ليلة فرار بشار الأسد. 08.12.2024 إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 2024 Firil Center For Studies. Berlin. Germany. Dr. Jameel M. Shaheen
مع مرور الأيام على سقوط بشار الأسد، تبدأُ “بعض” المعلومات بالظهور، أمّا الحقيقة كاملة فلا ولن يمتلكها فرد أو جهة أو دولة. نتحدثُ هنا عمّا وصل مركز فيريل من تلك المعلومات، قد يعرفها كثيرون. مع التنويه إلى أننا، أحياناً، عندما نذكرُ بشار الأسد لا نعنيه شخصياً فقط، بل مع المجموعة الحاكمة كاملة وقد تتجاوز المئات من المسؤولين الكبار.
سقطَ الأسد منذ عام 2015 وليس 2024
فعلياً؛ لم يسقط حُكم بشار الأسد بتاريخ 08.12.2024، بل قبل ذلكَ بتسع سنوات تماماً، وتحديداً في 18.12.2015، تاريخ صدور قرار مجلس الأمن رقم 2254، وبموافقة مطلقة حتى من روسيا والصين. أمرَ القرار بتسوية سياسية، ووقف القتال، باستثنناء قِتال التنظيمات الإرهابية؛ داعش وجبهة النصرة. نعم جبهة النصرة بزعامة أبو محمد الجولاني، وعلى رأسهِ 10 ملايين دولار حتى لحظة كتابة هذه.
نصّ القرار أيضاً على إجراء انتخابات حرّة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة خلال 18 شهراً. تمهيداً لانتقال سياسي دون دماء.
ماذا نفّذت القيادة السورية من القرار 2254؟
الجواب وبتجرّد، لاشيء يُذكر سياسياً وحتى عسكرياً. جرت انتخابات صورية لم يُشارك فيها الجزء الأكبر من السوريين، بينما استمر الفساد بكافة أشكالهِ، وبدعم من “المافيات الحاكمة”. الجولاني يقعُ حالياً بنفس الخطأ “القاتل” يعترضُ على القرار!
لهذا نقولُ في مركز فيريل أنّ السقوط الفعلي لبشار الأسد بدأ مع نهاية 2015، ولم تنفع عملياتُ الإنعاش الروسية والإيرانية سوى باستنزاف مُقدرات مريض السرطان المنتشر من الدرجة الرابعة، وما أكثرَ الادعاء “الكاذب” بالإصابة بالسرطان لكسب الدموع
متى بدأت المأساة السورية الحالية؟
أيضاً هنا لم تبدأ القصة بتاريخ 15.03.2011، كما يحلو لكثيرين اللطم والندب، بل قبل ذلك بسنوات وتحديداً عامَ 1992 في لندن.
ببساطة؛ القضية ليست كرسي ومنصب وليلة تشميع الخيط ومن بعدي الطوفان. وسيذكرني قومي، ولن يذكروك إلا بالضعف والركاكة و “الشوبرة”، وليست مجموعة “فرسان_كازخستان” تهزمُ دولةً مهزومة أصلاً. وليست شعباً عانى ويُعاني الأمرَّين، بل أبعد من هذا.
بدأت الحكاية عام 1992، عندما سقطت “صدفةً” كتبُ الياسمينة_البريئة، في جامعة Kings_College_London، فانبرى شاب “شهم” لمساعدتها. التقت العينان أيضاً “صدفة”، لتبدأ هنا حكاية_سوريا من لندن_الخرساء. وتتوجّ في 18 كانون الأول 2000، ثم يأتي صاحبُ العطور ومعه أبو الدرر 18 أيلول 2003.
لاحظوا تكرار الـ18 هذه! كثيرون سيلتقطون ما أقوله هنا، لأنني سبق وتحدثت معهم عن “خطورة” الياسمينة البريئة، ولمحت في كتاباتي قبل وبعد وضعي على القائمة السوداء. على أن أفتحَ الملفَ قريباً بمشيئته.
لم تتخلَّ روسيا وإيران عن بشار بسهولة، لكنّ تكلفة بقائه باتت أعلى من سقوطه، فليسقط
لاشك أنّ هزيمة إيران، كبيرة وخطيرة على أمنها القومي، حتى على وجودها، دعكم من الكلام الإنشائي والبطولات الإعلامية. انتصرت إسرائيل بإجرامها، بتدمير غزة. ثم تدمير حزب الله، دون أي تحرّك إيراني فعّال يُوقفُ آلة الإجرام، وسط تخاذل عربي إسلامي دون استثناء.
