ماذا يجري في درعا؟ تقرير مركز فيريل للدراسات. 03.09.2019

عدد القراءات 432918 تاريخ النشر 03 أيلول 2019. من درعا انطلقت الشرارة الأولى لأحداث دموية عصفت ومازالت بسوريا. قبل أكثر من عام وفي نهاية حزيران 2018 تم التحرير ومعهُ المصالحة وعاد الجيش السوري ليسيطر على المحافظة كاملة. فهل الأمور بخير؟

اغتيالات وتفجيرات ومظاهرات

هل الأمور بخير في محافظة درعا؟ لا ليست بخير وكما عودناكم على الحيادية في مركز فيريل للدراسات، نستعرض معكم بعضاً من الحوادث التي جرت، بعضها تمت تغطيتهُ إعلامياً… وقيل كما في السابق: “الأمور بخير وهذه حوادث عرضية”!

البارحة الإثنين 02 أيلول، محاولة اغتيال حازم النابلسي في مدينة نوى، وحالته حرجة. حازم ممن أجروا مصالحة والتهمة أنه يتعاون من الأجهزة الأمنية السورية.  

يوم السبت الماضي 31 آب 2019 استهدف إرهابيّون حافلة مبيت للجيش السوري بعبوة ناسفة على طريق الغارية الشرقية باتجاه الكرك الشرقي.

مساء الخميس 29 آب الماضي، استهدف إرهابيّون سيارة للأمن الداخلي تابعة لمخفر ناحية الشجرة، قرب مساكن جلين.

بنفس اليوم اغتيل محمد عواد المحمد (أبو أسامة) في بلدة نبع الفوار، بحجة تعاونه مع الدولة السورية.

الثلاثاء 27 آب تعرّض حاجز أمني جنوب إنخل لإطلاق نار بالأسلحة الخفيفة.

مساء السبت 24 آب 2019، اغتيال رئيس بلدية المزيريب، أحمد عبد الله النابلسي أمام منزله. وقبله اغتيل رئيس بلدية اليادودة، ورئيس بلدية المسيفرة…

محاولة اغتيال مساء 23 آب، بإطلاق النار على محمد عرسان الخلف، بلدة تسيل، إصابة بليغة.  عملَ كمستشار العلاقات الديبلوماسية في وزارة الخارجية السورية سابقاً.

أيضاً؛ اغتيال خالد محمد الحشيش من سكان تل شهاب، ومصطفى محمد جمال الحشيش من سكان زيزون، في بلدة نهج بحجة عملهما مع الجيش السوري بعقود مدنية.

تموز 2019، استُهدفَت حافلة مبيت للجيش السوري بعبوة ناسفة على طريق درعا باتجاه اليادودة.

حزيران 2019، هجوم على مديرية ناحية الحراك وتفجير عبوات ناسفة.

أيضاً في حزيران 2019، هجوم إرهابي على حاجز للمخابرات الجوية قرب بصر الحرير، باستخدام الرشاشات والقذائف الصاروخية.

أيار 2019، أطلق مسلحون النار على سيارة تابعة للجيش السوري في جاسم.

هذا بالإضافة لاستهداف دوريات تابعة للجيش السوري أو الشرطة العسكرية الروسية، وعدة اغتيالات طالت أشخاصاً شاركوا في المصالحات وآخرين رفضوا تلك المصالحات. كما جرت مظاهرات تحمل الشعارات السابقة ذاتِها، خاصة في مدينة درعا آخرها يوم الثلاثاء 27 آب 2019 في حي المنشية، بعد سحب جثث ثلاثة إرهابيين كانوا يحفرون نفقاً للوصول إلى مقر عسكري وتفجيره، فسبقهم الجيش السوري وفجّر النفق بمن فيه عام 2014. كما حدثت عدة مظاهرات خرجت من المسجد العمري الذي “”أُعيد”” ترميمه في درعا. القارئ يعرف ماذا حدث في المسجد العمري سابقاً، وها هو يعود ليلعب الدور ذاته…

