حقيقة ما جرى بين بوتين وترامب في هامبورغ. تقرير Dennis Ross  لمعهد Kissinger Institute الأميركي

حقيقة ما جرى بين بوتين وترامب في هامبورغ

تقرير Dennis Ross  لمعهد Kissinger Institute الأميركي

جاء اجتماع ترامب وبوتين، على هامش قمة دول مجموعة العشرين في وقت هام، ولا يعود سبب ذلك إلى التحقيقات الجارية في الولايات المتحدة، حول ما إذا كان هناك تواطؤ خلال فترة الانتخابات الأمريكية، أو بسبب احتمال التوقيع على اتفاق كبير بين واشنطن وموسكو؛ فهذا أمر غير مرجّح. روسيا لن تتخلى عن نفوذها في شرق أوكرانيا ولن تبتعد عن الرئيس بشار الأسد، فبوتين يعتبر أوكرانيا جزءاً من دائرة نفوذ روسيا، بينما تضمن سوريا موطئ قدم جديد لروسيا في الشرق الأوسط، ولن يكون أي منهما بمثابة أصول قابلة للتداول بالنسبة لبوتين. 

لماذا كان توقيت الاجتماع مهماً؟

حان الوقت لإعادة وضع قواعد أساسية للعلاقات بين البلدين. فبوتين يردد دائماً بأنه ينبغي أن لا يكون هناك أي تدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، لكنه لا يعني بذلك سوى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لروسيا؛ فمن الواضح أنه يتدخل في السياسات الداخلية للآخرين، ويجب أن يتوقف عن ذلك. ووفقاً لما ذكره وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، تناول الرئيس ترامب بإصرار موضوع تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية. بغض النظر عما إذا كان على المرء قبول شرح تيلرسون أو وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشأن المحادثات، من الواضح أن إدارة ترامب ترغب في “التطلع إلى الأمام” ولا تهتم كثيراً في فرض أية عقوبة على تدخل روسيا. صحيح أنها ليست الطريقة المناسبة لردع المزيد من هذه التدخلات من قبل الروس، لكن بوتين قد يتخلى عن القيام بخطوات مماثلة على أمل بناء علاقته مع الرئيس ترامب.

أتمنى أن يكون الرئيس الأمريكي قد استغل محادثته مع بوتين، من أجل وضع بعض القواعد الأساسية، من بينها التعاون في المجالات التي تلتقي فيها مصالح الولايات المتحدة وروسيا، على سبيل المثال: الانتشار النووي والإرهاب والمخدرات. أما في المجالات التي تتباعد فيها هذه المصالح، في موضوع إيران على سبيل المثال، فستحاول الولايات المتحدة وروسيا إدارة خلافاتهما ومعالجتها.

خلافاً للرأي السائد، فإن بوتين لا يحب المخاطرة إلى حد كبير. فاستعانته بالقوات المعروفة بـ“الرجال الخضر” في بداية التدخلات الروسية، تمثّل طريقته في اختبار رد الفعل والحفاظ على الإنكار، وتجنّب أية خسارة في حالة ردود فعل سلبية كبيرة، فقد أرسل قوات من دون شارات أو بزات عسكرية، ليُعلن في وقت لاحق فقط أنهم روس ذهبوا للتطوّع. لكن ما اكتشفه مع إدارة أوباما هو أن ردود الفعل قد تكون محدودة جداً، حيث لم تُقدَّم أية مساعدة فتاكة لأوكرانيا، الأمر الذي كان سيزيد خسائر الروس هناك؛ ولن يكون هناك ردّ على تدخل روسيا الخفي في سوريا، من خلال تزويد الذين يقاتلون ضد الدولة السورية بالأسلحة، هنا سيجد بوتين مقاومة ضعيفة أو معدومة، وسرعان ما يستغلّ ذلك.

يمكن للمرء أن يستنتج من قراءة تيلرسون لاجتماع هامبورغ، ما إذا كان قد تمّ وضع مثل هذه القواعد الأساسية، وما إذا أصبح بوتين يدرك أنه سيواجه رداً حين يتخطى بعض الحدود. لم يذكر تيلرسون شيئاً عن العقوبات الحالية المفروضة على الروس، ويُعتبر ذلك بمثابة إشارة جيدة. وإذا ما أريد احترام الحدود، فإن التراجع عن العقوبات من دون إقدام روسيا على تطبيق اتفاق مينسك فعلياً بشأن أوكرانيا سيكون خطأ.

ماذا عن سوريا؟

في سوريا، يبدو أنه تمّ التوصّل إلى تفاهم حول إقامة منطقة آمنة من نوع ما، في جنوب سوريا قبالة الحدود الأردنية. بالطبع، هذه ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها التوصّل إلى اتفاقات مع الروس بشأن سوريا؛ لكنّ الدليل على أن هذا الاتفاق مختلف، لن يظهر سوى عندما يفرض الروس ثمناً على الدولة السورية عند انتهاكها هذا التفاهم. وما لم يفهم بوتين أن الولايات المتحدة ستعاقب الدولة السورية إذا فعلت ذلك، أخشى أن يكون مصير هذا الاتفاق كسابقيه.

لو لم يقل وزير الخارجية الأمريكي أن الروس قد يكونون على حق أكثر من الولايات المتحدة في سوريا، لربما كنت أشعر بثقة أكبر حيال هذا الاتفاق، لا سيما وأن كلماته تشير إلى أن واشنطن تقبل بما تفعله روسيا في سوريا. وبغض النظر عن قصفها المكثّف “للمدنيين”، تساعد روسيا حالياً إيران على بسط نفوذها، حيث تقوم الجمهورية الإسلامية ووكلائها من الميليشيات ببناء ممر أرضي عبر العراق وسوريا إلى لبنان، مما يعكس هدفها في محاولة السيطرة على الحدود السورية مع العراق والأردن وفلسطين، وعلى الرغم من تركيز واشنطن مساعيها على تنظيم داعش، على بوتين أن يدرك أن الولايات المتحدة ستعرقل أي نتيجة قد تزعزع استقرار الأردن وتفتح جبهة ثانية خارج لبنان ضد “إسرائيل”.

من المفارقات، أن مثل هذا الموقف قد يكون متناسقاً مع التفاهم الذي أعلنه تيلرسون، على افتراض أن الروس سيحترمون هذه الحدود ويتوقفون عن توفير الغطاء الجوي للميليشيات الموالية لإيران، وسط سعيها للتوسّع نحو شرق سوريا وجنوبها. من جانبها، لن تهدد الولايات المتحدة المراكز الروسية أو السورية أو الإيرانية القائمة. وسيتمّ احتواء الوجود الإيراني وليس معارضته. وستقبل واشنطن بما هو قائم وباحتمالات تقسيم سوريا فعلياً.

هذا هو نوع الاتفاق الذي سيفهمه بوتين. فهو لن يُصلح سوريا، لكنه سيوقف سفك الدماء وقد يساهم حتى في جعل إقامة مناطق آمنة ممكنة للاجئين. كما سيُضعف التوسّع الإيراني ويُطمئن دول الخليج بأنه سيتمّ احتواء التهديد الإيراني، وهو شيء قد يمنح هذه الدول محفزاً لتقليص الصراعات الطائفية في المنطقة.

صحيح أنه ليس اتفاقاً كبيراً، لكنه قد يكون انطلاقة جيدة للرئيس ترامب ليبدأ بالتعامل مع بوتين.

إدارة التحرير مركز فيريل للدراسات

سيريا-إن (شبكة آرام الإخبارية)