انتصرت إسرائيل بجعل قصف سوريا عملاً روتينياً، وكم حذرنا في مركز فيريل منذ عام 2016 من أن يُصبحَ القصف الإسرائيلي، عادة يومية “روتينيّاً”، فحصل أكثر مما توقعنا بسبب ضعف القيادة السورية وهوانها. بينما المُطبلون الذين كتبوا في أيار 2020:
ماذا لو غضب الأسد من بوتين؟
غيّروا كلمة واحدة في العنوان، وقُبيل “فرار بشار” كتبوا بالخط العريض:
ماذا لو غضب الأسد من إسرائيل؟
والمطبلون مندهشون؛ فالأسد ليس أكثر من أرنبٍ فكّر بساقيه دون تردد.
نجحت إسرائيل، وبجدارة، بزرع الطائفية في كلّ زاوية من الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وتحويل البوصلة نحو طهران، بمساعدة الجميع دون استثناء
زرعت إسرائيل، ليس فقط الطائفية في كل مكان، أيضاً المناطقية والعشائرية في كل زاوية من الشرق الأوسط. وباتَ قِتالُ الشيعة هو الطريق إلى الجنة!
نجاح إسرائيل هو فشل لإيران، وانتصار نتنياهو مجرم الحرب، هو هزيمة استراتيجية لطهران. هنا جاءت حركة جبهة النصرة التي تمّ التحضير لها منذ شهور طويلة، وعلى مرأى ومسمع الناس العاديين. كم مرة شاهدنا مناورات جبهة النصرة الإرهابية، واستعدادات لاحتلال حلب. كم مرة توعّد أيردوغان بإعادة احتلال حلب والموصل؟
ماذا فعلت المخابرات العسكرية في سوريا أولاً، غيرَ أخذ الأتاوة على الحواجز؟ ماهي الاستعدادات العسكرية؟ لاشيء. ماذا فعلت دمشق وطهران وموسكو سياسياً؟ حصلت على وعود من أيردوغان وأستانا 21 ثم أستانا 22! لتأتي الطعنة الكبرى من “حليفهم” العثماني.
متى فرّ بشار الأسد؟
سمعتم وستسمعون قصصاً كثيرة، وأكاذيب من كافة الأطراف، وهنا لا أستثني جهة أو وسيلة إعلامية، الأغلبية يكذبون والفارق الطريقة فقط. قيلَ أنه كان تحت الإقامة الجبرية بعد زيارته المفاجئة لموسكو، وهي ليست مفاجئة، لأنّ الأسد، بذكائه “الحاد”، وجد نفسهُ بوضع غير مستقر في أيلول 2024، فطلبَ مقابلة بوتين المشغول بأمور أهم من سوريا. ازداد قلقُ بشار، قُبيل هجوم النصرة. لكنّ بوتين يرفضُ الردّ على هواتفه، وحتى على طلبات لقائه، فبدأ بالتخطيط لزيارة موسكو، مُعلناً للكرملين أنه وافق على لقاء أيردوغان، وسيعمل على التخلص من النفوذ الإيراني، وسيسعى لبحث المساعدات العسكرية لسوريا، لكن الخزينة السورية فارغة فمن أين يدفع؟
نعم، قبل أسبوعين من بدء الهجوم، وافق بشار على لقاء أيردوغان، تلبية لطلب بوتين، لكنه تأخّرَ كثيراً بالقبول، بالإضافة للتسويفات الأخرى، سوف نرى وسنعمل.
قبل قائه الأخير والسريع بالأسد في 29 تشرين الثاني 2024، اتخذَ سيّد الكرملين القرار وانتهينا، روسيا ليست دار للتبرعات، خاصة لقيادة فاسدة غير موثوق بها، ومَنْ يراوغ مع فلاديمير، سيدفع الثمن مهما طالت الأيام.
هل احتُجِزَ بشار الأسد في موسكو؟
كما أسلفنا، ثلاثة أهداف كانت وراء زيارة بشار الأسد الأخيرة لموسكو، قبول لقاء أيردوغان دونَ شروط، طلب مساعدات عسكرية روسية “مجانية”، الموافقة على تحجيم دور إيران في سوريا. لكن المماطلة والتسويف، وأنصاف الرجال، ونحنُ وإننا. جعلت الروس ينفرون من هذه القيادة الركيكة، ويفضلون الحياد السلبي وليذهب الجميع إلى الجحيم.
بعد بدء الهجوم، ومع دخول جبهة النصرة مدينة حلب، طار بشار الأسد إلى موسكو على عجل، ثم اختفى نهائياً. وحتى اجتماعهُ الأخير ببوتين لا إثبات على حصوله، بينما ظهرَ في لقطات مع وزير الخارجية الإيراني بدمشق، وأيضاً لا يُمكن التحقق من صحة هذه الفيديوهات. لهذا احتمال الإقامة الجبرية في موسكو وارد.
