قتل الطوباسي. هل سيعود تنظيم القاعدة إلى درعا؟

في كمين محكم تمّ قتل الإرهابي الأردني إياد الطوباسي (أبو جليبيب)، القيادي حالياً في تنظيم “حراس الدين” التابع لتنظيم القاعدة مع عدد من رفاقه. الكمين جرى البارحة في جنوبي محافظة درعا قرب الحدود الأردنية، الجهة المُنفذة غير معروفة، والشكوك تدور حول كون المخابرات السورية وراءها، وهو المُرجح، أو هي عملية تصفية قامت بها جبهة النصرة.

إياد الطوباسي هو صهر زعيم تنظيم “القاعدة” في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، الذي قتل عام 2006 بغارة أميركية في العراق. شارك الطوباسي في القتال في أفغانستان وفي العراق. من المؤسسين لجبهة النصرة مع أبي محمد الجولاني. كان أميراً للجبهة “القائد العسكري” في درعا، منذ 2012 حتى كانون الأول 2015، أعفي من منصبه وطُلبَ منه الرحيل إلى الشمال، فأصبحَ أميراً للجبهة في ريف اللاذقية.

انشقّ عن الجبهة مُجدّداً ولاءه لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، بعد قيام الجولاني بإعلان فك الارتباط مع القاعدة، يومها صرّح: “تنظيم القاعدة هو التنظيم الوحيد الذي يؤمن بوحدة المسلمين كافة في قتال أعدائهم”. كذلك انشق الإرهابي الأردني بلال خريسات “أبو خديجة الأردني” والأردني سامي العريدي لنفس السبب.

جبهة النصرة قامت باعتقاله مع عدد من رفاقه في محاولة لمحاربة التيار الموالي للقاعدة، ونتيجة الضغوط ووصول توجيهات له، قرر العودة إلى محافظة درعا، لكنه فشل بالهرب. في نهاية تشرين الثاني 2017، هاجم أيمن الظواهري، جبهة النصرة وهددها.

لماذا يريد الطوباسي العودة إلى درعا؟

للطوباسي نفوذ وسيطرة كبيرة على مئات الإرهابيين الأردنيين والسوريين الذين قاتلوا بصفوف جبهة النصرة والقاعدة في محافظة درعا، ونؤكد في مركز فيريل أنّ قسماً كبيراً منهم مازال عند الحدود السورية الأردنية، ضمن “البيئة الحاضنة” من الجانبين.

عمليات المصالحة لا تعني أن نوايا وأهداف عناصر وزعماء الجماعات المسلحة، نزلت عليهم الهداية وتابوا عن حمل السلاح وأصبحوا حمائم سلام، هؤلاء ينتظرون فرصة للعودة؛ الطوباسي كان يحمل لهم هذه الفرصة، فقد أجرى اتصالات ببعضهم وكان مخططه العودة إلى ريف درعا الجنوبي والبدء من جديد، ليس كأمير في جبهة النصرة ذات السمعة السيئة هناك، بل كزعيم في تنظيم القاعدة.

هذا ما أكدهُ القيادي المنشق عن جبهة النصرة المدعو “أبو سراقة الشرعي” الذي نشر: (تقبل الله الشيخ المهاجر الأردني أبو جليبيب، الذي استشهد وثلة معه من الإخوة المهاجرين في درعا، حيث ضاقت بهم الحياة في إدلب وانطلقوا ليحيوا “مسيرة الجهاد” في درعا).

مَن قتل الطوباسي؟

اتهام الإرهابي العراقي علي موسى عبد الله الجبيري الملقب بـ “أبو ماريا القحطاني” زعيم وخبير الاغتيالات في جبهة النصرة، باغتيال الطوباسي أمرٌ مستبعد، فهو حسب المعلومات وبعد مغادرته درعا إلى إدلب، بقي هناك ولم يغادرها.

للمعلومات وحسب اعتراف أبي ماريا القحطاني نفسه: “غادرتُ درعا إلى إدلب مروراً بالحواجز الأمنية، بعد دفع رشاوى بآلاف الدولارات”.

البعض ذهب إلى بقايا الجيش الحر في ريف درعا، وهذا الأمر يحتاج لمجموعة كبيرة تتحرك بأسلحتها ضمن المنطقة دون أية رقابة أمنية بعد فرض الجيش السوري سيطرته، وهذا أيضاً أمر مستبعد.

كذلك اتهم “جيش خالد” التابع لتنظيم داعش في درعا بقتل الطوباسي، وهو مازال متواجداً بصورة سرية في مناطقه، عند الحدود مع الجولان المحتل والأردن.

المؤكد أنّ الطوباسي أرسل زوجاته وأولاده إلى الأردن، ثم حاول الهرب إلى درعا من إدلب ثلاث مرات، وفشل إلى أن قامت جبهة النصرة باعتقاله في المرة الأخيرة.

قبل أكثر من شهرين، تمكن من الهروب من إدلب إلى الأردن، كيف؟ المرجح عبر تركيا.

ظهر في ريف القنيطرة الجنوبي في نهاية تشرين الثاني وبداية كانون الأول 2018، وجرت خلال ذلك عدة اغتيالات لقادة مجموعات مسلحة في درعا قاموا بتسوية أوضاعهم مع الجيش السوري، منهم اغتيالمشهور الكناكري” في داعل، ثم “ يوسف الحشيش” القائد العسكري السابق في فصيل “جيش المعتز بالله” في المزيريب.  

ثم اختفى الطوباسي فترة… معلومات مركز فيريل تقول أنه ظهر منذ أيام في مدينة الزرقاء الأردنية واجتمع بعدد من الزعماء السلفيين، ثم حاول عبور الحدود باتجاه درعا مع مجموعة تقارب 15 شخصاً بينهم مُهرّب. المجموعة تمّ قتلها كاملة ومعظمهم من جنسيات عربية بينهم التونسي أبو سلمان، والأردني أبو طلحة المهندس، وطلحة المنصور أبو زكريا.

هل قامت المخابرات الأردنية بإعلام نظيرتها السورية بتحركات الطوباسي ومجموعته؟ الاحتمال وارد ليس لأنّ الأولى تكافح الإرهاب، بل هي وثيقة حسن سلوك لا أكثر، ضمن خطة تقارب مع دمشق. الإرهابيّون ينشطون فوق الأراضي الأردنية ويتبعون للقاعدة وللنصرة ولداعش، وآلاف من الأردنيين قاتلوا ضد الجيش السوري على مدى سنوات، سواء رضيت المخابرات الأردنية أم لم ترضَ، ودليل مركز فيريل تُقدّمه أسماء القتلى في صفوف الإرهابيين يومياً. لاحظوا أنّه لم يرد سوى اسم سوري واحد بين هؤلاء حتى الآن!!

البيئة الحاضنة مازالت ناشطة وموجودة بقوة في كافة المناطق التي أجرت “مصالحة” في درعا وغيرها من المحافظات السورية. الأمن السوري يقوم بدوره بشكل مقبول. أيّ ضعفٍ أو اختراق في نقطة ما، سيؤدي لعودة ظهور مجموعات مسلحة خبيرة بالقتال والإرهاب، الطوباسي نموذجٌ من مئات بل آلاف من الذين يمكن أن يعودوا في أية لحظة… مركز فيريل للدراسات. برلين. 30.12.2018. “ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ”. 55 الذاريات.