زلزال تركيا 2025

زلزال تركيا 2025. الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. 19.01.2025

زلزال تركيا 2025

سبقَ وحذّرَ علماء الجيولوجيا عدة مراتٍ من زلازل مُدمّرة تضربُ تركيا. صدقت التحذيرات، لكنها، ونتحدثُ هنا عِلمياً، لم تستطعْ تحديد الزمن ولو بشكل تقريبي، الذين يحددونهُ هم “المُنجّمون” فقط. عِلمياً أيضاً؛

أيار 2016 صدر تحذيرٌ من  زلزالٍ بقوة 7 درجات أو أكثر، سيضربُ مدينة استنبول في أيّة لحظة، ولن يكون هناك سوى ثوان قليلة للإنذار قبل حدوثه، ومرت سنتان بهزّاتٍ اقتربت من 4 درجات، أو تجاوزتها قليلاً، دون زلزال قوي.

تحذيرٌ  أشدّ في آب 2018 صادرٌ عن خبراء الزلازل الأتراك أنفسهم، وتحديداً لمن يُريدُ المصادر؛ مكتب اتحاد المهندسين المعماريين الأتراك، تقرير آب 2018، يقول: تركيا غير مستعدة لأيّ زلزال قادم، لهذا نُطالبُ حكومة السيّد رجب طيب أيردوغان باتخاذ إجراءاتٍ فورية لأنّ حياة الملايين في خطر. وأيضاً لم يحدثُ شيء.

بعد ذلك في تشرين الثاني 2018، جاء تأكيد خبير الجيولوجيا الياباني Yoshinori Moriwaki  والذي يعيش في استنبول منذ عام 1991: ( أتوقعُ حدوث زلزال قوي خلال السنوات المقبلة، وخاصة في محيط منطقة مرمرة، على غرار الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد عام 1999، وربما أشدّ قوةً). ولم يحدث شيء، ليعود هذا الخبير الياباني ويُحذّر من جديد عام 2024

بعد كلّ هذه التحذيرات، فجأةً، حدث زلزالا كهرمان مرعش، 06 شباط 2023، بعيداً عن استنبول، لكنّ آثارهما التدميرية وصلت حلب واللاذقية شمال سوريا. بشدة 7,8 درجة على مقياس ريختر للأول وكان سطحيّاً عند الفجر، أمّا الثاني فكان عند منتصف النهار بشدة 7,5 درجة. حصدَا أرواح 52 ألفاً بينهم 6 آلاف في سوريا، وشرّدا مئات الآلاف، وفضحا فساد شركات بناء ومعها حكومات ومسؤولين كبار، فهرّبَ الفاسدون إلى الدّين، واصفين الكارثة قضاءً وقدراً، دون أن يعقلوا، وهل يعقل الفاسدون؟

حسب كبير المهندسين الأتراك نصرت سونا؛

(في تركيا 7 ملايين منزل وشقة سكنية غير آمنة، من أصل 20 مليوناً. إنّ زلازلاً بشدة فوق 6 درجات، سيتسبّب بكوارث كبيرة. أمّا إن حدث زلزال في إستنبول، فسيتعين على المدينة التي يبلغ عدد سكانها 18 مليون نسمة، أن تلجأ إلى مساحة قدرها 20 هكتاراً من الأراضي الآمنة للابتعاد عن خطر الزلزال، وهناك 2 مليون منزل خطيرة، في استنبول لوحدها).

خلال 5 سنوات، حتى عام 2009، قدّم “حسين ساغ” عضو مجلس مدينة استنبول إلى لجنة الإصلاح والتعمير التركية، 84 ملفَّ فساد بناء، فيها 24 ألف مخالفة، مُطالباً السلطات اتخاذ إجراءات فورية، تتضمن الهدم أو إعادة الدعم. لم تُنفّذ أية تعليمات، بل على العكس ازدادت المخالفات.

بعد عام 2009، رفعت حكومة العدالة والتنمية نسبة إصدار التراخيص دون شروط السلامة من الكوارث الطبيعية، لتشهد تركيا طفرة في البناء وسوق العقارات، مما حقّقَ أرباحاً كبيرة وأنعشَ الاقتصاد التركي، فوصلت مبيعات الشقق ذروتها عام 2022.

