مصر تكتشف كروية الأرض وتحسب محيطها بدقة عام 200 قبل الميلاد… متى إذن أصبحت الأرض مسطحة؟ ومتى بدأت نكبة مصر، ولماذا؟ د. أنور نقول Anwar Nakkoul. الولايات المتحدة الأميركية. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات ـ ألمانيا.
كان يراقبُ ظلال أعمدة أحد المعابد في أسوان جنوب مصر. لاحظ أن ظلال هذه المعابد تقصر تدريجياً خلال ساعات الصباح، بينما يرتفع قرص الشمس تدريجياً في السماء. في منتصف النهار اختفت الظلال تماماً قبل أن تعاود الظهور في الإتجاه المقابل. كانت الشمس إذاً عامودية تماماً على أسوان في ذلك اليوم. حدث هذا في يوم 21 حزيران، يوم الإنقلاب الصيفي على كوكبنا، سنة 200 (تقريباً) قبل الميلاد. (بعض المصادر ترجح أنه في الحقيقة لاحظ في ذلك اليوم أن ضوء الشمس وصل إلى قاع أحد الآبار في أسوان. مهما يكن الأمر، فالمبدأ واحد).
في الصيف الذي تلاه، كان في الإسكندرية في شمال مصر، واختار يوم 21 حزيران للذهاب إلى أحد المعابد. كانت ظلال أعمدة المعبد تقصر تدريجياً خلال ساعات الصباح، إنما لم تختفِ تماماً في منتصف النهار.
التفسير الوحيد الذي بدا له كسبب لاختلاف الظلال بين أسوان والإسكندرية، أنّ الأرض التي نعيش عليها محدبة. لم يكتفِ بهذا، بل قام بقياس الظل الذي يلقيه أحد الأعمدة وقارنهُ بارتفاع العمود، فاستنتج أن زاوية الشمس على الأرض في الإسكندرية كانت 7 درجات (كما في الشكل أدناه)، وبذلك يكون مقدار الزاوية بين أسوان والإسكندرية 7 درجات على امتداد سطح الأرض (أي أنه إذا رسمنا خطاً مستقيماً من الإسكندرية إلى مركز الأرض وآخر من أسوان إلى مركز الأرض فإن الزاوية بين الخطين مقدارها 7 درجات).
ليته كان بالإمكان لأحد أن يدوّن للتاريخ تعابيرَ وجهه ذلك اليوم: هذه الـ 7 درجات تشكل حوالي جزء من 50 من محيط الأرض المساوي لـ 360 درجة. قام بعدها بقياس المسافة بين أسوان والإسكندرية فوجدها مساوية لحوالي 800 كيلومتر. أدرك عندها أن محيط الأرض هو جُداء 50 في 800.
كان اسمه اراتوستينوس Eratosthenes، وهو عالم ولد وعاش في مصر القديمة في عصر البطالمة بين 276 و 194 قبل الميلاد، وقد أجمع المؤرخون أنه أول من قام بحساب محيط الأرض بدقة.
إراتوستينوس قدّر محيط الأرض بـ (40,000) كيلومتر (حاصل جداء 50 في 800).
محيط الأرض بحسب وكالة ناسا الفضائية ( 40,075) كيلومتر!.
اراتوستينوس كان دقيقاً بنسبة 99,8%، قبل ناسا بأكثر من 2000 عام!.
لم يكن اراتوستينوس فقط الرجل المناسب في الوقت المناسب، بل تم أيضاً تعيينه وهو في سن 28، من قبل بطليموس الثالث، كرجل مناسب في المكان المناسب ليكون رئيساً لمكتبة الإسكندرية، وهي أضخم وأشهر المكتبات في العالم في عصرها… ولم يكن عالماً بالرياضيات فقط، وإنما أيضاً عالماً في الفلك والفلسفة، وشاعراً، ومؤسساً لنظريات في الموسيقى… أضف إلى ذلك أنه مؤسس علم الجغرافيا وأول من وضع خطوط الطول ودوائر العرض لهذا الكوكب.
التفوق الحضاري لمصر عبر التاريخ جعلها الدولة الوحيدة في العالم التي تتفرد بوجود اختصاص علمي يحمل اسمها: “علم الحضارة المصرية” أو “علم المصريات” Egyptology.
متى إذاً بدأت نكبة مصر، ولماذا؟
ليس بالإمكان معرفة فداحة النكبة التي ألمت بمصر وببلدان المنطقة وشعوبها إلا بقراءة كتب التاريخ وفهمها، من قبل عقل سوي يؤمن بالتفكير الحر، هذا إذا افترضنا أن نسبة العقلاء ما زالت ملحوظة في زمن أصبح فيه الهوس الديني شائعاً.
شاشاتُ التلفزيون المصرية تطلع علينا اليوم بِجهلة يتحدثون عن “الأرض المسطحة” و عن أن “الكواكب زينة”! ومعظمهم لم يقرأوا في حياتهم عن الفرق بين النجوم وبين الكواكب، آخرون يتحدثون عن معلومات وروايات مخجلة، لو سردوها لأطفال اليوم لسخر منهم هؤلاء الأطفال، ولو سردوها لأحد قبل 2200 عام لَتَمَّ إيداعهم مشافي الأمراض العقلية.
لا أحد يعلم ماذا كان سيكون مستقبل شعوب المنطقة لو لم يتم قتل وسبي واستعباد أفرادها ونهب ثرواتها وتدمير حضاراتها، إنما الجميع يعلم ما هو حاضر هذه الشعوب التي ربما يضحك البعض من جهلها، لكن من المؤكد أن الكثيرين يبكون على ما حَلَّ بحضاراتها.
د. أنور نقول Anwar Nakkoul. الولايات المتحدة الأميركية. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات ـ ألمانيا. 30.01.2018