دستور الدولة الإسلامية السورية 2025

دستور الدولة الإسلامية السورية 2025. بحث خاص بمركز فيريل للدراسات. 14.03.2025.

وقّعَ أبو محمد الجولاني على الإعلان الدستوري قائلاً : (نستبدلُ به الجهل بالعلم والعذاب بالرحمة) حسب تعبيرهِ حرفياً، دعونا نرى أين هو العِلم والرحمة في هذا الإعلان الدستوري أو الأصح في هذا الدستور “المُجدّد”

لا تستغربوا الرقم الكبير بالنسبة لإعلانٍ دستوري، نعم 53 مادة خُصّصت بنسبة 26% لصلاحيات رئيس الدولة مع فقراتٍ ومواد أخرى، وهو أشبهُ بدستور وليس إعلاناً دستوريّاً اشتُقَ بمعظمه من الدساتير السابقة، وجاءت بعض فقراته نسخة طبق الأصل عن دستور بشار الأسد الذي يُتهم بالديكتاتورية، فإذ بهم يأتون بخُلق أسوأ منه بدرجات. إلى التفاصيل.

استناداً لدساتير عالمية وعربية عريقة، وحسب الدستور السوري القديم بنسخهِ الخمس، فمن الشروط الأهلية للمجلس التشريعي أو لمن يتولى مناصبَ رئيس الجمهورية أو نائبه أو رئيس مجلس الوزراء أو نوابه أو الوزراء أو عضوية مجلس الشعب أو عضوية المحكمة الدستورية العليا، هؤلاء جميعهم لا يجوز لهم أن يحملوا جنسية أخرى، فهل ينطبقُ هذا على المسؤولين الحاليين؟ دعكم من الجولاني وبطاقته الشخصية وشهادة ميلادهِ وعلومه وشهاداته “العليا”.

نُسمي في مركز فيريل “اصطلاحاً”؛ دستور بشار الأسد 2012 ودستور الجولاني 2025. نعرضُ عليكم فقرتين فقط، تاركين لكم الرأي:

أصبحت المادة 1 في دستور الجولاني 2025: الجمهورية العربية السورية دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، وهي وحدة جغرافية وسياسية لا تتجزأ، ولا يجوز التخلي عن أي جزء منها.

هل هناك تغيير؟ نعم هناك تغيير بسيط سنورده في الختام.

هل هناك تغيير؟ طبعاً وتغيير خطير يكشفُ نوايا اللجنة “الداعشية” التي وضعت الإعلان، ربما ظنّوا أن لغتهم العربية قوية، متناسين أنّ سوريا منبعٌ لأسياد اللغات

نمرُّ بعدها على المادتين الرابعة والخامسة ولا خلاف سوى في السادسة، ففي دستور بشار الأسد يُعتمدُ علَمُ الوحدة مع مصر ذي النجمتين، بينما يعتمدُ دستور الجولاني علَمَ الانتداب الفرنسي ذي النجمات الثلاث التي تُقسّمُ سوريا.

المؤكد أنّ اللجنة الدستورية التي صاغت الإعلان، ولسبب ما، عمِلتْ على عجل. هنا نُحاول في مركز فيريل تبرير الأخطاء التي سنعتبرها سقطت سهواً، وهي عديدة، لكنها ملفتة للانتباه كونها مرّت على عشرات العيون ولم تلحظها! مما يدلّ على أنّ إصدار الإعلان جاء مُتسرعاً لسبب داخلي وخارجي، فمثلاً: سنفترضُ أنّ الذي وضعَ دستور الجولاني يعرفُ الفرقَ بين الطول والعرض، فهناك خطأٌ هندسي، عسى أن يُسعفنا المهندسون بالتصحيح. ننقلُ حرفياً:

المادة6: (يكون العلم السوري على الشكل التالي: يمتد العلَم على شكل مستطيل طوله يساوي ثلثي عرضه!) سؤال للمهندسين: منذُ متى أصبحَ الطول أقصر من العرض ويُساوي الثلثين؟

خطأ آخر مستقبلي ربما؛ وردَ حرفياً في مقدمة الإعلان الدستوري وقبل البدء بمواده مباشرة التالي: (وإعمالا لما نص عليه إعلان انتصار الثورة السورية الصادر بتاريخ ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥ ، الذي يُعد أساسا متينا لهذا الإعلان.) فهل سنرى أمراً ما في 29.12.2025 القادم؟

صدر قرار عن مجلس الأمن الدولي بالإجماع بتاريخ 18 كانون الأول 2015، حملَ الرقم 2254. هذا القرار لم يُنفذهُ بشار الأسد، وكذلك الأمر بالنسبة لنظام الجولاني الحالي، حجة بشار معروفة أمّا ما فعلهُ حُكام الأمر الواقع الحاليون فهو الهروب للأمام، وبسبب خبرتهم الضحلة، ولن نُسيء بهم الظن أكثر، فبعد مجازر حمص ثم مجازر الساحل السوري، هرعوا لتوقيع اتفاق مع قسد، ومحاولة فعل مثيله مع السويداء. الهروب كان بطيئاً ولم يستطيعوا حرفَ الرأي العام، ورأوا أنّهم مازالوا تحت المجهر ومحاولاتهم فاشلة، فأصدروا الدستور الجديد وأيضاً فشلوا حتى لحظة إعداد هذا البحث

