تصعيدٌ قادم في الشمال السوري، ماذا سيفعل نتنياهو في موسكو؟

تصعيدٌ قادم في الشمال السوري، ماذا سيفعل نتنياهو في موسكو؟

بدأت العلاقات الديبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي السابق وإسرائيل، منذ أيار 1948. شهدت مداً وجزراً عدة مرات أعوام 1953، 1956، 1967 حيث قطعت العلاقات نهائياً. لكنها منذ عام 1987 إلى يومنا هذا مستمرة، خاصة بعد نزوح مئات الآلاف من يهود الاتحاد السوفيتي إلى إسرائيل، ليتجاوز عددهم المليون، وليلعبوا دوراً هاماً في ترسيخ العلاقات رغم الأزمات بين تل أبيب وموسكو.

ما نقصدهُ في مركز فيريل من هذه المقدمة أنّ روسيا لا تعتبرُ إسرائيل عدواً لها كما نريدُ، وهي دولة عظمى تتعاملُ مع الجميع بمقتضى مصالحها أولاً، وليس حسب العواطف أو الضمير… لا ضمير في السياسة…

تنسيق دائم بين روسيا وإسرائيل

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سيزور روسيا في 21 شباط الحالي للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، وحسب قوله: “لاستكمال المحادثات المغلقة التي أجراها في باريس قبل 3 أشهر”.

في نهاية كانون الثاني استقبل نتنياهو المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، بحضور مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات، ورئيس هيئة العمليات في القيادة العامة للجيش الإسرائيلي، اللواء أهرون حليوا.

قبلها بأيام زار وفد عسكري روسي رفيع المستوى إسرائيل…

زيارات ولقاءات واتصالات والنقاش حول موضوع واحد: (الأوضاع في سوريا والتمركز العسكري الإيراني)، بالإضافة لتحسين منظومة الاتصالات الروسية الإسرائيلية، لمنع الاحتكاك بين الجيشين في الأجواء السورية.

حسب البيان الختامي؛ أكد مبعوث الرئيس الروسي ونائب وزير الخارجية الروسي على التزام روسيا بالحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي…

ساءت العلاقات عقب إسقاط الطائرة الروسية من طراز “إيل 20″، وتسبب الطيران الإسرائيلي بذلك في أيلول الماضي. كثيرون رفعوا سقف التوقعات بحجم الردّ الروسي، فهل تراجعت تل أبيب عن قصف القواعد العسكرية السورية؟

الآن فُعّلت صواريخ إس 300، فهل ستحجم الطائرات الإسرائيلية عن العدوان على سوريا؟ لا نتوقعُ ذلك في مركز فيريل وهذا ما قالهُ نتنياهو لمكسيم أكيموف نائب رئيس الوزراء الروسي: “إسرائيل ستواصل ضرب “الأهداف المعادية” في سوريا، رغم قرار موسكو تسليح دمشق بصواريخ إس 300 المتطورة للدفاع الجوي”.

نتنياهو بحاجة لدعم قوي في الانتخابات، وهنا الخطورة

منافسون أقوياء لنتنياهو حتى من داخل حزبه، منهم رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية الأسبق بيني غانتس أبرز المنافسين في الانتخابات الليكودية، لعب على ورقة الفلسطينيين وزعم أنه قد يُنفذُ انسحاباً جزئياً من الضفة الغربية المحتلة.

تمّ تصوير وتسويق إيران على أنها العدو الأول للعرب، ونجحت إسرائيل دون شك، وهاهم العرب في طور تشكيل ناتو هدفهُ الأول طهران، وبذلك يلتقون بل يحققون أهداف تل أبيب… ومتى كان زعماءُ العرب لا يحققون أهداف إسرائيل؟!

داخلياً أيضاً يواجه نتنياهو خطر تقديم لائحة اتهام ضدهُ، في سياق ملفات الفساد التي يشتبه بالتورط بها، بالمقابل اتهم نتنياهو الشرطة والمستشار القضائي  أفيحاي مندلبليت بسرعة الحسم في قضيته لإسقاطه حتى قبل الانتخابات في حزب الليكود تمهيداً لانتخابات نيسان العامة.

