إنها سوريا أيها العارفون. مركز فيريل للدراسات ـ برلين الدكتور جميل م. شاهين

سوريا من أرض القمر إلى آروميا، البـلد الأغنى في العالم بكل شيء؛ بالحضارات والثروات، بالكوارث والحروب.

ــ سوريا أقدم بلد في العالم مازال محافظاً على اسمه خلال أكثر من 4200 عام، سُوريا أو آسوريا، أو سورايا، كلهـا واحد وهي كلمة سومرية، وتعني البداية، والجذر اللغوي آشور Assyria, Ashur، وتكتب بالألف؛ ســوريا، وليـس بالتاء المربوطة لأنها ليسـت كلمة عربية.

اسم مركزنا “فيريل” هو اسم آرامي (سوري) يُكتب بالآرامية ܦܝܪܐܠ. ويعني ثمرة الآلهة.

سوريا اسم غير عربي، وكما ذكرنا نحنُ في مركز فيريل نكتبها فقط هكذا “سوريا” بالألف… أية كتابة أخرى غير صحيحة، وكتابتها بالتاء المربوطة خطأ نحوي. كتبها العثمانيّون بالتاء المربوطة، ثم أخذها العرب بسبب تأثير الاحتلال العثماني. المعروف أنّ اللغة التركية استخدمت الأبجدية العربية، فكتبت أسماء العلم كافةً بالتاء المربوطة، لهذا كتابة سوريا بالتاء المربوطة خطأ، لماذا؟

القاعدة النحوية في اللغة العربية تقول: تُكتبُ الأسماء الأعجمية بالألف، وأيضاً تُكتبُ الأسماء فوق الثلاثية المسبوقة بياء… بألف طويلة.

إذاً مَنْ يكتب سوريا بالتاء المربوطة يتبع اللغة العثمانية وليس العربية، فهل تُكتبُ تركيا (تركية) أو فرنسا (فرنسة)!؟. 

متى وردَ اسم سوريا في التاريخ؟

المؤكد أنّ اسم سوريا يعود إلى ما قبل 2012 قبل الميلاد وهو الثابت تاريخياً.

الاسم آسور وجد منقوشاً في هيكل أدفو بمصر، في معرض إخبار عن بطولات رمسيس الثاني، جاء هـذا الأثر بعـد معركـة قادش الأولى 1288 قبل الميلاد. أي أنّ اسم سوريا مـوجود قبـل هـذا التـاريخ.

ــ دمشق عاصمة سوريا، أقدم عاصمة في العالم سُكنت قبلَ 9200 سنة، وحلب هي أقدم مدينة مأهولة في العالم 12200 سنة.

ــ قامت على أرض سوريا 33 حضارة، ومنها انطلقت أول أبجدية وأول لغة مقروءة ومكتوبة، وأول سمفونية…

ــ أبو الأنبياء إبراهيم، واسمهُ الكلداني “أبرام” يعني الأب، بينما بالآرامية أب راهام وتعني الأب المُكرّم. اتفق معظمُ المؤرخين أنه وُلد في أور جنوب بابل، لكنهم اختلفوا فيما إذا كان إبراهيم كلدانياً أم آرامياً؟

“ثُمّ يجيءُ ويقول أمامَ الرب إلهكُم: كان أبي أرامياً تائهاً. فنزل الى مصر وتغرّب هناك في جماعة قليلةٍ وصار أمّة عظيمة قويّة كثيرة العدد”. آية 5-11، سفر التثنية 26 الإصحاح الخامس. بغضّ النظر عن المقصود بذلك إن كان يعقوب حفيد إبراهيم الذي عاش في فدان آرام أو إبراهيم نفسه، فهذا يؤكد بالمطلق أنّ إبراهيم ونسلهُ لم يكن يهودياً، وأنّ آرام كانت موجودة قبلهُ، وقبلَ معظم الديانات والقوميات والحضارات الأخرى.

يستخدم عددٌ من المؤرخين “الدُخلاء” تعابير: “عربي آرامي، عربي كنعاني، عربي آشوري”، وهذا استغباء. إلا إذا كان جحا أكبر من والده. 

 اللغة الآرامية أمّ اللغات العالمية

هذا ما تقرأه في كتب التاريخ الألماني:

Aramäisch: die Mutter aller Sprachen

تُعتبر الآرامية أول لغة مقروءة ومكتوبة وفق علوم النحو والصرف، في العالم. سبقتها لغات أخرى كالفينيقية (الكنعانية) والأكادية والسومرية، لكنها لم ترقَ لمستواها.

