المراهقات وصائدو الشاتينغ د. جميل م. شاهين

 

تبدأ مرحلة المراهقـة، وهي الانتقال من الطفولة إلى النضج وتحمّل المسؤولية، لدى الجنسين بعمر 10 سنوات لتنتهي بعمر 21 عاماً، بينما تتكوّنُ شـخصية الإنسان النهائية بعمر 25 عاماً. وتختلفُ درجة الوعي والنضج الفكري والنفسي بين شخص وآخر، فنرى فتاةً بعمر 16 عاماً بدرجة وعي تفوقُ ابنة الأربعين، في حين نرى ابنة الأربعين أحياناً بسلوكِ مراهقة في الرابعة عشرة.

تؤثر التغيرات الجسدية والجنسية والنفسية للمراهقة على مزاجها وعلاقاتها بالآخرين، فتمرُ بحالات من اليأس والحزن والألم التي لا تعرف لها سبباً، وتبدأ بمحاولة التحرر من سلطة الوالدين لتشعر بالاستقلالية والاعتماد على النفس، لكنها لا تستطيعُ الاستقلال فعلياً فتعيش صراعاً داخلياً. حالة التمرد التي تمر بها ورفض أيّ نصيحة، تدفعها لبناء عالمٍ خاصّ بها يتميّزُ بالحرية والأنانية، وميل جارف لكره الأم تحديداً. هنا يأتي دور الوالدين والأم خاصّة في طريقة تعاملها مع ابنتها، والطريقة الصحيحة هي اتخاذ المراهقة صديقة لها واستيعابها والاستماع إليها بهدوء واهتمام، والبدء بأن تتحدث عن تجاربها وأخطائها عندما كانت مراهقة، والشعور والمعانـاة الذي مرت بها، وتسرد بطريقة ذكية قصصاً حصلت معها أو مع صديقاتها تكون تجارب تستفيدُ منها المُراهقة.

تبدأ الفتاة المُراهِقة بالاهتمام بشكلها الخارجي والموضة والماكياج والرقص وسماع الأغاني، وعلى الوالدين عدم رفض ذلك بأسلوبٍ فجّ، وتركها تختار وتسمعُ ما تريد، مع التوجيه وابداء الملاحظات الخفيفة دون استخدام تعابير جارحة. لكنّ الذي يحصل هنا أن تقول الأم مثلاً: “شو هل الفستان المأنشح، مبينك متل الدبة”، أو يقول الأب: “أي تضربي إنتي وتامر حسني.”، ثم يطلبُ من مراهقة أن تستمعَ لأغاني عبده الحامولي!

الأخطاء التي تحصل لدى معظم الأمهات هو أنّ الأم تلعبُ دور الملاك الطاهر والتي لم تعشق سوى زوجها، والأخطر هو “الترهيب”؛ فتقوم الأم بالتهديد والتحذير من ارتكاب أيّ خطأ قد يقضي على مستقبل الفتاة، والمستقبل محصور بالزواج، والزواج محصور بالعفّـة، والعفّـة جسدية فقط! أمّا التأثير النفسي ومستقبل الفتاة العلمي والعملي فلا أهمية لهُ، فنسـمعُ العباراتِ الشهيرة، هذا إن لم تستخدم الأمّ ذراعها: “ما بيعيب الرجّال غير جيبتو والبنت غير شرفها”، “ولك يا جدبة، ما بيعود حدا يتجوزك.”، “انضبي واقعدي بالبيت لحتى يجي نصيبك”، “هم البنات للممات”، في هذه الأثناء يفتحُ شقيق المراهقة باب المنزل ويدخلُ مترنحاً منتشياً، وقد عاد من سـهرته “الصبّاحية” عند أصدقائه أو…

من الأساليب السيئة أيضاً هي المراقبة اللصيقة المزعجة، فيقوم الأهل بتجنيد أصغر أفراد العائلة لمراقبة شقيقته المراهقة ونقل أخبارها، وتُرصدُ تحركاتها وهواتفها وأصدقاءها وكافة حركاتها. يدفعُ هذا الأسلوب السيء المُراهقة للكذب والكتمان، فتخفي مشاكلها وأخطاءها عن أمها، وتبحثُ عن مكان آخر تُفرّغ فيه عاطفتها وتجد فيه مَنْ يهتم بها مستخدمةً تعبير “ما حدا عم يفهمني” ومعها حق، فيكون “أخونا” بانتظارها ليفهمها…

