
مُحاولةُ اغتيال بوتين تفتحُ بابَ الحرب العالمية الثالثة من جديد. الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. 01.06.2025
من الواضحِ أنّ جناح العولمة برأس حربتهِ “الظاهري” رئيس أوكرانيا المؤقت فولديمير زيلينسكي، يسعى لجرّ الولايات المتحدة إلى حربٍ مباشرة مع روسيا، لكن من غير الواضح سببُ هرولة الساسة الأوروبيّين وراءهُ؛ غباءٌ سياسي أم انتحار جماعي؟ آخر خطوة تصعيدية كانت من المستشار الألماني الجديد برفع القيود عن تسليح أوكرانيا، وكأنّ مخازن الجيش الألماني عامرة بالصواريخ ومعها مئات الآلاف بل الملايين من المقاتلين! فهل عادَ شبحُ الحرب العالمية الثالثة ليُرعبَ العالم؟
حاول الناتو اغتيال فلاديمير بوتين 6 مراتٍ
بتاريخ 15 آذار 2018 نشرنا بحثاً موسعاً عن موضوع محاولات اغتيال بوتين لإشعال حرب عالمية ثالثة، لكنّ وصول ترامب لكرسي الحكم ألغى المزيدَ من المحاولات آنذاك لتعودَ بقوة في أيام جو بايدن صاحب “العولمة”. اليوم وبتكرار شبه تام عادت الأمور إلى الوراء والمحاولاتُ باتت أخطر وبأساليبَ حديثة.
في بحثنا المنشور 15 آذار 2018 ذكرنا التالي، لاحظوا تطابقهُ مع الحاضر:
(بدأ ترامب أول الحروب مع أوروبا بحرب تجارية خطيرة في كانون الثاني 2018، فرض فيها رسوماً إضافية على واردات الولايات المتحدة من مواد الصلب والألمنيوم من بلدان الاتحاد الأوربي تصل إلى 25% من القيمة العامة للمشتريات. بعد التغييرات في الإدارة الأميركية لعام 2018، الكاتب الألماني Ulf Lüdeke قال: (قيادة راديكالية صدامية عشوائية جديدة في واشنطن، وعلى العالم بما في ذلك أوروبا، أن يشعر بالخوف من القادم).
بتاريخ 02 حزيران 2017 نشرت صحيفة التيلغراف البريطانية عن بوتين قولهُ:
(تعرّضتُ لمحاولة الاغتيال 5 مراتٍ… من كُتبَت له الوفاة شنقاً لن يموتَ غرقاً… لا يعرف إلا الربّ مصيري ومصيرك) فهل هذه المحاولة هي السادسة على الأقل؟ هذا ما اعترفَ به شخصياً أمّا ما خفيَ فهو أعظم. الناتو دون شك يسعى لاغتيال بوتين لأنه عقبة صعبة أمام مشروع العولمة، فهل كان هجوم المُسيّرات على طائرة بوتين محاولة جدية؟
محاولة اغتيال بوتين أيار 2025

رسمياً؛ اتهمت موسكو كييف بمحاولة اغتيال الرئيس فلاديمير بوتين من خلال هجوم نفذته طائرات مسيّرة استهدف مروحية كان يستقلها أثناء زيارته لمنطقة كورسك، جاءَ الاتهام عبر وسائل إعلام رسمية، ليؤكّدَ بعدها الجيش الروسي الخبر بتعرّضِ مروحية بوتين لهجوم واسع بعشرات المُسيّراتِ أوكرانية، قائلاً: (الهجوم محاولةٌ مدروسة لاغتيال الرئيس)


حسب معلومات مركز فيريل للدراسات زيارة بوتين لكورسك تمت يوم الإثنين بتاريخ 19 أيار الحالي، ولم يُعلنُ عنها إلا بعد يومين، وشملت عدة مناطق منها المحطة النووية Kursk-II. شاهدوا الصورة. كانت زيارة سرية تماماً حسب الإعلام الروسي.