إمعاناً في الفساد المُغطى بالقضاء والقدَر، أصدرَ أيردوغان بتاريخ 24 حزيران 2018، قرارَ “العفو العمراني” في استنبول، عن كافة المخالفات العمرانية قبل هذا التاريخ! فيأتي تصريح نصرت سونا، الذب أصبحَ آنذاك رئيس غرفة مهندسي البناء في استنبول:

بعد ستة أشهر من العفو؛ انهار  مبنى حي كارتال في استنبول، 10 شباط 2019، المكوّن من 8 طوابق فيها 14 ضقة سكنية، بينها طابقين مخالفات! وقتل 21 مواطناً. بعدها صرّحَ حقّي ساغلام، عضو مجلس بلدية إستنبول قائلاً: (أكثر من 50% من المباني معرّض للخطر، أي مبنى من كل إثنين في إستنبول آيلٌ للانهيار . وقعت حادثة كارتال فجأة، لكنها ليست الوحيدة وقد تتكرر في أية لحظة)

لكن الأكثرُ جرأة كان تصريحهُ: (استفادت البلدية من العفو العمراني 2018، فاستفادت 30 شركة بناء تابعة لحزب العدالة والتنمية، وهذا قمة الفساد).  لكن أيردوغان ردّ مُطالباً باستخلاص العِبَر من الحادث، ولم يستخلص سوى زيادة التراخيص.

بالإضافة لسلسلة التحذيرات السابقة، جاء تحذير المركز الألماني للعلوم الجيولوجية هنا في جامعة برلين  Institut für Geologische Wissenschaftenمن زلزال مُدمّر شرقي بحر مرمرة.

الأستاذ المُحاضر في علوم الجيولوجيا، ناجي جورور، Naci Görür، جامعة إستنبول، الكلّية التقنية. وفي تصريح 18.01.2025، خلال مؤتمر (أدمايان للزلازل)، وAdıyaman هي مدينة جنوب مركز زلزال كهرمان مرعش. قال: (أُعارضُ مشروع قناة إستنبول الذي تُصرُّ عليه الحكومة التركية، والسبب بسيط؛ الفرع الشمالي لصدع شمالي الأناضول يمرُّ عبر بحر مرمرة، بينما الفرع الآخر وهو  صدع مومبورجاز يربط ضفتين البحر. خلا 10 سنوات من الأبحاث باستخدام سفن تخصصية فرنسية وإيطالية؛ وجدنا احتمالين قاتلين: قوة الاحتكاك بين الصدوع كبيرة، لكنها حتى الآن ممنوعة من الإنكسار. عندما يحدث الإنكسار، وهذا أمرٌ مُحتم لكن لا يمكن تحديد توقيته، فإن زلزالاً فوق 7 درجات قادم لا محالة.  الاحتمال القاتل الأول: أن يحدث الإنكسار في صدع واحد، وهذا يعني زلزالاً من الدرجة السابعة. الاحتمال القاتل الثاني: هو الأخطر أن يحدث الإنكسار في أكثر من صدع، وهنا سيكون الزلزال أشد من 7,5 درجة.)

ختم البرفسور التركي حديثه بالقول: (لا يؤمنُ السياسيّون الأتراك بالزلازل، لكن إذا وقع زلزال في إستنبول أو منطقة مرمرة، فسوف تتكبد تركيا خسارة فادحة في الأرواح والممتلكات لا يمكن تصورها. بمعنى آخر، إذا انهارت منطقة مرمرة، فستسقط تركيا بأكملها على ركبتيها).

  • دائماً؛ نقطة التقاء الصفائح والصدوع هي الأخطر. إستنبول ومعها إزمير من أخطر المدن التركية والعالمية، من ناحية إمكانية حدوث زلازل مُدمّرة، كذلك لواء إسكندرون المُحتل وصولاً إلى مرعش.
  • نقطةُ الالتقاء الرئيسية للصفائح التكتونية، تقعُ شمال شرق لواء إسكندرون حيث كان مركزُ زلزال شباط 2023، لهذا حدوث زلازل هناك أمرٌ لن يكونَ مفاجئاً
  • هناك عدة صدوع مُغلقة حالياً في تركيا وحتى في سوريا، فالق البحر الميت. حسب معلومات مراكز الرصد الزلزالي الألمانية، والذي يعني “تراكم الطاقة فيها”.
  • الأسلم هو التفريغ التدريجي، أي عدة زلازل ضعيفة.
  • الأسوأ؛ التفريغ دفعة واحدة بزلزال قوي.
  • حسب البرفسور التركي ناجي جورور؛ شيّدت بلدية إستنبول 97 ألف مبنى دون مراعاة شروط السلامة الزلزالية، لهذا معظم الوفيات ستكون هناك. لأنه بحساب بسيط؛ كل مبنى يحتوي عشر شقق، أي مليون شقة سكنية، وهناك أربعة ملايين إنسان قد يواجهون أخطر مصير.
  • بالنسبة لسوريا، من الصعب أن يصلها تأثير زلزال كبير في إستنبول، جيولوجياً، لكن تأثيرهُ السياسي والاقتصادي وحتى العسكري، سيكون كبيراً. مركز فيريل للدراسات 19.01.2025