إيجابيات وباء كورونا! Dr. Jameel M. Shaheen.

إيجابيات وباء الكورونا. 26.03.2020. برلين.

رغم أنّ عدد الوفيات لم يصل إلى ما تسببه الإنفلونزا سنوياً، إلا أنّه الوباء الأكثر إنتشاراً في التاريخ المُسجّل في العالم. نتائجه النهائية لم تظهر بعد وتحتاج لشهور طويلة. رغم آثاره السلبية العديدة طويلة الأمد، لكنّه حمل عدة إيجابيات. Dr. Jameel M. Shaheen. Firil Center For Studies. Berlin

قوات احتلال يطردها فيروس!

هذه فرنسا تنسحبُ من العراق. الولايات المتحدة تستعد وتسحب جزءاً بينما تجمع قواتها في قاعدة عين الأسد، بنفس الوقت تُسرّعُ إنسحابها من مناطق أخرى كما في أفغانستان. ترامب يُحاول عقد إتفاق بين تركيا والأكراد السوريين لأنه… يفكرُ بساقيه. ماذا لو انتشر الوباء في المناطق التي يحتلها الجيش الأميركي والإنفصاليون في شرقي الفرات؟ ويأتيكَ بالأخبار مَن لم تُزود… سيفرّ ترامب وجيشه في ليلة لا ضوء قمرٍ فيها.

الأمر ينطبقُ على الجيش التركي المحتل لأجزاء من سوريا، الأخبار تؤكد وجود إصابات في تلك المناطق، والوضعُ في إستنبول بل في تركيا سيء وسط تكتّم إعلامي.

المهم… المهم والأهم أن يبقى الجيش السوري بعيداً عن الإصابات وهذا أمرٌ ممكن ولا يحتاج لمعجزة. طرقُ الوقاية معروفة ولا تحتاج لتكرار، والذكي مَن يعرفُ كيف يُجيّر حتى الوباء لصالحه…

انخفاض غير مسبوق في نسبة التلوث

الشلل التام أو الجزئي الذي أصاب معظم دول العالم، تسبب بإغلاق المعامل والشركات وتوقف حركة السيارات والطائرات وبالتالي إنخفاض إنبعاث الغازات السامة والدفيئة. غاز ثاني أوكسيد الكربون وغاز ثاني أكسيد النيتروجين وحتى غاز الميتان التي ترفع حرارة الغلاف الجوي، إنخفضت بنسبة بين 50% إلى 60%.

تراجع النشاط البشري وعزل المدن ومعها السياحة أعاد للهواء ولمياه الشواطئ والبحيرات والأنهار صفاءها، وبدأت الحياة التي قتلها الإنسان تعود تدريجياً، وهذا شاهدناه في مدينة البندقية الإيطالية، حيث أصبحت المياه العكرة في القنوات المائية صافية، وعادت الأسماك ومعها الطيور المائية.

عندما ينتهي الوباء… سيعود الإنسان إلى رمي سمومه وبصورة أكبر وأخطر، انتظروا إنتقام الإنسان “الغبي” من الطبيعة…

وباء كورونا كشفَ الشعوب

الموت هو أكثر ما يخشاه الإنسان. مع إنتشار فوبيا الكورونا و”هجوم” الناس على التزود بالحاجات الضرورية والأغذية، حصلت مشاجراتٌ حتى في الدول المتطورة وعلى ماذا؟ عراكٌ على ورق التواليت في الولايات المتحدة، بينما راح الأمريكيون يشترون السلاح بشكل غير طبيعي كما ذكرنا في مقالة نشرناها بالإنكليزية على موقع مركز فيريل للدراسات. أي عادت غريزة إنسان العصر الحجري للظهور.

شبانٌ مستهترون أغبياء، نظموا حفلاتٍ على الشواطئ وفي الحدائق لتحدي الفيروس وشرب الكحول في أوروبا والولايات المتحدة! على النقيض من التبرير وضمن سياق الاستهتار واللامبالاة وبأنّ ما يُنشرُ هو وهم وخدعة أميركية؛ آخرون تحدّوا الفيروس فأدّوا صلاة الجماعة في الشوارع أو في دور العبادة، من مختلف الأديان، لأنّ صلاتهم تحميهم وتقتل هذا الفيروس، فانتشر المرض بينهم ونقلوه إلى غيرهم، والنتائج ستظهر تباعاً. فئة أخرى رأت أنّ المظاهرات ضد الفيروس ستقضي عليه، فتظاهروا رافعين شعار “الشعب يريد إسقاط الكورونا“!.