لو افترضنا احتجازَ بشار الأسد في موسكو؛ تكون روسيا ومن قاعدة حميميم، قد استلمت دفة القيادة العسكرية في سوريا، وتركت، بالاتفاق مع تركيا، جبهة النصرة الإرهابية تمشي نحو دمشق دون أية طلقة من الجيش السوري، وهذا لا يعفي بشار الأسد مما حصل طبعاً.
الاحتمال الثاني أن الأسد عاد من موسكو، وهو الذي قرر الاستسلام، وترك البلاد في مهب الريح، بحجة حقن الدماء، والظاهر؛ الانتقام من الجميع! بينما كان بإمكانه تجنيب الشعب السوري كلّ هذه الجراح منذ تظاهرة الحريقة 2011، والانسحاب من المشهد السياسي وتجنيب الشعب وحتى عائلته الكبيرة والصغيرة، ما جرى وسيجري. لكنّه آثر، لسبب ما، تدمير كل شيء. وهذا أيضاً يزيدُ من عقوبته القادمة، هذا إن عاش لوقتها.
هل تخلّت إيران عن بشار الأسد؟
كررنا ومازلنا، عشرات المرات أنّ إيران، وغيرها من الدول، ليست دار اً للتبرعات، ولن تُقدّمَ مساعدة مجانية هكذا من أجل الأُخوة مثلاً! هي دولة لها سياستها ومخططاتها. أزعجَ هذا الكلام عشاق طهران، لكننا لم ولن نُغيّرهُ.
مدت إيران يد المساعدة للقيادة السورية السابقة، لأنها تعتبرها حلقة وصل وخط دفاع ثانٍ عنها، تجاه إسرائيل والولايات المتحدة. أي سوريا كانت ساحة مساومة وتصفية حسابات. المساومة تلك ترفعُ من مكانة طهران سياسياً على الأقل، كما يمكن تنفيذ مشاريع اقتصادية مُربحة بالاتفاق مع الروس والصينيين المتأخرين، والمقابل هو المساعدة العسكرية وحاملة نفط كل ثلاثة أشهر. وأيضاً؛ بقاء الأسد يضمن عدم تنفيذ خط غاز قطر والطريق البري، اللذين يضربان اقتصاد إيران.
أمّا وقد استغنى الأسد عن معظم ما ورد، فلماذا نساعدهُ على البقاء؟
لماذا استقبلت موسكو بشار الأسد؟
للإجابة على هذا السؤال ما رأيكم أن أطرح عليكم مثالاً مؤكداً. لماذا استقبلت ألمانيا رياض حجاب، رئيس وزراء سوريا المنشق؟
السبب رصيدهُ في بنك دويتشه برلين تحديداً، وهذا نؤكدهُ من موقعنا في برلين. حمد بن جاسم اعترف لمحطة BBC البريطانية:
(دفعنا للضابط السوري المنشق 30 ألف دولار ، وللجندي 15 ألف دولار ولرئيس مجلس الوزراء رياض حجاب دفعت السعودية 50 مليون دولار)
كيف إذاً إن جاءَ رياض حجاب بعدة مليارات؟
هذا مافعلته عائلة بشار الأسد، ومنذ سنتين في روسيا. استثمارات وانخراط في الحياة الاقتصادية، خاصّة من عائلة الياسمينة البريئة، لهذا غضبت واشنطن ومعها لندن، اللتين تعتبران نفسهما الأحق بالأموال المسروقة.
رأي مركز فيريل للدراسات
كلّ ما يحدث الآن في سوريا هو اختبار للقادم. لن تستقر حكومة طويلاً ولن يجلس على الكرسي زعيم مرتاحاً. المطلوب مسحُ سوريا عن الخارطة، وهذا ما قاله لي يوماً آندرو عنصرة، رحمه الله. ظننتهُ يُبالغ، ولكنه كان على حق.
لا تتسرعوا بالحكم على أيّ زعيم، سلباً أو إيجاباً، اقرأوا ماضيه وحاضره. قارنوا أفعاله بأقواله، لكن لا تنتظروا طويلاً. فإن كان جديراً بالمنصب، وهذا أمرٌ صعب أن يحدث، إيّاكم أن تقدسوه، وتضعوا صوره وتماثيله، فتكونوا بذاكرة أضعف من الأسماك.
الزعيم مهما كان، هو موظف حكومي لا أكثر، وصلَ إلى الكرسي لأنه عاشقٌ للظهور أو للمال أو السلطة أو… النساء. هذا ما كان بعجالة، عدنا في مركز فيريل وأتمنى ألا نتعرّضَ ثانية للحظر. تحيا سوريا من آروميا إلى أرض القمر، دولة مركزية علمانية خالية من أي تواجد ونفوذ أجنبي، بشراً وعسكراً. الدكتور جميل م. شاهين 18.12.2024 لقاؤنا يقترب. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات برلين