الحرب القادمة في سوريا. الدكتور جميل م. شاهين

الوضعُ مع إسرائيل هو حالة حرب دائمة، واشتعال جبهة الجولان المحتل وجنوب لبنان، وارد في كل لحظة، لكننا لا نتحدث هنا عن الجنوب بل عن الشمال… وما أدراك ما يُحاك في الشمال!

هي واحدةٌ من ثلاثة حروب يجب خوضها.

الولايات المتحدة والناتو والخليج لم يتراجع عن مخططاتهِ في سوريا… بل عدّلها حسب المستجدات… فاحذروا.

مع زيارة وزير الدولة السعودي ثائر السبهان برفقة الجنرال الأميركي بريت ماكغورك لمدينة الرقة، والهدف المعلن: التفاهم السعودي الأمريكي حول إعادة الأمن والاستقرار الى المدينة، وإعادة إعمارها بحيث يكون للسعودية الدور البارز في ذلك، مع هذه الزيارة، تتضحُ الصورة في الشمال… ومع تسليم إرهابيي داعش، لعصابات قسد الانفصالية، قرية وراء أخرى وموقعاً وراء آخر، ليصل لتسليم أكبرَ حقل نفطي سوري، هو حقل العمر الذي يبعدُ عن الميادين 10 كلم، وبعد أن وصل أطرافهُ الجيش السوري، هنا تمُّ وضعُ إطار لهذه الصورة الكاملة.

نشرنا في كانون الأول 2016 عن مشروع فيدرالية كردية في سوريا، حصل على نسختها مركز فيريل من زعماء أكراد هنا في برلين، وقلنا إنها لعبة خطيرة… والخاسر الأكبر في النهاية هم الأكراد، وهذا ما جربوه في العراق…




في سوريا؛ اللعبة تزداد خطورة، بدخول دول جديدة على المنطقة بشكل علني وقح، هي السعودية والإمارات المتحدة وألمانيا… وبحجة تافهة هي المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار والأصح هو الاحتلال.

لماذا رمت واشنطن أكراد العراق بسهولة؟

الانفصاليون الأكراد لا يُمكنُ أن يتعلموا من أخطائهم، بل يكررون نفس الأخطاء في نفس الفترة… يعشقون السقوط في الحفرة مرة وعشرة… هكذا ببساطة؛ غباءٌ سياسي وتاريخي. بهذا الغباء السياسي والتاريخي، فقد الأكراد دولة الحلم المزعومة لأنهم ربطوا مصيرهم بواشنطن، وتخيلوا أنهم بعصابات البيشمركا يمكنهم مواجهة جيوش. حلموا بأنّ تحريك جندي عراقي نحو كركوك، سيُحرّكُ أساطيلَ الولايات المتحدة، وأنّ احتلالهم لبترول وأرض الغير، يساويهم بإسرائيل!! فإذ بهم يفرّون كالأرانب حتى قبل وصول القوات العراقية، وواشنطن وتل أبيب تتفرج على فيلم كرتوني.

بهذا الغباء السياسي والتاريخي، خسر الأكراد وزعيمهم “الفار” برزاني كل شيء عدا المليارات التي حصل مع عصابته عليها من بيع نفط شمال العراق، والتي تؤهلهُ أن يكون لاجئاً في ألمانيا من الدرجة الأولى، وتمّ شقُّ صفوفهم بين جناحي طالباني وبرزاني، وكلّ يتهمُ الآخر بالخيانة أو برمي الأكراد في التهلكة.

ما لا يمكن للعقل الانفصالي استيعابهُ، أنّ الهجوم على كركوك جاء بضوء أخضر من الإدارة الأميركية، وهو تسليمُ شمال العراق لإيران وروسيا مناصفة، مقابل… شمال سوريا. لا أقول هي صفقة، بل تراجعٌ أميركي بمكان سيكون تواجدها فيه محفوف بالمخاطر، إلى مكان آخر أكثر أمناً حسب اعتقادها.

إذاً: في الشمال العراقي ربحت طهران وموسكو وبغداد، وخسر الأكراد فقط، وحلم الدولة البرزانية أصبح في خبر كان، فماذا عن سوريا؟

 

هل سيتعلم أكراد سوريا الدرس؟

لم ولن يتعلموا أيّ درس. يبدو الانفصاليون الأكراد في سوريا أشدّ غباءً وأكثر طمعاً من جماعة برزاني، فهم يُعادون الجيش السوري والروسي والتركي بشكل علني، ويمتثلون لأوامر واشنطن دون تفكير. يريدون الرقة ودير الزور والحسكة بما فيها من ثروات فوق وتحت الأرض، يريدون السيطرة على أكبر عدد من حقول البترول والغاز لأنها ملكُ أجدادهم! وفوقها سد الفرات… ولكن إلى متى؟

حسب ما ورد مركز فيريل من هنا ببرلين، فإنّ تصريح إعادة إعمار الرقة صدر من القاعدة العسكرية الأميركية في عين عيسى، وقد بدأت فعلياً الدول التي ذكرناها بتوريد الآليات بعد الانتهاء من وضع خطة إعادة الإعمار. أي أنه إذا تُرِكَ الأمر كذلك، فسنرى قنصلية أميركية وسعودية وإماراتية وألمانية في الرقة، بالإضافة لقواعد عسكرية قريباً. وقد نرى أنّ تاريخ الرقة كلهُ قد تغيّر وجاءت هذه الدول بتاريخ جديد يتناسب مع الانفصاليين، ألمانيا انسحبت من شمال العراق بشكل مؤقت، وتوقفت عن تدريب عصابات البيشمركا، لكنها لم تبتعد كثيراً، ستقوم بتدريب عصابات قسد في الشمال السوري بالإضافة للبيشمركا.