إلى هنا لم نسمعْ عن محاولة الاغتيال سوى أخبار قليلة مختصرة، حتى خرج مسؤول روسي هو قائد الدفاع الجوي الروسي، اللواء يوري داشكين Yuri Dashkin مُصرّحاً وبشكل رسمي على روسيا 24: (شاركت الطائرة الرئاسية التي تضمّ الرئيس فلاديمير بوتين في معركة دفاع جوي بعدما أصبحت في خضمِّ هجوم كثيف غير مسبوق من المسيرات الأوكرانية).الخبر نشرتهُ أيضاً وكالة تاس الرسمية باريخ 25 أيار 2025.
رعبٌ أم خيبةُ أمل غربية؟
التزمت أوكرانيا الصمت دون ردّ مباشر على الاتهامات الروسية، وهذا ما فعلتهُ دول الناتو دون استثناء. فهل كان صمتها رعبٌ أم خيبة أمل جديدة؟
لا شكّ أنّ هناك مَنْ أوصلَ المعلومات المخابراتية لأوكرانيا عن زيارة بوتين السرية، لأنها عاجزة عن تحديد موقعه أو التقاط إشاراتٍ تدل على قيامه بتحرّكٍ ما، وهذا الأمر يحتاجُ لأجهزة مخابرات عسكرية قوية لا تتوفر إلا في بضعة دول، لهذا طالت الترشيحات مخابرات بريطانيا فرنسا والولايات المتحدة وإلى حدّ ما الألمانية.
محاولة الاغتيال صحيحة حسب رأي مركز فيريل وجرت بأكثر من 50 مُسيرة دفعة واحدة، لأنّ الدفاعات الروسية أسقطت 46 مسيرة. والسلوك العسكري والسياسي من الطرفين؛ الروسي والناتو يؤكدها.
روسيا، ومنذ 19 أيار الماضي، تشنّ يومياً هجماتٍ جوية عنيفة جداً لم تشهدها الحرب في أوكرانيا منذ شباط 2022، منها إطلاق 367 صاروخاً ومسيرة دفعة واحدة باعتراف كييف نفسها، كذلك ردّ كييف بقوة أيضاً وإن لم ترقَ لقوة الروس، فهل هناك سبب آخر لموجة العنف هذه؟ بالمقابل؛ لحسَ دونالد رامبو كلامهُ السابق عن بوتين واتهمه بالجنون، بسبب تلك الضربات دون أن يأتي على ذكر محاولة الاغتيال كسبب مباشر. كذلك فعلت “زعامات” فرنسا وبريطانيا وألمانيا الذين أخفوا عن شعوبهم محاولاتهم إشعال الفتيل، باتهام بوتين بالإجرام، والثناء على انقلاب ترامب “المتلوّن”.
الرئيس الانتقالي فولوديمير زيلينسكي، تعامى عن كلّ شيء وطالبَ الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بإدانة الهجوم الروسي، قائلاً: (صمت العالم يشجع بوتين)، فهل كان هؤلاء يُحاولون تكرار حادثة اغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانتس فريدناند 28 حزيران 1914؟
السلام العالمي ابتعدَ من جديد
عندما نُراقبُ أحوال العالم ومنذ آلاف السنين، نرى فتراتِ توتر تُرافقها حروب هنا وهناك، ثم فترات هدوء وسلام هش غالباً، ونادراً ما يكونُ سلاماً دائماً. الأمر ينطبقُ على حاضرنا، فبعد وصول دونالد ترامب ووعودهِ بإيقاف الحروب حول العالم، على أساس أنه رئيس تلك الدولة العظمى الأوحد، اصطدم بالواقع المرير الذي يُحاول جاهداً إخفاءهُ. وكما ذكرنا في بحث قبل أيام؛ فشلَ في الملفات الكبيرة ومع الزعماء الكبار، ونجح فقط مع الصغار من أصحاب إنهاءِ “القصف المتبادل”!.
