل للدراسات في سوريا وهنا في برلين، نأخذها من مصدرها أي حتى من الانفصاليين أنفسهم. التحضيرات اكتملت بعد تأخير لعام كامل، والدعم الغربي والسعودي لكيان مستقل كردي فوق الأراضي السورية، بات جاهزاً. تمّ تعديل بعض البنود وفقاً للمجريات على الأرض والتي نشرها مركز فيريل في نهاية 2016، إليكم بعض التفاصيل:
-
إدارة الحكم الذاتي (الفيدرالية) ستكون كردية بشكل عام، مع مشاركة عربية في الرقة ودير الزور، ويتم رفع العلم الكردي والسوري على الدوائر الحكومية في المناطق العربية فقط، واعتماد نشيد وطني مشترك، في محافظتي دير الزور والرقة، ونشيد كردي خالص في الحسكة.
-
اللغة الرسمية هي الكردية والعربية، مناهج التعليم كردية كاملة في الحسكة ومشتركة؛ عربية وكردية في محافظة الرقة، وعربية في محافظة دير الزور.
-
تضم الفيدرالية محافظات الحسكة ودير الزور والرقة كاملة، بما في ذلك سد الفرات ومدينة الرقة، وجزء من ريف حلب الشرقي.
-
آبار النفط والغاز في الجزيرة تحت سيطرة الأكراد، بينما بعضها في الرقة ودير الزور ستتم مع الحكومة السورية لتأمين التصدير.
-
سد الفرات تحت سيطرة مشتركة عربية كردية.
-
رفضت الأحزاب السريانية والآشورية السورية الرئيسية المشاركة في هذا التوجه الانفصالي، فتم اعتقال بعض المسؤولين منهم.
-
حسب أحد المسؤولين الانفصاليين في ألمانيا: “ليس هناك وقت أنسب من هذا لإعلان الانفصال، أوروبا كلها وأميركا وإسرائيل معنا ضد الدولة السورية الضعيفة، إن لم نقم بذلك الآن، فلن تقوم لنا قائمة بعد الآن.”.
-
عماد جيش وشرطة المستوطنة سيكون من قسد والأسايش، بالإضافة لعشائر سورية تتبع السعودية كما شاهدنا سابقاً في البحث.
-
سيتم فرض حظر طيران علني، وهو ساري المفعول منذ سنوات، شرقي الفرات، وللتأكيد كما وردنا ونُشر: قامت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ببناء وتجهيز عدة قواعد عسكرية جوية في الجزيرة السورية، يمكنها استقبال أضخم الطائرات، وزوّدت برادارات وصواريخ دفاعية جوية، تمهيداً لفرض حظر جوي في المنطقة، والمقصود الطيران السوري والروسي والتركي، على فرض أن تركيا ستتحرك…
-
إعلان الفيدرالية سيتم قريباً، بعض المسؤولين الأكراد أبلغ مركز فيريل أنّ عيد النيروز 21 آذار 2019، هو التاريخ الأنسب، لكن آخرين يتعجلون الإعلان.
المواقف الإقليمية والدولية من الانفصال الكردي
-
تركيا: لا يُعوّلُ كثيراً على تصريحات أنقرة بأنها سوف تحارب هكذا كيان انفصالي مهما كلفها الأمر، فهي اكتفت بعفرين وشمال حلب وإدلب، لكنها ستمنعُ بالتأكيد عسكرياً امتداد هكذا كيان لأراضيها. وقد نرى مناوشات حدودية بين الأكراد والجيش التركي. المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، صرّح عقب اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان: “تركيا قادرة على اتخاذ خطوات ضد الإرهابيين على الساحة السورية في “أي لحظة” بما يضمن أمن تركيا القومي”. هذا كل ما في الأمر.
-
أوروبا والولايات المتحدة تدعمُ عسكرياً ومادياً هكذا كيان انفصالي، وسوف تستفيدُ منه اقتصادياً عبر استثمارات في حقول البترول والغاز والزراعة. بالإضافة للفائدة السياسية ضد إيران وتركيا وروسيا.
-
إيران: تعارض بالتأكيد أيّة فيدرالية، وقد تعمل على منع قيامها عسكرياً، من خلال قواتها الموجودة على الأرض السورية، لكنها لن تمضي بعيداً في ذلك.
-
روسيا: الموقف الروسي غامض بعض الشيء، لكنه قد لا يُمانع بقيام حكم فيدرالي غير انفصالي فوق الأراضي السورية، لكن ما هي الضمانة بعدم وجود نوايا انفصالية لدى الأكراد؟
-
الموقف العربي: معظم دول الخليج تؤيد وتساعد على قيام كيان فيدرالي مستقل، كخطوة مرحلية لتقسيم سوريا، فبعد فشلها في الإطاحة بالدولة السورية، تقوم دول الخليج وعلى رأسها السعودية بدعم التوجه الكردي، باستمالة بعض عشائر دير الزور والرقة التي وافقت على الانضمام له.
-
إسرائيل: أول وأكبر المؤيدين لهكذا كيان انفصالي يُحاكي ما قامت به من اغتصاب لأراضي فلسطين، ويؤدي بذات الوقت لتقسيم سوريا، الدعم والاتصالات تجري بشكل دائم مع إقليم كردستان العراق، وتنسق مع الانفصاليين في سوريا بصورة دائمة.
-
سوريا: مساحة المناورة السورية بدأت تضيق، فالتوقف عن تحرير إدلب أعطى الانفصاليين دفعة معنوية لما يمكن للولايات المتحدة فعله من أجلهم. المفاوضات بين دمشق والانفصاليين غير ناجحة، وربما تعوّل القيادة السورية على موقف أنقرة، لكن الخطوات القادمة بما يخصّ الدستور السوري الجديد، ستحدد سمات المرحلة القادمة.