هل تتحوّلُ حربُ فلسطين إلى حربٍ عالمية؟ الدكتور جميل م. شاهين. الجزء الأول.

هل تتحوّلُ حربُ فلسطين إلى حربٍ عالمية؟ الدكتور جميل م. شاهين. الجزء الأول. 25.10.2023

بعيداً عن نظريات المؤامرة؛ كانت هزيمةً مُذلّة لجيش الاحتلال

الناتو يحشدُ اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وإعلامياً

السيناريوهات القادمة حسب مركز فيريل للدراسات

السيناريو الأول: تبقى الحرب محصورةً في قطاع غزة

واشنطن وتل أبيب تريدانها عملية اجتياح سريعة، وهذا صعبٌ

مصر أمام اختبار صعب بينما تستمرُ قَطر بلعبِ ذات الدور

أكثر المتضررين من الحرب في فلسطين


بعيداً عن نظريات المؤامرة؛ كانت هزيمةً مُذلّة لجيش الاحتلال

تلقى جيش الاحتلال الإسرائيلي، بتاريخ 07 تشرين الأول 2023، هزيمةً مُذلّة لن تُمحى من تاريخه حتى لو مسحَ غزة عن وجه الأرض. 700 مقاتل من المقاومة الفلسطينية، نُكرر المقاومة الفلسطينية وليس من فصيل مُعيّن، وبعد تخطيط وتدريب دام 18 شهراً، اخترقوا أقوى وأحدث جدار في العالم كلّفَ 1,1 مليار دولار، الطريقة كانت ذكية ومُخادعة وعلى الأغلب تلقوا مساعدة ما من دولة كبيرة متطورة.

فشلت كافة الأجهزة الأمنية الأميركية والإسرائيلية بكشف التحضيرات والتدريبات ثم الاختراق، وأحد أسباب هذا الفشل هو الغرور كما نراه في مركز فيريل. هناك دون شك، نقاط غامضة في عملية الاختراق تلك، رغم اجتهاد كثيرين لتحليلها، لكن الواضح أنّ غرور الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وتأكدها من أنها الأفضل والأقوى، ليس في المنطقة وحسب، بل في العالم، هو الذي جعلها تسخرُ من تنبيهات وتحذيرات المخابرات المصرية من عملية قريبة ضد إسرائيل، أعادنا هذا التحذير المصري بالذاكرة لتحذيرٍ آخر مماثل قامَ به “العميل ليفت” بتاريخ 25 أيلول 1973، عندما توجّهَ شخصياً إلى رئيسة وزراء إسرائيل “غولد مائير” مُحذّراً من هجوم سوري مصري قريب، في لقاء ضاحية تل أبيب؟

هنا نشطت نظريات المؤامرة بترويجٍ من وسائل إعلام غربية خاصة، مفادها أنّ العملية مُتفقٌ عليها بين المقاومة وإسرائيل، وهذه تبقى وجهاتُ نظر حتى دون أيّ دليل سوى تعبير “أي واضحة”.

الناتو يحشدُ اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وإعلامياً

هبّت أوروبا ومعها الولايات المتحدة وباقي دول الغرب “الديموقراطي” لنجدة تل أبيب، انتفضَ هؤلاء مذعورين وكأنّ بهم مسٌّ من الشيطان، فاتحين مخازن أسلحتهم ومصانعهم الحربية واقتصادهم وفضائياتهم لتل أبيب بينما مازال حكامها غارقين في الصدمة. أرسلت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وحتى ألمانيا، سفنها الحربية وقوات تدخل سريع قوامها، حتى ساعة كتابة هذا المقال في مركز فيريل، أكثر من 20 ألفاً من خيرة مقاتلي الناتو، بالإضافة لأضعافهم من المتواجدين في قواعد أميركية تعجّ بها الدول “التابعة”.

 وصلت المنطقة خلال الأيام الماضية 45 قطعة عسكرية بحرية، بينها أكبر وأحدث حاملة طائرات في العالم. قاذفات ومقاتلات هي الأحدث. غواصات نووية ومدمرات. أيُعقلُ أن يكون كل هذا الحشد فقط بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية في مساحةٍ تتقلص تدريجيّاً بدءاً من 360 كم مربع؟!.