توتر كبير حصل في مدينة الصنمين خلال آب الماضي، والسبب حسب معلومات مركز فيريل للدراسات هو رفض الشبان الالتحاق بالخدمة العسكرية، وإيواء إرهابيين مطلوبين أمنياً… حصلت اشتباكات بين الأجهزة الأمنية السورية واللجان الشعبية من أهالي الصنمين نفسها من جهة، وبين المسلحين. حوصرت المدينة، خاصة الحي الشمالي، وتدخل “الوجهاء” ووعدوا بتلبية مطالب الدولة… قبل ذلك وفي حزيران 2019، قام مسلحون من مدينة الصنمين باحتجاز ثلاثة عناصر للجيش على أوتوستراد دمشق درعا، والمطالب كانت إطلاق سراح ثلاثة شبان اعتقلتهم المخابرات في أيار 2019.

الحوادث السابقة أدت لسقوط جرحى وعدد من الشهداء بالإضافة لخسائر مادية.

مَن يقف وراء ما يجري في درعا؟

تتباينُ تطلعات وآمال سكان درعا بعد حزيران 2018 وانتهاء الحرب وحدوث المصالحة. قسمٌ كبيرٌ منهم يريد الأمن والأمان والابتعاد عن كل ما يثير التوتر والعيش بكرامته. قسمٌ آخر مازال يحملُ أفكار عام 2011 وينادي بها، وهو ليس بالقليل، يطالب بإسقاط الدولة بشعارات دينية طائفية، تقوده زعامات معظمها خارج سوريا، تزوّده بالتعليمات والتمويل اللازم.

القبضة الأمنية عادت للمحافظة، والعذر الوحيد حالياً هو تدهور الوضع الأمني، ومنعُ عودة الأمور لما كانت عليه عام 2018. كما أنّ الفساد والمحسوبيات عادت لتضرب المحافظة كغيرها من المحافظات السورية.

كلّ ما يجري في درعا وسط انتشارٍ للتديّن بشكل

كبير، لينطبق المثل الشعبي:

“كأنك يا بو زيد ما غزيت”، ولن نقول مثلاً آخر تعرفونه…

من خلال مراقبتنا ومراجعة حوالي 100 حادثة تعرّضت لها محافظة درعا خلال عام كامل حتى تاريخ هذا التقرير، وجدنا في مركز فيريل للدراسات الملاحظات التالية، ونرفقها بطريقة الحل كي لا يلومنا لائم:

أولاً: أكثر من 80% من حوادث الاعتداء على الجيش السوري أو الاغتيالات جرت في القسم الغربي والجنوبي الغربي لمحافظة درعا، وهذا يؤكد وجود ارتباط بين المُنفذين والمخابرات الإسرائيلية، وهذا ليس سرّاً نكشفهُ… ولا يمكن أن تكون المخابرات الأردنية بمنأى عما يجري بشكل أو بآخر، حتى وإن كانت غرفة “الموك” في عمّان مجمّدة مؤقتاً… التعليمات تأتي بمعظمها عبر الاتصالات بين المنفذ والآمر. اعتراض هذه الاتصالات ليس بالأمر الصعب عسكرياً.

ثانياً: معظم الحوادث تعود لجهة واحدة أو جهتين منفذتين أهدافهما واحدة وهي عودة الحالة الأمنية لما كانت عليه قبل حزيران 2018. قسمٌ آخر هو انتقام شخصي أو ثأر أو عمليات قامت بها المخابرات السورية. القول أنّ المخابرات السورية تقف وراء معظم الحوادث هو لحرف النظر عن الفاعل الحقيقي، فخلال شهر آب 2019 فقط، تمّ اغتيال 8 أشخاص متهمين بالتعامل مع الدولة، و6 آخرين انخرطوا في الجيش السوري بعد إجراء المصالحة، فلماذا تقوم الدولة بقتلهم؟! لهذا؛ الجهة التي قامت وتقوم بتلك العمليات هي خلايا نائمة مرتبطة فيما بينها بشكل أو بآخر، وتضمّ: مسلحين أجروا المصالحة، فارين من خدمة العلم، عناصر إرهابية سابقة، عناصر أفرجت الجهات الأمنية عنهم، منهم إرهابيو “جيش خالد بن الوليد”. حسب معلومات مركز فيريل للدراسات؛ لم يُسجّل وجود أجانب والمنفذون بمعظمهم من أبناء المحافظة، ومراقبة هؤلاء الدائمة واعتراض اتصالاتهم يجب أن تكون ذات أولوية.