آلاف الفيديوهات والأخبار الكاذبة اكتسحت صفحات التواصل الإجتماعي، بعضها لم نتوقع أن يمرَ حتى على السذج، فإذ به يمر حتى على “المتعلمين” وخريجي الجامعات. هذا ينشر أنّ الطبيب الفلاني إكتشف الدواء الشافي، وتلك تدعي أن العلاج يكمنُ في الوصفة الفلانية. دولٌ تكذب وتنشرُ أنها اكتشفت العلاج وأخرى اخترعت أجهزة والحقيقة أنّ هذه الدول تتوسل غيرها للمساعدة. تحوّل نصف الشعب إلى أطباء وعلماء بما في ذلك أكبر الزعماء!! الوباء كشفَ أنّ قسماً كبيراً من الشعوب مهما بلغت درجة تطور بلدانها مازالت تُساق كالقطعان إلى حتفها.

قمة الإنسانية والأخلاق

بالمقابل؛ فئاتٌ واعية واسعة من مختلف الشعوب التي أصابها الوباء ظهرت إنسانيتها، وأدركت أنّ الوباء ليس خدعة ووهم لأنهم شاهدوا بعينهم، فكوّنت مجموعاتٍ مدنية على وسائل التواصل الإجتماعي عرضت مساعدتها لكلّ مُحتاج، كمثال هنا في برلين؛ تشكلت مجموعات من الألمان تُساعد كل “مسنّ أو عاجز أو أم لأطفال…” لا يستطيع الخروج للتسوق أو شراء دواء، فتقوم هذه المجموعات بتأمين إحتياجاتهم. خُصّصت أماكن يضع فيها المتبرعون اللوازم الأساسية والغذائية للمحتاجين. مجموعات أخرى من المُدرّسين تُقدّم دروساً للطلاب بمختلف مراحلهم الدراسية عبر الإنترنت، وكل شيء تطوعي. أناسٌ تبرعوا بالمال. آخرون بالدعم النفسي لكبار السنّ أو نصائح للأطفال الممنوعين من الخروج. أصحاب المواهب الموسيقية اتفقوا على تحديد ساعة يومياً للعزف والغناء من على شرفات منازلهم لرفع الروح المعنوية… هذا الأمر حدث في معظم دول العالم التي أصبها الوباء.

   هنا ظهر التكافل الإجتماعي وتعاضد الناس الذين يستحقون الحياة، بعيداً عن سلطة الحكومات والدولة وتوجيهاتها وأوامرها.

الوباء كارثة لرجال الدين

إغلاق دور العبادة هو كارثة مادية وسلطوية لرجال الدين، من كافة الأديان. ظهر عجزهم بل “كُساحهم” أمام العِلم. قلائلُ فقط… قلائل من رجال الدين حول العالم أدركوا أنّ العِلم هو الكفيل بالقضاء على الوباء وليست دعواتهم وابتهالاتهم. رغم ذلك، راح الدجّالون من رجال الدين، وما أكثرهم، يركبون الموجة بتقديم النصائح الطبية إلى أن وصلوا لطرق العلاج! حتى رجال الدين أصبحوا أطباء! آخرون تفننّوا بتكييف ما جرى لصالح معتقداتهم البالية، فالفيروس عقابٌ من الله للصين الملحدة. اكتسح الفيروس أوروبا والولايات المتحدة، ازداد يقينهم بالعقاب. ظهرَ في ديارهم فأصبحَ امتحانٌ من الله. دخل الفيروس حجراتهم فإذ بهم يقولون أنّ السبب الإبتعاد عن الله وإغلاق دور العبادة. المأساة أنّ مُصدقي هذا الفكر كبيرٌ جداً… بما في ذلك زعماء راحوا يُصلّون لدرء الخطر بينما يبذّرون أموال الدولة على السلاح والقتل، ويرمون بالفتات لبناء المشافي ومراكز البحث العلمي.

