في أوائل الشهر الحالي، زار مسؤول قطري قطاع غزة وسلم 15 مليون دولار لسلطة القطاع، هي الدفعة الأولى من 90 مليون دولار، وافقت إسرائيل عليها شرط استخدامها في مشروعات الإعمار أو للوقود.
الملايين وزعت بتاريخ 9 تشرين الثاني، وكانت رشوة للصمت عن عملية اغتيال قادمة جرت ليل الأحد 11 تشرين الثاني، للقائد العسكري نور الدين بركة في خان يونس. لكنّ الرشوة لم تمنع الانتقام…
في فلسطين صراعٌ بين إسرائيل والفلسطينيين، وصراعات بين زعماء الفلسطينيين أنفسهم، بين تيار مقاوم وتيار الإخوان المسلمين وتيار يزحف نحو تل أبيب.
ما جرى مؤخراً في غزّة، خلط الأوراق وأحرج الجميع من تل أبيب إلى القاهرة وعواصم الخليج وأنقرة، وترافق ذلك بقلق كبير وخيبة أمل أميركية.
هذا ليس وقت الحروب يا فلسطين!
سارعت مصر للتهدئة بموافقة سعودية إماراتية، وكذلك الإخوان المسلمون عن طريق الدوحة بإيعاز من أنقرة. هذا ليس وقت الحروب، فالمنطقة تدخل محاور إسلام سياسي متناحرة، وهابيون ضد الإخوان. و… ناتو عربي ضدّ إيران، فلا تحرقوا “الطبخة”.
نتنياهو أعلن أنّ ضرورات أمنية دفعته لعدم التصعيد تجاه قطاع غزة، وأن هذا يأتي في مرحلة حسّاسة، لذلك احتفظ بحقيبة الدفاع بعد تنحي ليبرمان ليكون القرار السياسي والعسكري بيده، والذي يسير ضمن مخطط بدأت ملامحه تتكشف من خلال ما حدث بغزة…
أصابع حزب الله وبصمات سورية كانت واضحة فيما جرى، وهنا بيت القصيد.
لماذا تجنب الجميع التصعيد؟
نتنياهو لا يريد احراج أصدقائه العرب بقصف وهجوم كبير على غزة، خاصة وأنه في طريقه للبحرين قريباً. بينما تستعدُ عواصمُ عربية أخرى لفتح سفارات إسرائيلية فوق أراضيها، والأهم تعطيل تسويق “صفقة القرن”، التي تحدثنا عنها مطولاً في مركز فيريل. كما أنّ حماس ملتزمة بنهج الإخوان المسلمين، رضي الجميع بهذا أم لا… فالإخوان هم زعماء الربيع العربي والرابحون الحاليون في معظم دول المنطقة، فلِمَ التشويش عليهم؟!
التصعيد في غزة سيحرفُ الأنظار عن إيران، وهو ما لا تريدهُ معظم الدول، واندلاع حرب مع الكيان الصهيوني في غزة سيؤدي لإكساب طهران ورقة ضغط على واشنطن التي تتحكم بقرارات إسرائيل. أيضاً التصعيد سيحرفُ الأنظار عن سوريا وما يجري في الشمال، فقد يُطلق الجيش السوري آلته الحربية في إدلب، بينما العالم مشغولٌ بضحايا الطيران الإسرائيلي في غزة…
تركيا ستكون أيضاً محرجة، وسيضطرُ أردوغان لإلقاء عدة خطب نارية ضد تل أبيب مع تهديدات كرتونية، ليجد نفسهُ يعود للنوم بصوت مبحوح…
لبنان هو ساحة الحرب الأفضل إذاً…
التصعيد في غزة ليس في صالح أحد سوى محور المقاومة والفلسطينيين المقاومين فعلياً…
سوريا من المستبعد أن تكون ساحة صراع تنتقم فيها إسرائيل مما جرى في غزة، بشن غارات على قوات حزب الله، خاصة بعد وصول إس 300. لهذا المرجح أنّ لبنان هو الساحة الأمثل للانتقام، وهناك مؤشرات ومؤهلات كثيرة.
ـ ادراج قيادات من حزب الله ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية.
ـ ما جرى في منطقة أحراش “مفلاسيم” شرق جباليا، عندما استهدف صاروخ موجه من طراز “كورنيت” حافلة جنود إسرائيليين، دقّ جرس الإنذار، فهذا الصاروخ وصل من لبنان، ومن حزب الله تحديداً. بالتأكيد لم يكن وحيداً، فكم لدى الفلسطينيين منه؟
ـ التصريحات الأميركية والإسرائيلية عن قوة حزب الله التي تعادل جيشاً قويا لدولة، وامتلاكه لترسانة ضخمة تشكل خطراً حقيقياً وجودياً سيزدادُ بعد إعلان الانتصار السوري النهائي…
ـ الوصول المتتابع لقطع البحرية للناتو إلى شرقي المتوسط وموانئ فلسطين، ليس للاستعراض فقط.
ـ زيارات الطائرات “المجهولة” لشمال بيروت، وطلعات الطيران الإسرائيلية التجسسية، ومنها ما ذكرناه في مركز فيريل البارحة الثلاثاء، حيث حلّقت طائرة إسرائيلية بدون طيار فوق بيروت لأكثر من 20 دقيقة عند الساعة 4 بعد الظهر. ماذا كانت تراقب وماذا تنقل هذه الطائرات؟
ـ التصعيد الطائفي ضد حزب الله، والذي قادتهُ وسائل الإعلام العربية ومعها الزعامات العربية أولاً، وغسلت عقول عشرات الملايين من الغوغاء، يُسهل مهمة ضربه في الشارع العربي.
ـ تهدئة الجبهة اليمنية واتفاق مبدئي هش في العراق، مع “هدنة طويلة الأمد” في سوريا، يشيرُ إلى ضرورة فتح جبهة جديدة.
ـ ضرب حزب الله والقضاء عليه كما يتوقعون، سيقطع يد إيران من لبنان وفلسطين، وسيجعلها أكثر عزلة بانتظار انهيارها اقتصادياً…
ما الذي نتوقعه في لبنان؟