ثالثاً: الإبقاء على الأسلحة الخفيفة بيد عدد كبير من السكان، وسهولة الحصول على السلاح والعتاد بشرائه من وسطاء بعضهم يعمل في أجهزة الدولة، وهو أحد أسوأ أوجه الفساد، أو عبر الحدود مع الأردن والجولان المُحتل. كما أنّ خبرة القتال موجودة بعد سنوات طويلة من الحرب ضد الجيش السوري.

رابعاً: حوادث الاغتيال والهجوم جرت غالباً باستخدام دراجات نارية، فهل الدولة عاجزة عن إيجاد حلّ لهذه الدرّاجات؟!!

خامساً: يتمّ “تعويم” تنظيم يُطلق على نفسه اسم “تجمع أحرار حوران” من قبل جهات خليجية ودعمه، لإظهاره على أنه مقاومة شعبية موحدة. التنظيم هذا “نظري” أكثر منه عسكري، وعمله تحريضي إعلامي يُعيدُ لنا ما جرى قبل سنوات من اتخاذ “شاهد عيان” لقنوات فضائية، بينما كان ومازال الإعلام السوري يعشقُ “الخشب”…

أهل درعا الذين وقفوا مع الدولة السورية، وحتى الحياديين منهم، بحاجة لأكثر من شعارات واحتفالات وتصفيق، فلا تعيدوا الكرة وتقعوا ثانية وثالثة بنفس “الجورة”… مركز فيريل للدراسات

سادساً: الأخبار التي تتحدث عن عودة تنظيم داعش لبناء نفسه في وادي اليرموك، صحيحة. تتوارد أسماء كثيرة كانت تحتل مراكز قيادية في جيش خالد بن الوليد الذي بايع داعش، عادت إلى المنطقة. قسم منهم أطلقت السلطات السورية سراحهم حسب الاتفاق المسبق لإجراء المصالحة. منهم ماهر كنوش ابن بلدة جباب عمل في ديوان الحسبة. رائد سلوم أمير سابق، شغل منصب قائد مفرزة أمن عسكري في ريف درعا قبل أن ينشق. كذلك يوسف النابلسي أبو البراء رئيس مكتب الارتباط الخارجي بتنظيم داعش في درعا والمسؤول عن عمليات الاغتيال. عبد الله فرج أبو عبدو، الإدارة العامة لتنظيم داعش والمسؤول عن تجنيد الإرهابيين، نقيب منشق ومعه 6 أشخاص بينهم أشقاؤه. هؤلاء جميعهم متواجدون في المنطقة بين بلدة القصيبة ومزارع تل شهاب، والتنسيق قائم بينهم.

ختاماً

ما يجري في درعا متوقع، والخلايا النائمة تتحرّك، وستتحرك في مناطق أخرى من سوريا، والأعداد لا يمكن التنبؤ بها… سبق ونشرنا عن “الذئاب المنفردة”… راجعوا البحث لعلّكم تعقلون. الأمر خطير ويجب تداركه كي لا تمتدَ “العدوى” لباقي المناطق… العدوى يا أطباء… هناك خطوات وإجراءات تقوم بها السلطات الأمنية للحدّ من عودة الإرهاب إلى محافظة درعا، لكنّ الفساد والتغاضي عن التدين الأعمى، يُعطلان كلّ خطوة أمنية “ذكية”… أهل درعا الذين وقفوا مع الدولة السورية، وحتى الحياديين منهم، بحاجة لأكثر من شعارات واحتفالات وتصفيق، فلا تعيدوا الكرة وتقعوا ثانية وثالثة بنفس “الجورة”… مركز فيريل للدراسات. 03.09.2019. Firil Center For Studies FCFS. Berlin. Germany