وفودٌ وزعاماتٌ ورؤوساء دول تقاطروا على مطارات عسكرية، بعضهم “انبطح” أرضاً في مطار بن غوريون. ومعهم حزمة مساعداتٍ فورية لمستوطني إسرائيل “الأبرياء”.

من بعيدٍ كانت عيونٌ “تحترقُ” تُراقبُ التحركات الغربية  المحمومة، وهي تشعرُ بأنها في الدركِ الأسفلِ أهميةً ومكانةً، أولها عينا حاكمِ كييف زيلينسكي، وعيون الدول والدويلات التي ظنّتْ أنّ وجود قواعد أميركية فوقَ أراضيها، أو ارتباطها بعلاقاتٍ جيدة مع واشنطن، سيجعلها بمستوى تل أبيب أهمية. هذه الدول “النائمة في العسل” بدأت تصحو وتُدركُ أنها لا تساوي ذرةَ غبار على حذاء جندي إسرائيلي. ذرةَ غبار

السيناريوهات القادمة حسب مركز فيريل للدراسات

لن أتبحّر في تلكَ السيناريوهات واضعاً كافة الاحتمالات، فالقارئ يُريدُ المختصر المفيد والسريع، وهذا المختصر لن يكون أقلّ من عدة صفحات… هناك احتمالان فقط؛ الأول أن تبقى الحربُ محصورةً في قطاع غزة، والثاني أن تتوسع وتتحوّل لحرب كبيرة قد تتطور لعالمية. هل هناك احتمال ثالث؟

أعود للتذكير؛ مَنْ يعتبرُ أنّ الولايات المتحدة والناتو ، إلهاً لا يُهزم، لا داعي أن يقرأ، وليبقَ على معتقداتهِ وإيمانهِ.

السيناريو الأول:

تبقى الحرب محصورةً في قطاع غزة

في كافة الاحتمالات العسكرية، إسرائيل لا تُحارب لوحدها، إنه الناتو يتدخلُ عسكرياً بشكل مباشر، ولا يكتفي بإرسال السلاح والعتاد والمعلومات كما في أوكرانيا، لهذا ستكون المواجهاتُ وعلى كافة الجبهات أصعب وأشد ضراورة وأقلُّ تكافؤاً، إن استمرت الحرب طويلاً.

التخبط الإسرائيلي الأميركي وبعد مرور 18 يوماً مازال قائماً، وهذا واضحٌ في تأجيلِ قرار الغزو البري للقطاع بحجج كاذبة، تارةً بسبب الطقس ثم زياراتٍ رسمية غربية وأخيراً بحجة تأمين إطلاق سراح الرهائن. كان من الغباء ومنذ البداية ذكرُ أنَّ هدف الغزو ، وهو القضاء على المقاومة الفلسطينية، لأنّ عدم تحقيق هذا الهدف يعني الهزيمة العسكرية، فهل ستتمكن واشنطن، وهي الطرفُ الرئيسي في الحرب، من تحقيق هذا الهدف؟.

لا يمكنُ المقارنة بين القدرات العسكرية للطرفين، فنحنُ نتحدثُ عن أقوى دول العالم عسكرياً مقابل بضعة آلاف من المقاتلين بأسلحة خفيفة ومتوسطة. رغم ذلك تبقى معركة الأرض هي الفاصل وبنفس الوقت، هي الرعبُ الحقيقي والمانع الأول أمام جيوش هذه الدول.

إذاً؛ لابدَّ من نزول الجيش الإسرائيلي إلى الأرض بعد أن أمطرَ غزة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ، حتى بغداد في نيسان 2003، تلقت 504 صاروخ كروز من الاحتلال الأميركي، وهذا أقل مما حصل مع قطاع غزة منذ 07 تشرين الأول.

واشنطن وتل أبيب تريدها عملية اجتياح سريعة، وهذا صعبٌ

الخلافات عميقة بين واشنطن وتل أبيب وأيضاً داخل حكومة بنيامين نتنياهو بشأن العملية البرية. الولايات المتحدة هي التي أجلت العملية فعلياً، لأنها صاحبةُ القرار والحربُ حربُها. بينما قادة جيش حرب الكيان منزعجون بعد أن أعطوا الأوامر لجنودهم بالاستعداد، فإلى متى ينتظرون؟

يوم الأحد 22 تشرين الأول 2023، وفي عملية اختبار وجس نبض؛ حاولت عدة دبابات ميركافا وجرافات الدخولَ عبر السياج الحدودي جنوبي قطاع غزة. تصدّى المقاومون الفلسطينيّونَ لها فأعطبوا دبابتين وجرافة وقتلوا جندياً وأصابوا ثلاثة آخرين، حسب وسائل إعلام عبرية.

