مَنْ يقتل الآخر؛ الجولاني أم الشرع؟

الجولاني يأخذ المباركة من العثماني

مَنْ يقتل الآخر؛ الجولاني أم الشرع؟ 29.03.2025. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات، الكاتب والباحث السياسي زيد م. هاشم. قد يكونُ العنوان توصيفاً دقيقاً للمرحلة السورية القادمة، وتعبيراً عن حالة الفصام السياسي الذي تُعاني منه الساحة المحلية والإقليمية وحتى العالمية.

كوننا سنتحدث في مركز فيريل عن الحالة السورية المحلية، فسنركزُ على “الفصام السياسي” الذي يجتاحُ حكومة الأمر الواقع بمَنْ فيها، والتي أصبحتْ لدى “السُذّج” حالة طبيعية، والمطلوب دائماً إعطاءهم فرصة! إلى متى هذه الفرصة؟ إلى ما شاء الله، والثمن؟ درعا والقنيطرة والسويداء؟ أم حلب وإدلب والجزيرة السورية، والترسيم البحري، وفوقها دماء آلاف من أبناء الساحل والداخل؟

كم هو الثمن أيّها السُذّج؟

خلافٌ واختلافٌ شديدان في سياسة أبي محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا، المطلوب والمحكوم بعشرات جرائم القتل والسبي والاغتصاب وتجارة السبايا والغلمان وغيرها الكثير الكثير، وبين “الكيوت” أحمد حسين الشرع الجالس فوق كرسي رئيس الجمهورية، قبالة جبل حرمون المحتل، ويُقدّم نفسه كسياسي “كيوت” مع أقرانه وأتباعهِ من عناصر التنظيمات الإرهابية في داعش والقاعدة

أبو محمد الجولاني الذي صفّى العشرات من منافسيه لمجرد الشك أحياناً، وعلى الطريقة العثمانية، ليتزعم تنظيماً إرهابياً يضمُّ آلاف المقاتلين الأجانب، حسب اعترافهِ. يقول عنه معترفاً بأنه تنظيم كان يمثل الفكر المتطرف العالمي، بزعامة تنظيمي القاعدة وداعش، بالإضافة لتنظيمات إرهابية أخرى مثل بوكو حرام والشباب المجاهدين وتنظيمات الجهاد الوهابي في الشيشان والجزائر، أفغانستان والعراق روسيا والصين وغيرها. هذا الكيوت الجالس على الكرسي (مجازاً سنستخدمُ في مركز فيريل الفعلَ الماضي الناقص”كان”) كان الجولاني يؤمنُ بالقاعدة الرئيسية للفكر التكفيري وهي:

(إنشاء دولة الخلافة بالسيف والقتال وتطبيق الشريعة بمنظور ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب) وبطريقة متشددة ومتطرفة وأكثر دموية منهما، ومجازر أهل الساحل تشهد. ظهرتْ، أيّام هؤلاء، فرقٌ من الخوارج كفّروا الجميع حتى معتنقي الفكر الوهابي الذين لا يوافقونهم الرأي، كانوا كفَرة. فضلاً عن تكفير مذاهب السنة ومعتقدات فرقهم من الأشاعرة الصوفية والمتاوريدية. هذا بالنسبة للسنّة فكيف بالعلويين والدروز والأسماعيليين والقوميين والعلمانيين والمسيحيين!

الجيل الدموي المتطرف، الذي تقطرُ أياديه دماً وإجراماً، يشكل غالبية المقاتلين الأجانب وغير الأجانب في جبهة النصرة والفصائل المتحالفة معها، وممن يجلسون مع الجولاني على الكراسي بدمشق نفسها، ويُصافحون وزراء خارجية الغرب ويعتذرون عن مصافحة النساء “عفّةً وطهارة”!

مبايعة العثمانيين كولاة أمر وسادة بل “آلهة” للتنظيمات الإرهابية، أمرٌ لا يُشكّ به، وعودة الصراعات الدموية تلك، ستكون طوق إنقاذ لنظام أردوغان المترنح، وقد يستغلهُ  هاكان فيدان الذي يسعى لإزاحة رجب طيب أردوغان عن الكرسي، لكنّ الأميركيين، على ما يبدو، رفضوا ذلك في زيارته الأخيرة قبل يومين لواشنطن، فعاد خائباً ليُفرغَ حقده في سوريا.

عودة الصراع الدموي بشكل واسع في سوريا ستكونُ ذريعة لتدخل شامل، خاصّة إن ترافقَ مع بداية إنفكاك عن الجولاني، وإعلان “إدلب” مثلاً إمارة وهابية. هنا ستعود الحاجة ليس للجولاني بل للكيوت الشرع، لمحاربة الفصائل “الإرهابية” لهذا قلنا إنها “انفصام سياسي” ونضيفُ انفصام عقائدي وعسكري وإرهابي، فالمخابرات التركية، صاحبة القرار في حضرة الجولاني أحد عناصرها، والتي جاءت بعشرات الآلاف من إرهابيي آسيا الوسطى والعربان، لقتل السوريين قبل قتال الجيش السوري، هي نفسها التي ستقتلهم.

