تمرّ العلاقات بين موسكو وبرلين بحالة من التوتر الشديد لم تشهدهُ منذ أيام الاتحاد السوفيتي والحرب الباردة.
بعد تصويرهم الرئيس السوري بشار الأسد بالديكتاتور دون استخدام أيّ لقب قبل اسمه، ثم انكشاف الحقيقة للألمان وعودتهم مُكرهين لاستخدام لقب الرئيس السوري، جاءت الحرب الإعلامية والسياسية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتتجلى بتصويره أيضاً بصورة ديكتاتور وقائد مهووس بالحرب، حتى بات يُشكّلُ عُقدة للألمـان بعد أنّ شكّل عقدة لتركيا. وقد خصّصتُ وسائل الإعلام الألمانية برامج شبه يومية تتحدثُ عن سيرة حياته وأهدافهِ، خاصة بعد تدخل روسيا في سـوريا، مؤكدة أن القصف الروسي يستهدف المدنيين فقط أو المعارضة “المعتدلة”، وقد وصل الحد ببعض المحللين الألمان إلى تشبيهه بهتلر، هذا عدا عن التدخـل بحياته الشخصية، كطلاقـه من زوجته، وزواجهـا من شـاب يصغرها بسنوات بطريقة ساخرة، في حين أنّ وسائل الإعلام هذه لم تستهزئ من وزير خارجيـة ألمانيـا السابق غويدو فيسترفيله الشاذ جنسياً، والذي ظهر على شاشات التلفزيون مع عشيقه وشريك حياته الشاب الوسيم Michael Mronz، وكأنّ الشذوذ هو الطبيعي والزواج هو الشذوذ!
حرب استخباراتية أيضاً توجتها المخابرات الألمانية باتهامها المباشر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين علناً بأنه يريد زعزعة عدد من الدول الأوروبية، وحسب صحيفة فرانكفورتر ألغماينين، فإنّ المخابرات الألمانية وضعت قائمة سرية بأسماء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المستهدفَة، وتقوم خطة الكرملين على خطة سياسية وإعلامية منظمة، تهدف لزعزعة الاستقرار في دول أوروبية معيّنة تمهيداً لإضعاف الاتحاد الأوروبي وإسقاطه. خطة القيادة الروسية بدأت قبل عام، حيثُ استغلت روسيا قضية اغتصاب الفتاة الروسية ابنة الـ13 عاماً والتي اختطفت لمدة 30 ساعة في كانون الثاني الماضي.
التقرير المبدئي عن الفتاة الروسية أكد اغتصابها من قِبل ثلاثة رجال أتراك، لكنه وبعد ساعات تمّ تغييرهُ ليصبح أنّ الفتاة ذهبت مع شخص تعرفهُ دون إكراه، فقامت عدة مظاهرات في ألمانيا شارك فيها مواطنون ألمان من أصل روسي وشيوعيون ألمان، خاصة في برلين، اتهموا السلطات الألمانية بإخفاء الحقيقة والتستر على الجناة الحقيقيين. المخابرات الألمانية اتهمت موسكو بالوقوف وراء هذه المظاهرات ودعمها لزعزعة الاستقرار في ألمانيا، بالإضافة لاستغلالها قضية اللاجئين.
من جهة أخرى اتهم النائب عن حزب السيدة ميركل Patrick Sensburg، إدوارد سنودن الموظف السابق في المخابرات المركزية الأميركية بأنه عمل جاسوساً لصالح المخابرات الخارجية الروسية، وتمّ تجنيدهُ عام 2007 حيث قام بجمع معلومات ووثائق هامة، ثم هرب إلى هونغ كونغ في 23 حزيران 2013 ومنها إلى موسكو فتقدم بطلب اللجوء ويعيش الآن تحت حماية الأمن الروسي. إنّ مانشرهُ سنودن موجّهٌ ضد الغرب فقط، وقد سلّم بعضاً من الوثائق للمخابرات الصينية في هونغ كونغ.
لا يمكن للدول الأوروبية مجتمعـة مواجهـة روسـيا عسـكرياً، وحتى اقتصاديـاً؛ يتناسـى الألمان أنّ روسيا إن قطعت الغاز عن أوروبـا، سـتدخل القـارة العجـوز في سـباتٍ شـتوي طويل. لكنّ الدعـم الأميركي يبقى هو المُنقـذ الأول لبرلين ومن ورائها تأتي باريس ولندن.
الكاتب: د. جميل م. شاهين ـ برلين