زرعت العـادات المتخلّفـة بعقول الفتيـات أنّ الهـدف الأول لها هـو الـزواج والإنجـاب، أما الفتـاة التي تجـاوزت الثلاثين ولم تتـزوج، فهي “مسـكينة” وتستحقّ الشـفقة! في الحقيقـة اللواتي تسـتحقن الشـفقة هنّ الفتيـات التي تزوجنّ في سنّ مبكـرة وتحولن لـ “دجاجـات” فقاسـة يسوسها ديكٌ منفوش الريش. بينما أرى كثيرات ممن لم يتزوجن يعشن حياةً ثقافيـة راقية حرّة مُنتجـة ومفيـدة للمجتمع، لا تفهمهـا صاحبـات العقول الصغيرة إن وجدتْ هذه العقـول. ويكفي أن نعلم أنّ أغلب العالمات والمخترعـات والأديبات لم يتزوجن… 

الحبّ الأول هو الأخطـر

يصعبُ على المراهقة التمييز بين الخطأ والصواب، وبين مَنْ يريد لها الخير أو الشرّ، ونتيجة الكبت العاطفي التي تجدهُ في أسرتها، تبحثُ في الخارج عمن يُفرّغه لها، فتقع في الخطأ.

في دراسةٍ إحصائية أجريتها على 471 حالة، وجدتُ أنّ 3 حالات فقط استمر فيها الحبُّ الأول وبنسبة أقل من 1%. ويختلفُ الحبّ الأول من مجرد تجربة عابرة لا ترقى لمرتبة الحبّ، وتكونُ درساً أسميه “لقاح الحبّ” تستفيدُ منه الفتاة أكثر من ضرره، ليصلّ إلى علاقة استمرت فترة طويلة وتركتْ أثراً دائماً قد يكون مَرضيّاً يُلازم المرأة طوال حياتها. في الحالتين؛ لا تنسى المرأة أول تجربة لهـا…

ما خبرتهُ في سوريا أنّ الشهادة الثانوية هي مرحلة الفصل في حياة الطالب، وهي، شئنا أم أبينا، سَـنة تقرير المصير. الذي يحصل أن يصوّر الأهل “البكالوريا” بصورة مُرعبة للمراهقة فيتم عزلها عن العالم الخارجي تماماً، وتكريس حياتها للدراسة فقط، فتقول الأم: “مو مطلوب منك غير تدرسي وتجيبي علامات أحسن من بنت حفيظة.”. بعد النجاح تبدأ الخطـورة، لهذا أرى أنّ مرحلة دخول الجامعـة هي من أخطر المراحـل على حياة المراهقـة عاطفياً، وأقصد المراهقة التي تمّ عزلها دراسياً. طبعاً العزل الاجتماعي والديني أمر مفروغ منهُ. والفتـاة المعزولـة أسـهل وقوعـاً في الخطـأ بكثير من الفتـاة المتحـرّرة. في الجامعة؛ تخرج الفتاة إلى عالـم مفتـوح واسع يتجاوز حدود مدرسة الثانوية المنفصلة الجنسين، فتشعر بحرية أكثر وتلتقي بشبان ورجال أكبر منها وذوي خبرة وخبث لم تشهدها من قبل، فتقع فريسة سهلة بيد أول صياد.

صائدو الشاتينغ

ينخدعُ كثيرون بالانفتاح والوعي الذي يرونهُ عند المراهقين حالياً بسبب شبكة الانترنت، ما أراهُ اليوم هو انخفاض درجة الوعي وتدني مستوى الثقافة لدى المراهقـين، حتى وصلنـا لمرحلة “الثقافـة المُقنّعـة”، فالفتاة التي لم تعرف يوماً شبكة الانترنت ولم تكتب كلمة “شاتينغ” مع شخص آخر، هي أكثر وعياً وثقافة وعِلماً.