المخابرات التركية ستسابق الزمن ومعه الأميركيين والروس، لتأكيد سيطرة نظام أردوغان على هؤلاء الإرهابيين في سوريا

تأكد أردوغان أيضاً، أنّ الإرهابيين الأجانب لن يكونوا ضمن المشهد القادم في سوريا كما خطّطَ، وبتوافق دولي وإقليمي، بعد أوامر واشنطن التي سيطيعها أردوغان ومعه الجولاني وهم صاغران. لذلك من الأفضل للعثماني المسارعة بفصلهم عن “الكيوت الشرع”، حسب ظنّهِ،  ثم تحريك جيش الإخوان المسلمين لقتالهم، وبهذا يعزز نفوذ تنظيم الإخوان المسلمين قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة

فشلَ أردوغان المترنح، بتنصيب ابنه بلال حتى الآن، لأسباب تخصّ النزاهة، حيثُ انخرط بلال هذا بأنشطة “المافيا الإيطالية” ومعهُ 4 مليار دولار ، بالإضافة فضائح فساد 2013، وفضيحة مدير بنك خلق ومعه 52 شخصاً، وقضية الغاز مقابل الذهب وصفقة 9,6 مليار دولار مع إيران، والتي حماهُ منها باراك أوباما نفسهُ. مواضيع الفساد هذه تحتاج لبحث واسع. كل هذه الفضائح لم تثنِ أردوغان عن اتهام إمام أوغلو بالفساد!

  إذاً أمام أردوغان طوق النجاة السوري، وعليه إرضاء الروس والأميركيين والإسرائيليين كي يقبلوا بنفوذه على الجولاني، وشرطَ أن يصون مصالحهم. الخلاف الآن على الحصة، فهو يريدُ أن يكون الكيوت وجماعته بديلاً عن ميلشيات قسد، وأكثر قرباً من واشنطن، كخطوة نحو رفع اسم “أبي محمد الجولاني” ومَنْ والاه من تصنيف الإرهاب، لكنّ هذا يصطدمُ بأوامر واشنطن وموسكو ومعهما أوروبا والدول العربية: (تخلّصوا من الإرهابيين الأجانب)

تسعى أوروبا لإعادة اللاجئين السوريين، من خلال زيارات وزراء خارجيتها، ومنهم الألمانية بيربوك التي خُدِع بها السذج وراحوا يؤلفون عنها قصصاً خيالية، لأنهم ببساطة سُذّج. بعد إعادة اللاجئين سيتم رفعُ العقوبات عن سوريا وليس قبلها.

التخلّص من الإرهابيين وتقديم حكومة شاملة، ظاهرياً على الأقل، قد يسحب ذريعة اسرائيل من التدخل في سوريا بحجة حماية أمنها من حكم متطرف، ويعزز ثقة الغرب بنظام الشرع الكيوت، حامي الحمى وصاحب النفوذ السياسي والعسكري الأكبر على سوريا، و”انفشو” وقد يُمنح “الجنسية السورية” ونرى شهادة ميلاده في الرياض، بعد أن رفضت السعودية منحهُ إياها

في حال تحقيق كل هذا، والقضاء المٌبرم على الإرهابيين الأجانب وتنفيذ الأوامر الأميركية والروسية والإسرائيلية، سنرى تفويضاً دولياً لأردوغان ومَنْ سيخلفهُ، في الوصاية على سوريا، وسنرى تهميش ميليشيات قسد بسحب ذرائع وجودها كشريك رئيسي لواشنطن والناتو في قتال داعش وحماية الأكراد وأهل الساحل.

هدف استراتيجي آخر يسعى إليه أردوغان وهو تنصيب نفسه زعيماً معتدلاً للعالم الإسلامي السني تحديداً، يقاتل الإرهاب التكفيري وبهذا يصبح له قبولاً أكبر في الشارع. يعلم أردوغان أن الإسلام السياسي الأخواني موضوع على قائمة التصفية، لذلك سيقدم نفسه بأنه هو عدوّ التكفيريين، وصاحب الفكر الوسطي. عسى أن يرضى عنه الغرب والشرق ويدعمان حكمهُ المترنح.

أردوغان ومعهُ تركيا والوالي الكيوت، أصغرُ من مواجهة إسرائيل في سوريا وليس الولايات المتحدة أو روسيا. ولاية الوالي الجولاني في دمشق مُهددة بالانقلاب أو بالانحسار على الأقل، وبالتالي سيزعزع أركان حكم العثماني، الذي سعى وبذل وأفتى على مدار 25 عاماً، لتحويل سوريا إلى محمية عثمانية، منذ زيارات “الراحلة” أسماء الأخرس ثم صديقتها لطيفة الدروبي لإستنبول حتى يومنا هذا، ليجدَ نفسهُ فاشلاً!

على أردوغان أن يتراجعَ كثيراً للوراء، ويسحب معه الوالي الكيوت، وسيضطر  الوالي هذا لقبول حكم علماني في سوريا وتفكيك التنظيمات الإرهابية من المقاتلين الأجانب، حتى ترفع العقوبات ويتم الإعتراف بحكمه، وفوقها “التطبيع” ثم التطبيع و “غضّ الأبصار” عن الجنوب السوري والاحتلال الإسرائيلي، واقتصار “الفتاوى” و “دعوات الجهاد” لدى الغوغاء والسذج لقتال أهل الساحل ومعهم المسيحيين وتهجيرهم، ولقتال إيران وأهل اليمن، أمّا فلسطين، ففي كوكب آخر لم يسمع به المتخلّفون.

تحريك الملف السوري سيكون كبيراً خلال الأيام والأسابيع القادمة، إلا إذا نشبت حربٌ كُبرى. لن يكونَ هذا التحريكُ سهلاً على السوريين، لأنّ شيئاً لم يتغيّر، فسوريا كانت ساحة تصفية حسابات بين الدول، اليوم صارت ساحة تصفية إرهابيي 83 دولة حول العالم، بينهم إرهابيي الصين “المتفرجة”، وكله على حساب الشعب السوري. زيد م. هاشم إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 29.03.2025