الوباء أظهر قيمة العِلم وعجز الجيوش

في الوقت الذي ينشغل العامة بأخبار ما يجري، ينكبّ العلماء على دراسة المرض واكتشاف لقاح وعلاج له. ظهرت أهمية العاملين في المجال الصحي وقداستهم وبأنهم حماة الإنسانية الحقيقيّون وليست الأساطيل والجيوش الجرارة التي يقتلها أو على الأقل يشلها فيروس لا يُرى حتى بالمجهر العادي. ماذا يمكن أن تفعلَ حاملات الطائرات أو الغواصات أو السلاح النووي أمام كورونا؟ لا شيء. كورونا هزم كافة الجيوش والزعماء والأثرياء والأمل الوحيد معقود على باحث أو عالِم في مختبر يُقدّم جرعة تحمي الإنسان.

الآلاف من الأوروبيين، تسمّروا على شرفات منازلهم ليس لتحية جيش ذاهب للحرب والتدمير ولا لزعيمٍ ينعقُ، بل للسلام على أهل السلام من أطباء وممرضين وممرضات ومسعفين وعاملي تنظيفات وحارسي مجتمع… هؤلاء هم جنود الإنسانية المجهولون.

الوباء كشف عورات الحكومات والدول

أثبتَ وباء كورونا أنّ أقدر الدول على إدارة الأزمات هي الدول الشمولية غير الدينية. باقي أنظمة الحكم الدينية و”الديموقراطية” والرأسمالية كانت فاشلة بجدارة وبكافة المقاييس. أنظمة الحكم الأخيرة ساهمت بإهمالها “المُتعمّد” في نشر الوباء ثم تركت الشعب لوحده يواجهه بعد أن عجزت عن فعل شيء.

تُركت إيطاليا تموتُ لوحدها بينما الإتحاد الأوروبي عاجز عن مساعدتها وهاهي إسبانيا تلحق بها. جمهورية التشيك تسطو بطريقة قطّاع الطرق على شحنة من الصين لمساعدة الطليان. حكوماتٌ لم تستطع إغلاق بلدانها لأنّ الشركات العملاقة عارضت ذلك كي لا تتكبد خسائر إضافية، وليذهب الشعب إلى الجحيم. الأنظمة الوحيدة التي أرسلت مساعدات هي المتهمة بالديكتاورية كالصين وروسيا وكوبا.

النظام الصحي الأوروبي ظهر “نمر من ورق” لدى أول امتحان حقيقي. عجز عن استيعاب آلاف من المصابين وطُلبَ منهم البقاء في منازلهم. حكومات تدّعي حرصها على المواطن وأهميته، تترك هذا المواطن يواجه الموت وحيداً.

الولايات المتحدة تفشلُ بسبب الجشع عن احتواء الوباء في عاصمة العالم المالية نيويورك. نيويورك هذه لم تتمكن من معالجة 30 ألف حالة، كيف إن حدث زلزال كبير وكان عدد الإصابات أعلى؟!

الوضعُ في دول العالم الثالث لن يكون أفضل بالتأكيد، لكن الامتحان الحقيقي لحكوماته لم يبدأ بعد… ماذا لو انتشر الوباء في دولة إفريقية أو آسيوية أو جنوب أميركية؟

لا توجد حكومة صادقة في تصريحاتها، لكن الإختلاف في درجة الصدق بين 50% و10%. الحديث عن عدد الإصابات لا يعني عددها الحقيقي، بل المرضى الذين أجري لهم الفحص وكان إيجابياً. كم دولة في العالم الثالث لديها القدرة على هذا إجراء الفحص؟

هل سيصحو ضمير حكومات العالم، على فرض وجوده، فنرى دعماً غير مسبوق للقطاع الصحي وبناء المشافي ومراكز الإبحاث، أم ستمرّ الأزمة مرور غير الكرام وتعود حليمة إلى عادتها القديمة؟! الكارثة الحالية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، والتاريخ يؤكد أنّ البشرية مرت بظروف أصعب، لكن التعداد السكاني الذي لم يكن يساوي عُشر التعداد الحالي، وعدم وجود وسائل مواصلات تنقل الأوبئة كما هو في القوت الحالي، هو الذي أنقذها.  الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. 26.03.2020. Firil Center For Studies FCFS Berlin