التصدي هذا ساهمَ في تأجيل العملية البرية ومواصلة قصف وتدمير البشر والحجر. لهذا نرى في مركز فيريل أنّ تل أبيب ستواصل قصفها الجوي، واعتماد سياسة الأرض المحروقة قبل التفكير بأية عملية برية واسعة، قد تلغيها أصلاً “رأفةً” بالمدنيين، لكنها ستستبدلها بطرق التفافية أخرى.

بنيامين نتنياهو يتفقُ في ظروفه السياسية إلى حد ما مع جو بايدن، الإثنان على كفّ عفريت، ويحتاجان لأي نصر وهمي يرفعُ شعبيتهما المنهارة. نتنياهو يريدها عملية لساعات أو أيام، يقتلُ فيها أكبر عدد من الأطفال الفلسطينيين لأنهم مقاومين حملوا السلاح ضدّ أتباعه، ويزفُ هذا “الإجرام” على أنه نصر إلهي للشعب الموعود بأرضٍ خالية…

العملية البرية إن حصلت بشكل واسع، ستكون صعبة وطويلة وتحتاجُ لأسابيع وربما شهور لتحقيق هدفها المُعلن، وهذا يعني تكلفة بشرية وعسكرية والأهم اقتصادية عالمية، وسنشرح ذلك بعد قليل.

نتنياهو انتهى سياسياً، ومصيرهُ السجن أو الانتحار. فرصةُ استمراره ضئيلة جداً ولن يرضى عنهُ المستوطنون حتى لو قتلَ عشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين

مصر أمام اختبار أصعب من سد النهضة، بينما تستمرُ قَطر بلعبِ ذات الدور؟

رُوّج في البداية أنّ مصر ستستقبلُ بضعة آلاف من الفلسطينيين وتبني لهم خياماً “مؤقتة”، المؤقتة تعني عشرات السنين. بعدها تحوّل الأمرُ إعلامياً إلى توطين مئات الآلاف في مدينة “رفح الجديدة” ضمن صفقة القرن، والتي نشرنا عنها وعن هذا الموضوع على صفحاتنا وموقعنا. قادت الموضوع دويلة قطر كالعادة، مُتكفلةً بتمويل الصفقة بينما تُسقَطُ ديونُ البنك الدولي ويُدعمُ الاقتصاد المصري السيء. هذا ما صرّح به سياسيون غربيون وإسرائيليون ونشرته صحفٌ كبرى، منها صحيفة #The_Wall_Street_Journalالأميركية  وفي مقالةٍ طويلةٍ تمّ تعديلها لاحقاً نُشِرت 15 تشرين الأول الحالي.

حسب مركز فيريل؛ رفضت القاهرة العرض “القطري” القديم والحديث، وهذا أحد أسباب مغادرة “تميم بن حمد” قمةَ القاهرة للسلام 2023، يوم السبت الماضي قبل انتهائها ودونَ أن يُلقي كلمتهُ. لم تُثمرُ القمة كما تعلمون عن أية نتائج ولم يُتلَ بيان ختامي بسبب تنافر آراء المجتمعين. لكن العربَ استنكروا…

ما علمهُ مركز فيريل للدراسات من القاهرة أنّ “تميم بن حمد” زار مصرَ حاملاً اقتراحاً جديداً وهو: إعادة (قطاع غزة) إلى ما كان عليه منذُ هدنة 24 شباط 1949 حتى 5 حزيران 1967، حينما كان يتبعُ لمصر. رفضت القيادة المصرية الاقتراح القطري، رغم ذلك شاركَ تميم في القمة وغادر ها متقصداً ومنزعجاً ليُظهرَ فشلها.

دعونا نرى ما هو القادم على مصر وماذا يمكن أن تفعل القاهرة، وهل ستُراجعُ قرار الرفض وتقبلُ التفاوض على بضعة آلاف من “الجرحى” مثلاً، مع بدء التهديدات الأميركية المبطنة وتهديداتٍ “قطرية” بتحويلها إلى دويلاتٍ… أم ستصرُّ القاهرةُ على منع دخول فلسطيني واحد لأنه تكرارٌ لما حدث عام 1948؟.

