معاً في مواجهة التطرف والإرهاب، بيروت.

معاً في مواجهة التطرف والإرهاب. المهندس باسل قس نصر الله مستشار مفتي سورياأختصرُ لكم الدراسة التي أخذتُ منها كلمتي التي ألقيتها في المؤتمر الاول “للقاء المشرقي” الذي انعقد في بيروت في ١٤ و ١٥ تشرين الأول ٢٠١٩.

تتحدّثُ الدراسة عن التطرف والإرهاب الاسلامي، وسنرى أنّ التطرف في كافة الأديان ينطبق بشكل أو بآخر على جميع المعتقدات وليس حصراً في دين أو مُعتَقد أو مذهب معيّن.

ينقسم التطرف الإسلامي إلى ثلاثة مراحل:

المرحلة الأولى: يتصدر فيها أُناس لا حظّ لهم من العلم الديني، فيفتون الناس بالجهل، تحريماً وتحليلاً واستباحةً للدماء.

المرحلة الثانية: بعد أن أفتوا بغير علمٍ، أخذوا يُنزلون الأحكام على أفراد المسلمين وغيرهم، ويحكمون عليهم بأحكام الكفر والردة والزندقة.

المرحلة الثالثة: هي أن يصبحوا بديلاً لسلطات وليُ الأمر (أي الدولة بالمفهوم العصري).

كان المُتطرفون في الماضي وسيبقون مستقبلاً، خطراً على الإسلام نفسه، والتطرف الديني هو بشكل مُبسّط: (رغبة الفرد بإطلاق تعابير دينية مُعممة، باستخدام تعابير لغوية حاسمة وقاطعة، ويقود ذلك إلى سلوكيات تؤثر بشكل كبير على العلاقة مع المسلمين الآخرين ومع المؤمنين من الديانات الأخرى).

كل فكر يتبنى التطرف، يزداد احتمال لجوئه إلى العنف، ومن ثم يتحول إلى تيار متطرف، سواء كان هذا الهدف طائفياً أم غير طائفي، ومنه نصل من التطرف إلى الإرهاب الذي يستخدم العنف بشكل دائم.

ليس الإرهابيون من يمسكون البنادق الآلية والمتفجرات، ولكن هناك وراءهم سند من الفكر الديني الذي يُفلسف الإرهاب المادي والمعنوي، ويقدم له التبرير العقلي ويضعه في قالبٍ مقبول من المنطق المغلوط. فيدس السم في العسل. قد يكون هذا العسل نظرية سياسية أو دعوة إجتماعية أو شعاراً عاماً وغامضاً وهلامياً جذّاباً وليس له قوام محدد تمكن مناقشته.

مهما اتخذ الإرهاب من مسميات ظاهرها ديني، سيبقى اعتداءً وليس دفاعاً عن النفس. قال رب العزة في مُحكم آياته: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” البقرة – ١٩٠

التالي بعض النقاط التي أراها لكبح التطرف ومحاربة الإرهاب:

– الاهتمام بالتعليم والخطاب الديني الرسمي، وليس في التجمعات التي تُقدّم تعليمأ متطرفاً، وذلك لأجل فهم صحيح للإسلام، لأنني، لا أؤمن بوجود إسلام معتدل أو إسلام متطرف، فهناك إسلام واحد إما أن نفهمه أو لا نفهمه. كما أن الأمية الدينية هي المسؤولة عن التطرف والإرهاب، لأن الجماعات المتطرفة والإرهابية تستغل جهل الناس العاديين بدقائق الأمور الدينية، وتقوم بتقديم الدين كما تريد.

– الإهتمام بالأحزمة السكنية والمناطق الفقيرة والمهمشة المحيطة بالمدن التي أُثُبت – في أوروبا مثلاً – أن هذه المناطق العشوائية أو المناطق كثيفة السكان، هي التي تفرز الإرهاب والتطرف، ولأن أقوى النظم الإرهابية، لا يمكنها الاحتفاظ بسلطتها ما لم يكن لها أنصار وشركاء في كل قرية وأسرة، فهي تجد ذلك المجال واسعاً في هذه الأحزمة.

– الاهتمام بالإعلام بكافة أشكاله من خلال برامج توعية، آخذين علماً بأن الإرهابيين يهتمون بالإعلام وجذبه.

– المساهمة بتخفيض البطالة ومحاربة الفقر وذلك بخلق فرص عمل، لأنهما من أهم أسباب التطرف في كل شيء.

– الاهتمام بالمرأة، لأن عملية اجتذاب النساء الى الإرهاب، وخلق مجموعات إرهابية خاصة بالنساء في تنظيم “داعش” مثلاً، هي ظاهرة بدأت تبدو للعلن في بداية عام 2013، حين قام التنظيم، بعد سيطرته على مدينة الرقة، بإيجاد مجموعتين من المسلحات الإرهابيات، دُعيت الاولى بإسم “الخنساء” والثانية باسم “أم الريحان”.

– اتّباع استراتيجية سياسية متأنية، بُغية إضعاف القوى السياسية والثقافية المعقدة التي تذكّي جذوة الإرهاب.

– العمل وفق تضامن دولي حازم، لأن التسيّب الدولي هو الذي يفتح المجال واسعاً أمام الإرهاب، ويشجعه على التمادي في احتقار القانون الدولي، مع الإنتباه إلى أن الإرهابي يتحول مع الوقت إلى محترف إرهاب وهو شخص وظيفته وعمله الإرهاب يعمل لحساب مَن يدفع. اليوم يعمل باسم الإسلام، وغداً يعمل بإسم أي عقيدة آخرى.

– العمل على حلّ النزاعات السياسية بشكل عادل، لأن خلف كل عمل إرهابي تكمن مشكلة سياسية، وهذا الإرهاب يعتمد على شن ضربات وحشية وفظيعة من الناحية الأخلاقية ضد مدنيين، أو أشخاص رمزيين أو أهداف مادية لتحقيق هدف سياسي. وتتلخص حساباتهم القاسية في أن أعمالهم ستحرِّض على أعمال ثأرية واسعة يقوم بها الطرف الأقوى مما يُكسبهم المزيد من الدعم وحتى الشرعية.

هذا بعض ما أراه من الحلول لكي نقوم به معاً، ومعاً من مستوى الأفراد إلى الدول، لأن أيّ فشل في التصدي للجيل الجديد من المتشددين التكفيريين سيؤدي لانتشار الإرهاب أكثر وأكثر، بالإضافة لذلك، فإن الإنتصارات العسكرية للإرهابيين ستشجعهم على مهاجمة أمكنة متعددة وغير مُتوَقَّعَة في العالم.

يبقى الإيمان، الذي يُحركنا، بأنّ قوى الظلام مهما اتخذت من أسماء تدل على الورع والتقوى، لن تنتصر أمام النور الذي وضعه الله فينا. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.