من الآرامية اشتقت عدة لغات أهمها العربية والعبرية والفارسية وتأثرت بها اليونانية واللاتينية، لكن لأسباب دينية وقومية لدى أصحاب اللغتين العربية والعبرية، قامت كافة الدول تلك عبر التاريخ بتهميش الآرامية تارةً، أو بقتل مَنْ يستخدمها في الكتابة أو في دور العبادة، والسبب معروف.

في مملكة بيت بخياني عاصمتها غوازانا، تل حلف حالياً على ضفة الخابور، اكتشف نصّ بالآرامية يعود تاريخهُ إلى 1100 قبل الميلاد.

علوم الكيمياء والترجمة والأدب والشعر والفلسفة السريانية، تمّ طمسها من قبل العثمانيين، ثم تابعت الحكومات المتعاقبة في الهلال الخصيب نفس السياسة. لكن لا يدري مزورو التاريخ أن

ــ أكثر من 80% من المدن والقرى السورية آرامية التسمية. اللهجة العامية التي يتحدّثُ بها أهل سوريا جزء كبير منها يحمل كلماتٍ آرامية. حتى عندما حاولوا ضمن عملية التعريب تغيير اسم سوريا إلى بلاد الشام، لم يدركوا أنّ الشام كلمة آرامية وهي البلاد التي سكنها شام بن نوح. سام هــو شام بالآرامية.

ــ سوريا البلد الوحيد الذي يُماثل عدد الذين هاجروا أو هُجّروا منه، ثلاثة أضعاف عدد سكانه الحاليين.

ــ تعرضت سوريا للاحتلال 36 مرة عبر التاريخ، من قبل غزاة ومحتلين.

ــ أول عملية قتل جرت في التاريخ كانت في سوريا، حسب المعتقدات، في مغارة الدم بقاسيون، عندما قتل قابيل شقيقه هابيل.

ــ أول عملية اغتيال سياسي في التاريخ كانت في سوريا، وجرت بحق ملك مؤاب، منطقة قديمة شرق عمان، وهو ملك العماليق والأمونيين. قام بها  الزعيم الروحي اليهودي أيهود، حيث طعن الملك بخنجر ذو حدين متظاهراً إنه يقدم الهدايا والطاعة له. طبعا لا توجد آخر عملية اغتيال.

ــ لم تعرف سوريا ومنذ 5000 عام، السلام 365 يوماً متواصلة، دون حروب أو غزوات أو تفجيرات أو اغتيالات.

ــ تعرضت سوريا لعشرات المرات من عمليات تغيير اسمها، أو طمس هويتها الحقيقية، وفشل الغزاة، وفيها عشرات البلدات والقرى التي حافظت على أصلها القديم، واستطاع سكانها الاستمرار رغم عمليات محو الهوية.

ـ خلال المائة عام المنصرمة، عانت سوريا من 19 حرب طاحنة بمعدل حرب كل 5 أعوام.

ــ يتحرك الصدع السوري الزلزالي الغربي بمعدل وسطي “تقديري” فقط، كل 150 إلى 200 سنة بقوة بين 6 إلى 7 درجات ريخترية، ويسبب زلازل متوسطة إلى قوية، وكمثال هو زلزال حلب 1138، رابع زلزال في التاريخ من حيث عدد الضحايا، أصاب مدينة حلب وضواحيها، في 11 تشرين الأول عام 1138، قتل 230 ألف إنسان، وكانت شدته 8,5 حسب مقياس ريختر، وتمّ تقدير قوته التدميرية من قبل هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية عام 1997. دمـّر هذا الزلزال 70% من حلب، وقتل أكثر من 60% من سكانها وشرّد الباقي، ثم زلزال آب 1822 في حلب أيضاً. الزلزال الكبير القادم متوقع أن يكون خلال العقود القادمة. بالنسبة للبراكين فهي خامدة منذ مئات الآلاف من السنين.

ــ عانت سوريا من 46 حرب طائفية وأهلية، وجرت بحق سكانها الأصليين 39 مذبحة على يد الغزاة والمحتلين، حصدت أرواح أكثر من 4 ملايين سوري، وكانت أحد أهم أسباب تهجير وهجرة أبنائها.

وتمضي الأيام حاملة معها أحداثاً ومآسٍ جديدة، تأتي جحافل الأعداء رافعة سيوف غدرها وحقدها وتخلفها، تمرّ من هنـا جيوش الـدم والتزوير والتهجيـر، يرحـلُ هؤلاء إلى غياهب التاريخ، وتبقـى ســوريا… سـرمدية الهـوى وعطيـّـة الآلهــة. الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات ـ برلين 08.05.2016

 المصادر: Warum Aramäisch niemals ganz aussterben wird. Lissy Kaufmann

Deutschlandradio 2009-2020 Deutschlandfunk

Barr, James (1970) Bulletin of the John Rylands University Library of Manchester