الصراع على صِدام الحضارات. الدكتور جميل م. شاهين 2016 آذار

26.03.2016. مركز فيريل للدراسات. مدير المركز الدكتور جميل م. شاهين. “عندما تكونُ الأحداث ضدّ مجموعة ما؛ هي مؤامرة، وعندما تكون ضدّ أعداء هذه المجموعة؛ فهي ديموقراطية”.

ديموقراطية وحرية زرعَها أصحابُ القرار في عقول المليارات، التي اصطلحَ على تسمية سلوكها herd behavior سلوكُ القطيع. أفكارٌ وهمية بعضها بقيَ وهماً، وبعضها الآخر تحولَ لحقائق! دون أن يبذلَ المروّجونَ أي مجهود عسكري، فقط ترويج إعلامي. زرعوا تعابير:


الحرب الصليبية، الإسلاموفوبيا، الحرية، الديموقراطية و الشعب يريد إسقاط النظام، والقطيعُ يُردد ببلاهـة: “الشعب يريدُ إسـقاط النظـام“.

القطيع نفسهُ يريد تطبيق الشريعة في بلاده، لكنـه يفرّ كالجرذان للعيش في بلاد الكفّار! يريد الحرية لنساء العالم، والبرقعَ لزوجاته، يُباركُ القطيعُ تفجير مدرسَة ابتدائية في حمص، ويستنكرُ تفجيرات بروكسل!

تفجيراتٌ مُدبّرةٌ هي الخطة التي بُثتْ عام 1993 على لسان James Woolsey، مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية الذي قال: “كما نجحنا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وضدّ الاتحاد السوفيتي، علينا إقناع المسلمين حول العالم بأنهم عبيد، سنجعلهم متوترين، وسنجعل آل سعود ونظام حسني مبارك متوتراً، بعد أن ننجح في العراق، سنتفرغ لسوريا وليبيا ودول أخرى، ونقلب أنظمة الحكم فيها، هنا سيأتينا آل سعود شاكين، قائلين: نحن متوترون جداً جداً.

نجيب: هذا جيد جداً، هذا مانريدهُ، تأكدوا أنّ الولايات المتحدة وحلفاؤها قادمون للزحف وسوف ننتصر، وسوف يشعرُ المسلمون أننا بجانبهم ضدّ أنظمتهم الديكتاتورية”

هل هناكَ كلامٌ أوضح من هذا؟ أليسَ العالم الإسلامي بحكامه وشعوبه الآن من الرباط إلى جاكرتا، كُرةً يتقاذفهـا الكبار بين أقدامهم؟ المأساة أنّ القطيعَ مُقتنعٌ أنّهم الأفضل بين العالمين!

العالم الإسلامي؛ كُرة يتقاذفها الكبار

الكُرة التي يتقاذفهـا الكبار بين أقدامهم كتب عنها صموئيل هَنتينغتون 1993، مقالة بعنوان “صراع الحضارات” في مجلة فورين آفيرز، ثم اتبعها بكتابه الشهير بنفس العنوان 1996، انتشرت أفكار الكتاب النظرية فنفذها القطيع وأصبحتْ حقيقة. لا شكّ أنَ صموئيل عالم سياسي عبقري، فهل اسـتفاد أصحاب القرار من أفكار هَنتينغتون أم العكس؟ في الحالين، سـوّقتْ أفكـارهُ للشعوب، فتحدّث منذ ذلك التاريخ عن: الصراع بين عشر حضارات رئيسية في العالم، تقسـيم أوكرانيا وحرب دموية فيها، تركيـا سـتكون متسـوّلاً ذليلاً على أبواب أوروبا وتقبض على خيوط العالم الإسلامي، ثم ركز هنتغتون على الإسلام وقال بأنّ “حدود الدول الإسلامية الداخلية والخارجية دموية“، ويقصد صراعات المسلمين مع الأديان الأخرى؛  السودان، الهند، الباكستان، الصين، أرمينيا، صربيا إلخ. والصراع سيكون بين العالم المسيحي بقيمه العلمانية من جهة، والعالم الإسلامي من جهة أخرى.