استعجال مُصنّعي الإعلان الدستوري جاء استباقاً لأحداث هامة ستجري خلال الفترة القريبة القادمة، وهذه قراءات مركز فيريل وليست معلومات. اعتراض حكام الأمر الواقع، أي اعتراض تركيا، على اعتماد القرار 2254 في المرحلة الانتقاليّة، والحجة المُكررة أنّه خُصّصَ للتسوية بين نظام الأسد والمعارضة، غير مُجدية. بشار الأسد سلّمهم الحُكم وهرب وانتهت الحاجة لتطبيق القرار الأممي، هكذا يظنّون. وهنا الخطأ الكبير الذي لم ولن يستوعبهُ حكّام الأمر الواقع ومعهم تركيا، كيف؟

أولاً: يُطالبُ القرار الأممي جميع الأطراف التوقفَ الفوري عن شن أية هجمات ضد أهداف مدنية، ويحثُّ جميع الدول الأعضاء على دعم الجهود المبذولة لتحقيق وقف إطلاق النار ويطلب من الأمم المتحدة أن تجمع بين الطرفين للدخول في مفاوضات رسمية ابتداءاً من 01.01.2016، مع استثناء؛ التنظيمات الإرهابية التالية (تنظيم الدولة الإسلامية. تنظيم جبهة النصرة)، ودعوة أعضاء مجلس الأمن، المادة الثامنة من القرار، لمنع وقمع الأعمال الإرهابية التي يرتكبها على وجه التحديد تنظيما جبهة النصرة وداعش تنظيما داعش وجبهة النصرة أي الجولاني وأتباعه أصحاب المناصب الحالية في دمشق. القرار موجودٌ، ولمَنْ يشك عليه البحث عنه.

كما أكد القرار الأممي على إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، في غضون 18 شهراً، أي أنّ الفترة الانتقالية سقفها الزمني 18 شهراً، ولايمتلكُ خلالها الحكم الانتقاليّ أيّة شرعية مُكتسبة من الإرادة الشعبية كمصدر وحيد للسلطة

كما ورد في القرار الأممي؛ تكون هيئة الحكم متعددة أي هيئة جماعية من مكونات الشعب السوري، وما جرى ويجري هو استفرادٌ في الحُكم لجهة وشخص واحد.

حسب رأي مركز فيريل؛ كافة الشروط باتت جاهزة لتدخل مجلس الأمن الدولي “عسكرياً” وتحت أكثر من بند، فالمخالفات واضحة والأخطر هو اتفاقُ موسكو وواشنطن، هذا الاتفاق لا يحتاجُ لشرعية دولية أصلاً، فكيف إذا ترافق التدخل مع الشرعية؟ هنا لن يستطيعَ أردوغان، باعتباره الحاكم الفعلي لسوريا حالياً، أن يُفكّرَ مجرد تفكير حتى بالاعتراض؟

البارحة الخميس وافقَ مجلسُ الأمن على مشروع بيان صاغته واشنطن وموسكو معاً، ينصُّ على التنديد بشدة بالعنف واسع النطاق في منطقة الساحل السوري، وهذا التحديد جديدٌ “الساحل السوري”. يدعو المشروع السلطاتِ المؤقتة إلى ضمان حماية كل المدنيين والبنية التحتية المدنية في البلاد، ووقف فوري لجميع أعمال العنف والأنشطة التحريضية في سوريا، ويؤكد أهمية الدور الأممي في دعم عملية انتقال سياسي بقيادةٍ سورية. لاحظوا تعابير “الأنشطة التحريضية”. اليوم الجمعة سيتم التصويت عليه. من بنود المشروع أيضاً؛ الالتزام القوي بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، ويدعو جميع الدول إلى احترام هذه المبادئ والامتناع عن أي عمل أو تدخل من شأنه أن يزيد من زعزعة استقرار سوريا.

مما يجهلهُ أو تجاهلهُ واضعو الإعلان الدستوري وحكّام دمشق المؤقتين، أنّ المُتعارف عليه، ولن أقولَ القانون الدولي، هوَ سعي الحكومات المؤقتة لجعل الفترة الانتقالية أقصر ما يُمكن، واختصار الإعلان الدستوري ومنح الحُكام صلاحياتٍ محدودة. حُكّام الأمر الواقع فعلوا العكس تماماً، وكأنهم يعيشون على الكرة الأرضية لوحدهم!