لقد باتت الثقافة اليوم هي معرفة أسماء النجوم وسيرة حياتهم ونوع عمليات التجميل التي أجرتها الفنانة “فلانة”، وتكلفة فستان المغنية “فتكات”، فيصبحُ “برتراند راسل” ممثلاً فرنسياً و”ليو تولستوي” عازف إيقاع. ونسمع تعابير مغلوطة: “هل الجيل شو واعي.!!”.

ما يمضيـه المراهقـون على شبكات التواصل الإجتماعـي في الشاتينغ تحديداً، يُعادل تسعة أضعاف ما يمضونه في حديثهم المباشر مع أسـرتهم!

وهنا خطأ الأهل أولاً، فقد يكون الوالدان مشغولين بعملهما أو علاقاتهما الإجتماعية، أو حتى بالشاتينغ أيضاً، ويبتعد أعضاء الأسرة لدرجة لا يصحُ أن نسميها أسـرة، فلا يجتمعون حتى على طاولة الغداء، والذي يجمعهم فقـط هــو التحلّـقُ حول “الراوتــر” عندما تضعفُ الإشـارة.

الجيل الواعي هذا سهلُ الانخداع، لهذا نرى يومياً أخطاء لا تغتفر يقوم بها صائدو الشاتينغ، وتقعُ فيها الفتيات. يبحثُ هؤلاء عن اللواتي تضعنَ صورهنّ بشكل متكرر وبوضعيات ملفتة، ويكفي التالي لاصطياد مراهقـةٍ “واعية”:

بروفايل شاب على الفيس بوك أو الواتس أب أو…، صور رومانسية، بوست شاعري مع لغة عربية وليست بعربية، صورة جانبية لهذا الدنجـوان مع الغروب بجانب سيارة آودي، وأخيراً طلب صداقة. تقبلُ الفتاة الطلب، فيرسلُ لها على الشتاتينغ: “أهلا بكِ على صفحتي المتواضعة.”. تجيبهُ، فيتابع: “حضرتك ساكنة بالشام؟”. ثم: “بعرف شب من عائلة أبو نارة، بيقربك؟”… ثمّ: “عجبك شِعري؟ بتحبي ابعثلك شيء قديم كتبتو؟”…

إن كان الصياد أكثر خبرة، ينتظر لليوم التالي ليقول: “عم حاول اتذكر وين شايفك، وجهك كتير مألوف… كنتي بملتقى الشاعر أبو سعفان؟”. في الحقيقة أنها لم تسمع بأبي سعفان ولم تحضر يوماً ملتقى أدبياً، وكلّ ما تبحثُ عنه هو شخصٌ يُقدّرها ويملأ فراغها العاطفي، بينما يبحثُ الصياد عن فتـاةٍ تضيف لرصيدهِ الجنسي تجربةً جديدة. يطلبُ رقم الهاتف، فتعطيـه “السـاذجة” رقمهـا بسهولة، يتصل مرتين بحجة انشغاله عليها لأنها لم تضع اليوم أي “بوسـت”: “خير في شي؟ انشغل بالي صرلك يومين ما بينتي على الفيس بوك.”… حنون أخونا. بعد أيام يطلبُ لقاءها، فتذهب المراهقــة “الواعيـــة”، الباحثة عن الحبّ الرومانسي في أحضان الباحث عن النهـود. طبعاً هناك فتيات صيّـادات على الشاتينغ، لكنهنّ أقلّ عدداً ويكتفين بالشاتينغ غالباً. وكما تنخدعُ الفتيات يسهل خداعُ الصيادين أنفسهم وجعلهم يسافرون من دمشق إلى حمص للقاء فتـاة الشاتينغ الوهمية، فلا يجدون سوى شباباً بانتظارهم…

يبحثُ الصياد عن المتعة الجنسية وهذا هو الأغلب، لكن قد تكون المخاطر أكثر لتصل للمخدرات واستغلال المراهقة في ارتكاب جرائم… هـذا هو الجيــل الواعــي.

احـذرن من الشـاتينغ ومن صياديـه، ولا تمضينَ عمركـنّ تتحسّرن على خطـأ غبـي مكرر مراتٍ مرات… مركز فيريل للدراسات. د. جميل م. شاهين ـ برلين 10.03.2016