بجميع الأحوال؛ لا نتوقعُ تحركاً عسكرياً فعالاً من الجيش المصري ضد جيش الاحتلال، “أصفادُ” اتفاقية كامب ديفيد تمنعهُ، وبانعدام الخطر المباشر على مصر، سيبقى دور القاهرة محصوراً بفتح المعابر وإدخال المساعدات العالمية للقطاع، وطبعاً الشجب والاستنكار وربما الإدانة.

بالمقابل؛ تستمرُ #قناة_اليأس_العربي_القطرية بتصوير مآسي أهل غزة فقط، ونادراً ما تذكرُ خسائر جيش الاحتلال، بينما ذاتُ المخدوعين مستمرون بمتابعتها وكلهم قناعة بأنها الصادقة الوحيدة، لأنهم تربوا على الخسارة والفشل، وستبقى نسبة المشاهدة عالية لأنها الوحيدة القادرة على تصوير الهزيمة العربية، والوحيدة أيضاً المسموح لها بالدخول والتصوير حيثُ تشاء، وعند تراجع نسبة المشاهدة تلك يتم ترتيبُ حادثة ما أو تقديمُ أضحية بين الفترة والأخرى كي تكتملَ الصورة.

العلاقات بين القاهرة والدوحة سيئة مهما حاول الطرفان التغطية، وقد ينسحبُ الأمرُ “جزئياً” على دول خليجية أخرى. بجميع الأحوال؛ مصر أكبر الدول العربية والمطلوب منها كثير غير التهليل الإعلامي لأية خطوة مهما كانت صغيرة، المطلوبُ عدم التردد كما فعلت بقضية سد النهضة وتراجعت أمام إثيوبيا، بينما نتائجُ هذا التراجع ستبقى أجيالاً… في حرب فلسطين، لا يجوز التردد ولا تنفعُ البروباغندا الإعلامية…

سيتمُّ تسليطُ الضوء على تقاعس مصر تجاه الفلسطينيين، إلى أن يتحرّكَ الشارع المصري فيبدأُ نقلٌ مباشرٌ تماماً كما حدث سابقاً في سوريا منذ عام 2011. مع تحرك الشارع وازدياد الضغوط الخارجية، قد تجدُ السلطاتُ المصرية نفسها مضطرةً لفتح معبر رفح أو نكونُ أمام خيار ثالث أصعبُ وأشدّ خطورة على أرض الكنانة، سنبحثهُ إن تطورت الأمور تجاهه.

السعودية ودولُ التطبيع أكبر المتضررين

والشارع العربي سيفصلُ بين الأبيض والأسود

مهما كانت النتائج والتطورات، السابقة واللاحقة، ستكون السعودية ودول الخليج بشكل عام أول وأكبر المتضررين. لقاءاتُ التطبيع بين الرياض وتل أبيب توقفت، الزياراتُ المتبادلة لـ “أبناء العمومة” بين دول “اتفاقية إبراهيم” أُجّلت. الشراكة الاقتصادية تعطلت، والخسائرُ  المالية تراكمتْ.  كل ما سبقَ يمكن تعويضهُ في شهور وربما سنوات، لكن الذي يغفلُ أو يتغافلُ عنه كل زعيم مُطبّع ومعه الغرب هو الشارع العربي، كيف؟.

بعد مرورِ  46 عاماً على أول اتفاقية “سلام” مصرية إسرائيلية، توجهنا بهذا السؤال في مركز فيريل وسألنا ببساطة عشراتِ المواطنين المصريين: هل تستطيعُون رؤية “سائح إسرائيلي” في شوارع القاهرة؟ الإجابة كانت بنسبة كبيرة، كلا. بعض الإجابات كانت حادّة لدرجة حادثة الإسكندرية، بينما أقل من 10% أبدوا عدم اكتراث. الأمر ينطبقُ إلى درجة كبيرة على مواطني الخليج والأردن والمغرب وغيرها… هنا نقول ودون شكّ: كسبتْ تل أبيب ولاءَ وطاعةَ الحكامَ والأثرياء العرب والمطبّعين، وفشلت في كسب قلوب 90% من الشعوب العربية… يتبع. هل تتحوّلُ حربُ فلسطين إلى حربٍ عالمية؟ الدكتور جميل م. شاهين. الجزء الأول. 25.10.2023. ألقاكم في الجزء الثاني.