مع الصين رفع ترامب الراية البيضاء، ومع إيران يُناور إلى أن يُورطهُ نتنياهو. حتى في قضية رفع الرسوم على المستوردات، فشلَ بقرار محكمة التجارة الدولية الأمريكية في نيويورك الذي ينصّ على:
(تجاوزَ الرئيس دونالد ترامب سلطته بفرض رسوم جمركية شاملة رفعت تكلفة الواردات على الجميع، من الشركات العملاقة إلى المواطنين الأمريكيين العاديي)، وبناءً عليه أوقفت المحكمة تلك الإجراءات، فاضطر فريقُ ترامب للاستئناف. أي فشلَ أيضاً في فرض رسوم إضافية حتى في بلادهِ، رغم ذلك نرى كثيرين يتحدثون عن نجاحه وعبقريتهِ!.
في الملف الأوكراني تحديداً، اصطدم دونالد ترامب بصلابة فلاديمير بوتين ورفضه لقاءَ التقاط الصور فقط. عودة روسيا القوية للساحة العالمية تُشكّلُ أرقاً لترامب ولأعدائه من أتباع العولمة أيضاً. الجيش الروسي لن يُوقف هجومه على أوكرانيا، وهذا سلوكٌ طبيعي للمنتصر في الحروب، على فرَض أنّ هناك منتصر وخاسر.
التفوق الروسي على الناتو الأوروبي واضح، حتى في النواحي الاقتصادية. فأكثر من عشرين ألف عقوبة أثرت دون شك على الاقتصاد الروسي، لكن ماذا عن اقتصاديات الدول الأوروبية؟ ماذا عن الإنتاج العسكري؟ عن القدرات العسكرية البشرية الأوروبية، ونُكرر هنا القدرات البشرية؟ لماذا تستنجد أوروبا وتصيحُ كلما أطلقت روسيا صاروخاً على أوكرانيا.
روسيا ماضية في حربها واليوم بدأت بإنشاء منطقة أمنية عازلة في عمق الأراضي الأوكرانية قرب حدودها مع مقاطعة كورسك، لمنع أي توغل أوكراني مستقبلي، ولزيادة الترهيب؛ نشر ديمتري مدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، خارطة منطقة عازلة تشملُ 80% من أوكرانيا! مع حديث عن حشود عسكرية قرب حدود فنلندا ودول البلطيق، حدود بيلاروسيا مع بولندا الساعية على الطريقة الأوكرانية لحرب كبيرة
الحرب في أوكرانيا بدأت لا لتنطفئ فجأة، بل لتكون نواة حروبٍ أوسع، فأصحاب العولمة لن يتراجعوا قبل تدمير روسيا وكلّ مَنْ يقف في وجه مشروعهم القديم المُحدّث، وروسيا لن تتركهم يُنفذونهُ بحرية، فكيف سيكون هناك سلام؟
تصعيد روسيّ غربي، فهل القصد تحسين شروط التفاوض أم المضي نحو الفناء؟
إلى ألمانيا التي تُعاني من ركود اقتصادي للسنة الخامسة على التوالي، مستشارها الجديد ميرتس وقبلَ أن “يسخنَ” الكرسي تحتهُ هاجم وتوعّد وهدد روسيا قائلاً:
(رفعَ حلفاء كييف الغربيين القيودَ المفروضة على استخدام الصواريخ بعيدة المدى من قبل القوات المسلحة الأوكرانية. أسلحة تطالُ جميع أنحاء أراضي روسيا) والقصد هنا دولُ ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، التي يجب أن تجتمعَ ضد روسيا لضمان النصر في حرب كبيرة.
