قراءة في الحرب الروسية الأوكرانية. فادي عيد وهيب. القاهرة. مُحلّل سياسي، خبير في قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إدارة التحرير في مركز فيرل للدراسات.
استحضر بوتين التاريخ والدين قبل الحرب، فالتاريخ والدّين أحد أهم أعمدة وركائز أية إمبراطورية أو أمة عظيمة تاريخياً، ومن الصعب أن يكون لديك ذلك التاريخ الأرثوذكسي الهائل والمجد القيصري العظيم لتجييش شعبك وترهيب عدوك، وتتخلى عنهما.
الأمثلة كثيرة قديماً وحديثاً حول ارتكاز الدول على التاريخ والدّين، والفارق كبير بين الدول الدينية وهي بالعشرات، والدول التي ارتكزت إلى الدين ومعه الحضارة والعلم والتاريخ لبناء مجدها، وهذا ما فعله بوتين معتمداً على الدّين بالإضافة لركائز أخرى هامة كالعلم والاقتصاد والقوة العسكرية. في السنوات الأخيرة؛ نجح أردوغان ورفاقه في تأسيس العثمانية الجديدة 2003 بهذه الطريقة، مستحضرين تاريخ الخلافة والإسلام العثماني في المقالات والخطابات والدراما وكل شيء، لتصوير أعدائهم بأنهم أعداء للإسلام، لكنّ التجربة التركية قاصرة أمام مثيلتها الروسية بإهمالها العلم.
مصر كانت فعلتها في عهد الفاطميين والأيوبيين والمماليك وحتى أسرة محمد علي باشا.
اليوم عندما علم بوتين بما يحضر ضده من اللعب بورقة الدين، ومحاولة تجييش مسلمي تتار القرم ضده، وهم المتأثرين بتركيا عرقاً وثقافة ولغة، حرّكَ على الفور الورقة التي اهتم بها منذ 1995، وصنعها خصيصا لتلك اللحظة (التي يتورط فيها ضد الإسلام السياسي مجدداً)، وهي الشيشان، وقد شاهدنا الحشد المرعب وهو يقف أمام رمضان قاديروف زعيم الشيشان رافعين رايات روسيا الإتحادية والشيشان وهتاف “الله اكبر” يهز العاصمة جروزني، كي يقلل فرص نجاح ورقة الإسلام الاطلسي بتلك المرة، وفيما يخص طالبان، فعلاقتها بروسيا والصين تحديداً افضل من واشنطن ولندن.
لذلك لم يعد أمام الغرب لاستنزاف الروسي وتحويل أوكرانيا إلى مستنقع له، سوى دعم النازيين الأوكرايين أنفسهم، وتهدئة أعصاب الممثل زيلينسكي، وإخراج أردوغان عن حياده الإيجابي لصالح روسيا في تلك الحرب، وجعله يطعن روسيا في الظهر.
فشلت الولايات المتحدة مع السعودية
هاجمَ أعضاء أعضاء الكونجرس الديموقراطيون خاصّة، السعوديةَ بشكل غير مسبوق، نعم السعودية التي تبعد آلاف الأميال عن أرض المعركة، السبب؟ عدم تنفيذ رغبة واشنطن باستخدام ورقة النفط ضد روسيا وزيادة إنتاجها. التضخم الآن هو الأعلى منذ أربعين عاماً، والانتخابات النصفية للكونغرس بدأت الحملات تجتاح الولايات بانتظار تشرين الثاني القادم، وعلى الديموقراطيين تقديم إنجاز كبير قبل الموعد. روسيا تُرعبُ أوروبا باجتياحها لأوكرانيا، بينما أسعار الغاز والبترول تُحلّق متجاوزةً عتبة الـ100 دولار وهذا يصب بصالح موسكو. على السعودية زعيمة أوبك زيادة الإنتاج، السعودية أكدت التزامها باتفاق “أوبك بلس” مع روسيا للحد من زيادات الإنتاج. لهذا أمام بايدن حلّان أحلاهما مُرّ؛ الاتصال بالأمير بن سلمان وهو الذي يرفض التحدث معه والطلب منه، أو … رفع العقوبات عن إيران نهائياً عسى أن تُعوّض بنفطها ما رفضته الرياض.
ليبيا تدخل على الخط
الحرب بين روسيا والناتو، ميدانها غير مقتصر على أوكرانيا فقط، فتصريحات نجلاء المنقوش وزيرة خارجية حكومة عبد الحميد الدبيبة بطرابلس ليبيا، والتي تدين فيها بشدة التدخل الروسي في أوكرانيا، وتطالب فيها موسكو سحب الفاغنر الروسي من ليبيا، وهي من يقف على بعد أمتار منها آلاف المرتزقة الاتراك، وبالأساس ليس من الحكمة لأية دولة عربية التعليق على معركة حجمها أكبر من أي طرف، ولا ناقة ولا جمل لنا فيها، بقدر ما تدل تلك التصريحات عن عقلية وعمالة هولاء، وبقدر ما تعكس حجم ما وصل له الصراع بين روسيا والغرب في أفريقيا أيضا.
أكبر دول غرب إفريقيا مساحة مالي، مجلسها العسكري يطرد الجنود الفرنسيين ويشرعن تواجد الفاجنر الروسي على أراضيه، وقبلها تشاد شهدت إنقلاباً مدعوم من روسيا على حساب فرنسا، وكذلك كان المشهد في إفريقيا الوسطى وغينيا وغيرها.
تداعيات ما يحدث في أوكرانيا على أوروبا ستكون وخيمة، وعلى القارة العجوز أن تبحث عن نفسها، وعن مشروع جيشها الموحد بعيداً عن عباءة العم السام (الناتو)، فسقوط كييف لن يرسم خريطة جديدة لأوكرانيا وحدها، بل سيفتح ذلك الأمر شهية الزعماء لا الرؤساء للتمرد على خطوط واشنطن ولندن الحمراء التي فرضتها على دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية، أو ربما منذ معاهدة لندن عام 1840.
الناتو سيعود لتحريك تركيا “الأخوانية” لقلب الطاولة على بوتين، لذلك هاتف الإنجليز أردوغان أول أمس، ثم اتصل به بوتين بعدها، بغرض تحييد مخطط المحور الذي أسقط القرم من جعبة القيصر نيقولاي الأول 1853. فادي عيد وهيب. القاهرة. مُحلّل سياسي، خبير في قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 26.02.2022