ثم يعود الإعلان الدستوري ليُناقضَ نفسه حول الحريات و”الديموقراطية” التي لم ولن ترد في النصّ؛ فيمنح رئيس الدولة سلطاتٍ واسعةً جداً تجعلهُ ديكتاتوراً ويُصبحُ جوزيف ستالين أمامهُ “ديموقراطياً”، كيف؟

ورد في المادة 24: يشكل رئيس الجمهورية لجنةً عليا لاختيار أعضاء مجلس الشعب. تقوم اللجنة العليا بالإشراف على تشكيل هيئات فرعية ناخبة، وتقوم تلك الهيئات بانتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب. يعيّن رئيس الجمهورية ثلث أعضاء مجلس الشعب لضمان التمثيل العادل والكفاءة. بمعنىً آخر، رئيس الجمهورية هو الذي يُعيّن كاملَ أعضاء مجلس الشعب وليس العكس!

مثالٌ آخر على صناعة ديكتاتور جديد؛ حصر السلطة التنفيذية بيد رئيس الدولة بالمرحلة الانتقالية، وقد وردَ الأسوأ في المادة 47: تُحلُّ المحكمة الدستورية العليا القائمة وتنشأ محكمة دستورية عليا جديدة.

التالي نشرناهُ قبل سنوات: مشروع وزارة الأوقاف السورية؛ مشروع دولة ضمن دولة. خاص بمركز فيريل للدراسات. 28.09.2018.

تتكون المحكمة الدستورية العليا من سبعة أعضاء يسميهم رئيس الجمهورية، من ذوي النزاهة والكفاءة والخبرة. أي أنّ رئيس الجمهورية هو الذي يُعيّنُ أعلى سلطة دستورية في البلاد! كما مُنِحَ سلطة استثنائية خاصّة به فقط، بإعلان حالة الطوارئ.

  • بالتالي سيكونُ الجولاني خلال الـ 5 سنوات القادمة، رئيساً للجمهورية، القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، رئيس مجلس الوزراء، أمير جبهة النصرة ومناصب أخرى.
  • الإعلان الدستوري، ليسَ نسخة طبق الأصل عن الدساتير السابقة والتي قال فيها أعضاء لجنة الإعلان، مُنتقدين دستور بشار الأسد، حرفياً: (صياغة النص في الدستور السوري يقترب ويتماثل مع النص المصري في دستور 1971 أكثر من النص الفرنسي وإن كان الفرنسي هو الأصل) فبماذا جاء هؤلاء؟ جاؤوا بنص دستوري أكثر ديكتاتورية وتطرفاً وطائفية
  • وردَ أنّ نظام الحكم رئاسي، وهذا يؤكدُ نسخَ صانعي الدستور للحالة التركية، مع فارق أنّ الرئيس التركي مُقيّدٌ إلى حدّ كبير بالبرلمان والمعارضة، أمّا في سوريا فستكون صلاحيات الرئيس هي الأوسع عالمياً، الرئيس هنا في هذا النظام، يتم اختيارهُ من الشعب بانتخابات تُفترضُ فيها النزاهة، ويكون الرئيس هو رئيس الوزراء أيضاً، أي حصرَ كافة المناصب الرئيسية بيده، ولن تستطيعَ جهة محاسبتهُ خاصة بمنع وجود معارضة حقيقية. معلومة سريعة؛ نظام الحكم في الولايات المتحدة رئاسي أيضاً وفي معظم دول أميركا اللاتينية، وشتّان.  
  • الدستور لم يتغيّر  “ظاهرياً” في غالبيته، لكنّ الألغام كثيرة ومتنوعة لابدَّ من تطبيل وتزمير إعلامي، عسى أن يمرَّ دون معوقات، ويقبلهُ الشعب السوري الذي قد لا يقرأ بمعظمه البنود، وما يهمهم أن يتحسن الوضع المعيشي وليحكمنا “عفلق الزط”، وليحدث تدخل خارجي وداخلي ولينزل الفضائيون، المهم أن نتخلّصَ من هذا الوضع. هذه حقيقة مأساوية، تتحمّلُ الحكومات المتتالية المسؤولية عنها وصولاً لهذه اللحظة.  
  • دستور الجولاني هو إعلان قيام دولة سوريا الإسلامية، وهذا رأي مركز فيريل للدراسات
  • تجنّبَ واضعو الإعلان  كلمة ديموقراطية، لأنها تُشكّلُ رعباً وكابوساً لهم.
  • تكرار دستور بشار الأسد واضحٌ لا لُبس فيه حتى فيما يخصُّ الحريات في المادة 13 و14، ومنها حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة، النقابات والانضمام إليها وحتى تشكيل الأحزاب، لكن وفق شروط تُحددها الدولة الإسلامية.
  • الفترة الانتقالية 5 سنوات، وهي أطول فترة إنتقالية قد تُسجّل، إن بقيت جبهة النصرة الإرهابية تحكم سوريا، وهذا الدستور سيُطبّق خلالها والقصد واضح.