المستشار الجديد بحاجة ليس لتعلّم الجغرافيا ومعرفة ما يجري في بلاده فقط، فصواريخ “تورس” التي وعد بها زيلينسكي غير متوفرة في المخازن الألمانية إلا بكميات أقل من احتياجات الجيش الألماني نفسهُ. عليهِ أيضاً الاستماع لنشرات الأخبار، لأنّ تلك الدول ومنذ سنتين على الأقل زوّدت أوكرانيا بصواريخ SCALP الفرنسية و Storm Shadow البريطانية و ATACMS الأمريكية، وبعضها وصل أطراف موسكو لكنّها لم تُغيّر في سير المعارك حتى فرغت مخازنهم منها. بالتزامن صدرت تهديداتُ ترامب وماكرون وكلها صبّ الزيت على النار مع بروباغندا لكسب التأييد الشعبي الغائب تماماً.
معلومة سريعة لميرتس الجديد: بتاريخ 10 كانون الثاني 2024 اجتمع الممثل الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في بولندا وقبلها في برلين بالمستشار أولاف شولتز، طالباً صواريخ تورس الألمانية. كما هتف آلافٌ الجنود البولونيين والأوكرانيين لبدء الحرب مع روسيا في تحية لتلك الصواريخ. زيلينسكي قال حرفياً أيضاً في برلين:
(زوّدونا بهذه الصواريخ وسوف نهزم روسيا) وقبلها كان الحديث عن صواريخ شادو و وسكالب ثم أتاكامز والإف 16، فهل هزموا روسيا؟
على فرّض أنّ ألمانيا زوّدت أوكرانيا بهذه الصواريخ، فلن تكون كمياتها كافية ولكن ستؤدي لاشتعال الحرب أكثر ووضع برلين على قائمة الأهداف الرئيسية الروسية.
بالمقابل اتسمَ الردّ الروسي السياسي بالهدوء والبرودة مع تهديدات أحياناً مبطنة، فرئيس لجنة الدفاع بالدوما أندريه كارتابولوف قال: (يستطيعُ الجيش الروسي إسقاط صواريخ “توروس” الألمانية وضرب الأماكن التي أطلقت منها بسهولة).
ختاماً رأي مركز فيريل للدراسات
التصعيد الحالي في الحرب مردّهُ ضغطُ كلّ جانب على الآخر ، وعملية عضّ أصابع مؤلم للطرفين. الأوروبيّون يضغطون على واشنطن عسى أن تقف بحزم أكبر ضد موسكو لأنهم أضعف من مواجهتها لوحدهم، أمّا كييف بزعامة الكوميدي زيلينسكي فليس أمامها سوى الحصول على المزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية، في رهانٍ خاسر على النصر قبلَ مقتل آخر رجلٍ أوكراني.
بنفس الوقت؛ الجميع يتحضّر لحرب كبيرة أُجّلت عدة مرات لأنّ الدول العظمى لا تريدها، ليس إنسانياً بل لأنها تعلم أنّ الدمار سيلحق بها حتى لو انتصرت، لكن حتى تلك الدول تُوسّعُ من ترسانتها العسكرية بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل والنووي هو الأساس. كمثال راهن؛ طلبت بريطانيا من الولايات المتحدة شراء طائرات حربية قادرة على حمل أسلحة نووية خاصة القنابل ذات السقوط الحر. مع تدريبات على المقاتلة الأميركية F-34A. لكنّ مساعي بريطانيا تصطدمُ بعاملين رئيسيين يُعيقان طموحها النووي: الأول العجز الاقتصادي عن تمويل هكذا صفقات مُكلفة جداً، والثاني أنها بعيدة كثيراً عن منافسة روسيا في المجال النووي ولا تمتلكُ سوى الثنائي وربما النووي الأوحد. بينما روسيا تمتلكُ بجدارة الثالوث النووي، لهذا كله أوروبا بدون الولايات المتحدة، هذا إن أسمينا الجنود الأوروبيين جيشاً.
هذا لا يعني أنّ الحرب العالمية باتت على الأبواب، لكنها قادمة مهما تمّ تأجيلها. ما يجري حالياً هو سعي موسكو لفرض واقع جديد على الأرض قبل أية مفاوضات محتملة، لهذا يُوصفُ بوتين بأنه يلعب بالنار، وكأنّ زعماء الناتو يحملون أغصان الزيتون. الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. 01.06.2025