هل نجحت خطة سحب روسيا لقواتها من سوريا؟ المهندس حافظ فياض، برلين. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.

 

تهدف عملية سحب موسكو قواتِها من سوريا، نزعَ أية ذريعة لبقاء القوات الأميركية وحلفائها أولاً، والتواجد العسكري التركي ثانياً. جاءت الخطوة مفاجئة للولايات المتحدة والغرب وغيرهم، وتلت التصريحات الحادة المتبادلة حول شرعية وجود امريكا و تحالفها في سوريا. تفسح الخطوة أيضاً المجال أمام الراغبين في الانسحاب من التحالف الامريكي، أو على الأقل تقليص وجودهم ضمن التحالف، لانتهاء مبررات هذا التواجد عسكرياً.

بدأت روسيا فعلياً برفع مستوى الضغط على واشنطن لإنهاء وجودها في سوريا، وهذه يجب أن تتم قبل انتهاء عمليات المصالحة، لتحقيق مكاسب أكثر بإبعاد أمريكا، وقبل أن يتم الجزم بموضوع الأكراد، الأمر الذي يُضعفُ موقف الولايات المتحدة، فتظهرُ كمعتدٍ محتلٍ حتى في نظر المعارضة نفسها، فالقوات الأميركية؛ لم تُسقط الحكم في سوريا ولم تُحارب داعش، ولم تدعم المعارضة عسكرياً كما أرادت، إذاً الهدفُ الرئيسي هو استعمار سوريا، في وقت تتأزم فيه كل المنطقة والعالم بعد الاستباحة العلنية لفلسطين والعالم العربي، ما يرفع مستوى الحنق ضد سياسات ترامب وإدارته، ويسقط كل امكانيات التغطية عليها ويكشف الغطاء عن المتواطئين معها عربيا وإقليمياً.

 

روسيا انسحبت كي تضغط على الأسد!!

عبارةٌ يرددها المشككون من محللين ومُهللين: “انسحبت روسيا لتضغط على الأسد”، عقولٌ تُثيرُ الشفقة. لقد استثمرت روسيا وجودها في سوريا، سياسياً واستراتيجيا واقتصادياً وعسكرياً، ما لم تستثمره حتى في زمن مجد الاتحاد السوفيتي، وجاءت بأحدث أسلحتها وجيشها وقدمت عشرات الشهداء، كي تنسحبَ هكذا ببساطة!!

استقطبت روسيا عدو سوريا الأهم في الحرب، تركيا، ومنحتها ميزاتٍ كبيرة وبطريقة محنكة جداً، ثم استقطبت العدو الثاني؛ السعودية، ومنحتها صفقات الاس 400 وبناء مفاعلات نووية، وغضّت الطرف عن مجازر اليمن (و هذه هي النقطة الأهم)، وسمحت بتمرير قرارات في مجلس الأمن كان لا يمكن للسعودية أن تستمر في الحرب دونها، وهذا كان مقصوداً لإشغال السعودية، واتخام جيوب الغرب بأموال الرياض المنخرطة في حرب أسعار النفط ضد روسيا و إيران.

إذاً، روسيا رتبت كل هذه التغييرات، ولم  تمنح إيران وسوريا أي من هذه المزايا، بل منحتها لكافة الدول المعادية، بالإضافة لمصر المترددة والمرتهنة للخليج وأمريكا وإسرائيل، والتي اكتفت بالتفرج على ما يجري، فمنحتها مزيداً من القوة العسكرية والدعم السياسي، لتعود لاعباً أساسياً في الشرق الأوسط، يعيد التوازن أمام التمدد السعودي والتركي، فتزداد قوة الدور السوري والعراقي، سوريا والعراق بدون مصر، ضعيفة، ومصر بدون سوريا والعراق، دولة على الهامش…  

هكذا حاك بوتين كل هذه التركيبات المعقدة، وهي بمكان آخر أيضا استثمارات سياسية بعيدة المدى لروسيا في الشرق الاوسط، و لا يمكن أن تصل لأهدافها اذا لم تُحمَ وتعزز بالرمزية المعنوية، فروسيا اليوم في أذهان العرب والعالم؛ الحليف الصادق النزيه الذي يتعامل بطريقة مشرفة مع حلفائه حين يقتضي الامر، وهذا ما دفع الخليج ومصر وتركيا للابتعاد عن أمريكا التي لا تزال تحكم بعقلية الهيمنة الأحادية السياسية، والاقتراب اكثر من روسيا المتوازنة الملتزمة بالقانون الدولي وسيادة الدول، وسوريا في كل هذا كانت الجذر والدرع وستبقى الأساس بالنسبة للعلاقات الروسية السورية الشرق أوسطية هذه.

سوريا فتحت باب المشرق لروسيا ومنحتها فرصة ذهبية للعودة إلى سدة العالم، روسيا تعلم علم اليقين أنّ بقاء الرئيس الأسد هو الضامن الوحيد لاستقرار سوريا، وللحفاظ على ما جنتهُ روسيا، واستقبالهُ في سوتشي استقبال الأخ والصديق، مقارنةً باستقبال مُذلٍ زعماء آخرين مثل أردوغان وملك السعودية ونتنياهو وتميم، ليس محض صدفة…

حتى تركيا التي تراوغ بمصير الأسد، تُحافظُ على قرار سياسي مموه، والذي تم الجزم به بعد الاتفاق على صفقة الاس 400 والمفاعل النووي وأنبوب الغاز والسياحة والتصدير، وهي فقط تحاول أن تحافظ على تحالفاتها التاريخية الامريكية الغربية الخليجية باللعب في الجهتين.

مجنون بل غبيٌ كل من يعتقد أن روسيا انسحبت

روسيا أصبحت راسخة بقوة و تمتلك كل مفاتيح الصراع وبعد أن أنهت تطويق الازمة، واتفقت مع طهران وأنقرة والقاهرة وحتى بغداد، على طرد واشنطن من سوريا، كان من الضروري ان تنسحب أولاً، وليبدأ الضغط على القوات الأميركية والأكراد و الطرق متعددة… فشرعية أمريكا سقطت و حين تذهب، تلحق بها شرعية الأكراد، وهذه مصلحة مشتركة لسوريا وتركيا والعراق وإيران وجميع من يرفض نزعة الاكراد الانفصالية.

لا يمكن بشكل من الاشكال التصور أن روسيا بوتين ستقبلُ أن تبني الولايات المتحدة قواعد عسكرية كبيرة بهذا الشكل السافر، قواعد تحاصرها أكثر وأكثر من الجنوب،  وتعطل إمكانية استثمار وجودها وتحركاتها وبهذا الشكل الخطير والمهين وغير الآبه بالدول والقانون الدولي، لذلك ترقبوا القادم؛ فهناك حلول كثيرة وعديدة اصبحت فيها روسيا الان خارج المسؤولية مما سيطلق يد سوريا وحلفائها في العمل بطريقة أكثر فعالية، وتحت كل هذه المعطيات و الضغوطات لا يمكن أن تستمر أمريكا في وجودها المحدود و العقيم اصلا والذي لم يثمر في ذروة الاحداث… فهل سيثمر الآن بعد النصر؟ المهندس حافظ فياض. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 16.12.2017.