الناتو العربي المزعوم مازال رضيعاً ولا يمكنهُ مواجهة إيران، لكن الانتخابات الإسرائيلية على الأبواب، فماذا سيفعل نتنياهو؟ عليه أن يحقق نصراً سياسياً، والأخطر… عسكرياً حتى لو كان رمزياً يسوقه لمنتخبيه… أين سيكون وضد مَن؟

رسائل إسرائيلية أميركية لعدة عواصم

نتنياهو سيوصل عبر موسكو رسائل إسرائيلية لأطراف عديدة من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت وحتى أنقرة، تتزامن الرسائل مع قمة روسية إيرانية تركية تعتبر الأهم بالملف السوري، كونها تأتي في ظروف معقدة ملامحها نهاية الحرب ودخول مرحلة الحل السياسي، كما أنها ستعقد في وقت تعرض فيه ملفات تعتبر محصلة نهائية للحرب في سوريا الأيام القادمة.

واشنطن وتل أبيب تركزان على ملف التواجد الإيراني في سوريا، بهدف إبعاد طهران من خلال تواجدها اللوجستي، عن مجال الخطر الذي يهدد الكيان الصهيوني، والمقصود حرق ورقة مهمة بيد طهران.

زيارة وزير الخارجية وليد المعلم القادمة لإيران تأتي في هذا السياق، حيث صرح أن سوريا ملتزمة بالدفاع عن التواجد الإيراني، أعقب ذلك تصريح ظريف أن طهران مستعدة للسعي في التقارب بين أنقرة ودمشق، وكان أردوغان قد أكد وجود تواصل بالحد الأدنى مع سوريا…

 هذه المواقف تنطلق من سياسة صراع الأحلاف، خاصة في الشمال السوري، كونه ميدان مواجهة متقدم تتواجد فيه كافة الدول دون استثناء.

 ردّ أميركي على اللقاءات الإيرانية السورية والروسية والتركية، سيأتي… ردّ من قبل حلف السعودية مصر الإمارات البحرين على الموقف التركي الذي بدأ، مُكرهاً، يرسل رسائل إيجابية لدمشق، أيضاً سيأتي وقد يكون مستعجلاً. الأسابيع القادمة ستكشفُ ما تم الاتفاق عليه بما يخص التواجد الإيراني في سوريا ومستجدات التغيّر التركي إن استمر، كما ستكشفُ مَن سيدفعُ ثمنَ خيانته وارتباطه بالخارج سواء في الجزيرة السورية أو في إدلب.

الموقف الروسي من الضربات الإسرائيلية

من المؤكد أن روسيا يهمها استقرار الوضع في سوريا وعودة كافة الأراضي للدولة السورية، كذلك انسحاب كافة القوات العسكرية بما في ذلك التركية والإيرانية. نعم روسيا تريد أن تسحبَ إيران قواتها وترفضُ إنشاء قواعد عسكرية لها، حتى لو لم يتمّ الإعلان عن ذلك صراحة.

لهذا كله لن تتهاون موسكو بالدفاع عن مصالحها في سوريا أولاً، خاصة بعد التصعيد الأميركي في ملفات أخرى كالانسحاب من معاهدة الصواريخ وفنزويلا ونشر الصواريخ في أوروبا الشرقية…

روسيا بدأت توضحُ أكثر مواقفها تجاه تل أبيب وطهران وأنقرة… السفير الروسي لدى إسرائيل، أناتولي فيكتوروف، في مقابلة مع وكالة “تاس”، البارحة الخميس قال: “إننا نشير إلى الطابع المضرّ لكل محاولات حل القضايا الأمنية لأحد ما، على حساب أمن ومصالح الدول الأخرى في المنطقة، ومهمات القضاء على البؤر المتبقية للإرهاب في الشرق الأوسط“.

الكلام يشملُ تركيا وإيران وإسرائيل معاً.