المطلوب أيضاً؛ إخفاء آثار قصف طيران التحالف للرقة بالأسلحة المحرمة دولياً، ومعها آثار الدمار وارتكاب المجازر بالمدنيين. أي:

تغيير معالم مدينة الرقة لتصبح مدينة كردية

السؤال الذي نترك إجابته للمعنيين: هل هناك ضمانة بأنّ شركات إسرائيلية لن تُشارك بإعادة إعمار الرقة؟

إلى أين تسيرُ الأمور في الشمال السوري؟

عندما يُصرّحُ الرئيس الروسي بوتين، خلال أعمال الدورة الـ14 لمنتدى فالداي الدولي للحوار في مدينة سوتشي قائلاً: (إن هناك مخاطر من أن تتسبب مناطق خفض التصعيد في تقسيم سوريا)، فهو لا يتكلم من فراغ، وعندما يتهم واشنطن بزرع الفوضى: (إن بعض زملائنا يفعلون كل ما بوسعهم من أجل جعل الفوضى في الشرق الأوسط مستدامة)، فهو يعرفُ مخططات الولايات المتحدة.

ببساطة؛ إن تُركَ الأكرادُ الانفصاليون يفعلون ما يشاؤون، فسوف يُطالبون بأن تكون تشيلي ضمن دولة أحلامهم! لهذا نرى أنّ الصدام معهم قادم لا محالة، ولا تفاوض…

من خلال تاريخهم وتجاربهم، وآخرها شمال العراق، القوة هي العلاج الأوحد للانفصاليين، والأفضل أن تكون (اضرب رأس الأفعى بيد عدوك).

إن فشلت مساعي موسكو، تركيا ستهاجم عفرين قريباً. هذا في الغرب السوري، في الجزيرة السورية عملية “تكريد” المؤسسات الحكومية تجري على قدم وساق، وسلب المنازل والأراضي من سكانها الأصليين، أو منع عودتهم كما في الرقة وقرى الحسكة وشمال ريف دير الزور، أي أنهم يُعيدون جرائمهم التي لم يُحاسبوا عليها ضد الأرمن والسريان والآشوريين، عندما سلبوا قراهم وممتلكاتهم وذبحوا رجالهم وسبوا نساءهم، تماماً كما تفعل داعش.

قسد هي داعش بعد استبدال ألوان راية الإرهاب

شركات إعادة بناء الرقة ليست وحدها التي بدأت بالتحرك، بل شركات استثمار البترول، وهنا الخطر الأكبر، هذا الأمر سيعطي واشنطن مبرراً للبقاء الدائم في الشمال السوري بداعي الحماية، والسكوت على الانفصاليين يعني تكريساً للأمر الواقع، إلى أن يأتي يوم نراهم يطالبون بدمشق.

التقى مركز فيريل بأحد السوريين الذين قاتلوا مع قسد، وسألناهُ عن السبب، فقال حرفياً: (يدفعون لي راتباً يكفيني، فلماذا لا أقاتل معهم؟). إذاً الولاء العربي في قسد للمال وليس لأحد، وإذا كان هناك مَن يُراهن على انشقاقات في صفوف الانفصاليين وخروج العرب السوريين منها، فهو مخطئ، فالدعم المادي لها سيزداد بدخول السعودية، وولاء العشائر في الرقة سيكون للمال السعودي الطائفي أيضاً.

الولايات المتحدة وفرنسا تطوّران القواعد العسكرية هناك، كما في قاعدة الرميلان، وقد يأتي وقت يستغني فيه الناتو عن قاعدة أنجرليك، خاصة وأنّ السياسة التركية غير ثابتة، وهذه ألمانيا أول المنسحبين منها.

هي معركة قادمة لابد منها، في الحسكة ودير الزور والرقة، وصدام عسكري مع واشنطن ليس بالضرورة إلزامياً ويمكن تحاشيه… الفارق أن تتم المعركة اليوم، أو بعد سنة. الفارق أن تتم مع انفصاليين جبناء مشتتين، أو مع انفصاليين قام الناتو بتسليحهم بشكل كامل، ليصبحوا جيشاً من الخونة والمرتزقة المدربين، ووراءهم قواعد عسكرية تنطلقُ منها طائرات الناتو.

أي تفاوض أو حديث عن حكم لا مركزي أو فيدرالية، سيقوّي جانبهم، هذا عدا عن أنه بدون رتوش… خيانة لسوريا. لا فيدرالية، لا تقسيم، لا احتلال، سوريا جمهورية مركزية. اضربوا رأس الأفعى بيد عدوكم… د. جميل م. شاهين. 22.10.2017. مركز فيريل للدراسات.