كما ذكّرَ أنّ روسيا أبلغت إسرائيل مراراً بموقفها من غارات الطيران الإسرائيلي على سوريا علناً أو بالطرق الديبلوماسية: “يوضحُ الإسرائيليون أنهم يعملون في سوريا ضد محاولات إيران التمركز هناك عسكرياً وبصورة دائمة ونقل الأسلحة الحديثة لحزب الله. إننا ندعو كافة الأطراف المنخرطة في هذا النزاع بدرجة أو بأخرى، بما في ذلك إسرائيل، إلى إبداء ضبط النفس وتجنب كل الأعمال التي قد تزيد الوضع تعقيداً“.

فيكتوروف أوضح بشكل لا يقبلُ التأويل موقف بلادهِ من العدوان الإسرائيلي: “من الضروري الاحترام غير المشروط لسيادة سوريا ووحدة أراضيها باعتبارها عضوا كاملا في منظمة الأمم المتحدة“.

موسكو لا تُسهلُ ولا تؤيد قصفَ الطيران الإسرائيلي للمواقع السورية أو الإيرانية، لكنها بالمقابل لن تقصفَ الطيران الإسرائيلي، وتحاول سياسياً منع ذلك. هي تحاول الوقوف على مسافة واحدة من الجميع تحضيراً للعب دور الوسيط في الملف الفلسطيني والجولان السوري، وهذا يُزعج بالتأكيد واشنطن إن حصل.

رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه قال في 25 كانون الثاني الماضي: “هناك تنسيق واضح بين موسكو وتل أبيب عند تنفيذ أي ضربة داخل الأراضي السورية، فلو كانت روسيا تفعّل منظومتها الجوية إس 300، لما تجرّأت إسرائيل على القيام بهجماتها بسهولة”. لا نعتقدُ في مركز فيريل بصحة كلام بيشه، موسكو يهمها استقرار الوضع للالتفات لملفات إعادة الإعمار والتنقيب عن الغاز والبترول، بالإضافة لملفات أخرى ذكرناها.

استقرار المنطقة من مصلحة روسيا وليست الحروب، وهذا يميزها عن الولايات المتحدة التي تنتعشُ اقتصادياً بالحروب. بمراجعة بسيطة للمصالح الروسية الاقتصادية مع إيران وتركيا نعرف أنّ بيع الأسلحة لهاتين الدولتين يجلب للخزينة الروسية أموالاً أقل، فحجم التبادل التجاري بين روسيا وإيران ارتفع عام 2018 بنسبة 2%، مقارنة بالعام 2017، فبلغ 1.741 مليار دولار، وشكلت صادرات روسيا إلى إيران 1.208 مليار دولار، وهو يميل لصالح موسكو.

مع تركيا يبدو الوضع أفضل بكثير، فقد قفز التبادل التجاري خلال 2018 بنسبة 15.7%، فوصل لـ 25.5 مليار دولار. صادرات روسيا إلى تركيا هي 21.345 مليار دولار، مقابل واردات بقيمة 4.216 مليار دولار.

هل ستنسحبُ إيران وتركيا عسكرياً من سوريا؟ الأمر يبدو بعيداً حالياً، فصحيفة هاآريتس الإسرائيلية ذكرت أن طهران تُجهّزُ مطار T4 في البادية السورية لتجميع قواتها فيه، وتنقل ما أسمته الصحيفة “مركز إمداد السلاح” من مطار دمشق. تركيا تخطط للبقاء طويلاً في الشمال السوري وتريد حزاماً بعمق 32 كلم تسيطر عليه بجيشها، ليتم لاحقاً ضمهُ مع إدلب للسلطنة العثمانية، وهذا ترفضهُ موسكو.

المؤشرات الحالية وما نتوقعهُ في مركز فيريل أنّ صبر روسيا بدأ ينفذ، والعودة للنشاط العسكري في إدلب ليس ببعيد، وسط عدم رضىً روسي عن تباطؤ أنقرة في ملف التنظيمات الإرهابية. الأمور مرشحة للتصعيد سواء من قبل إسرائيل أو في الشمال والشمال الغربي السوري. الأستاذ زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.