من جهـة، فشلت هذه الطروحات على الأقل حالياً ونحنُ في العام 2016، في خلق صدام الحضارة اللاتينية أو الصينية أو الهندية أو الأفريقية فيما بينها أو مع الغربية، لكنها نجحت في بلورة الصراع بين الإسلاميين والغرب، على أنه صدام بين الحضارة الغربية والإسـلامية 

لم يكن النجاح بسبب ذكـاء الغرب فقط، بل بسبب انسياق مئات الملايين من المسلمين وراء أحلام وأفكار وفتاوى خادعة، غرزها في عقولهم رجال الدين وزعماء الدول الإسلامية الذين يعملون لخدمة الغرب، ليبدأ التصادم منذ دخول الجيش العراقي الكويت بخطّ تصاعدي، فتكون تفجيرات بروكسل آخر أحداثه التي لن تنتهي.

الانصياع الإسلامي للغرب

ممن قادوا هذا التوجه إسلامياً: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، جامع الأزهر، الأخوان المسلمون، آل سعود، صدام حسين الملك حسين، الرئيسان التركيان توركت أوزال رجب طيب أيردوغان، أما زعماء إيران فقد أيدوا مسلمي البوسنة في حربهم ضدّ الصرب، وساروا مع تيار الإخوان المسلمين، لكنهم سيجنون شوكاً نتيجة ذلك.

زرعُ تلك الأفكار في رؤوس القطيع جعلهم يعتبرون أيّ حركة من الغرب، هدفها القضاء على الإسلام والمسلمين! فالحرب على العراق هي حرب على الإسلام، وكذلك الحرب على سوريا والتي ساهمت فيها روسيا، اعتبرها مئات الملايين حرباً على الإسلام، حتى الحرب على تنظيم القاعدة وأخيراً داعش. جميع هؤلاء الزعماء ضدّ داعش في العلن، لكنهم لا يتمنون القضاء عليها.

القضـاء على الفكرة كان بالتلاعب بها على لسان جون كيري، عقب تفجيرات باريس: “ما حصل ليس جزءاً من صراع الحضارات، بل بين الحضارة وأعدائها.”

أي تمّت صياغة فكرة أكثر خطورة وهي “الصراع بين الإسلام والحضارة الغربية” دون استخدام كلمة الحضارة قبل الإسلام، فالمسلمون أعداء الحضارة.

المسلمون أعداء الحضارة

المسـلمون أعـداء الحضـارة؛ هذه الفكرة التي يُبنى عليها الآن في الغرب والشرق، ويُعززها الذين يُطلقون على أنفسهم “مجاهدون”، ومن ورائهم عشرات بل مئات الملايين من المؤيدين أو المتعاطفين معهم ومع أفكار داعش. الفكرة استقطبت معظم الشعوب، بما في ذلك الأوروبي والأميركي، وباتت الحركات والأحزاب اليمينية تكتسحُ الانتخابات، فحزب بيغيدا PEGIDA الذي يحمل شعاراً كان يُعتبر في الماضي نازياً:

يجب طرد المسلمين من أوروبا نظرًا لعددهم المتزايد، الذي قد يؤدي إلى أسلمة أوروبا مستقبلًا، وتحويلها إلى قارة ذات أكثرية إسلامية”.

هذا الحزب رُخّصَ لهُ، وتلقى تمويلهُ من رجال الأعمال الألمان، وابتدأ بعدد 350 عضواً في 20 تشرين الأول 2014، ليضمّ بعد سنة 25 ألفاً، حسب الإعلام الرسمي الذي يُقللُ دائماً من أهمية هذا الحزب. أما حزب AfD الألماني، فهنا بيت القصيد تذكروا هذا الاسم جيداً، رغم أننا نؤيد بعضَ أفكارهِ في مركز فيريل للدراسات، وبالتحديد كي لا يقفزَ الجهلة ويستغلون تلك الكلمات، نؤيد:

“تُحلُّ أزمة اللاجئين، بوقف التدخلات الخارجية في شؤون الدول المستقلة مثل: ليبيا وسوريا والعراق. نحنُ ضدّ سياسات زعزعة الاستقرار، التي يمارسها حلف الناتو والولايات المتحدة؛ الأمر، الذي يؤدي إلى تدمير دول مستقلة، وخلق مشكلة جديدة للاجئين.”
من أفكار الحزب التي تروق لنا أيضاً: “التوقف عن تمويل المساجد في ألمانيا من قبل تركيا والسعودية.”. “رفع العقوبات عن سوريا”.

لكن الحزب يقول يُعلنُ صراحةً: “لا لأسلمة أوروبـا. لا للحجاب. ألمانيا دولة مسيحية.” هذا حقهم، فإن طلبنا من الألمان بناء جامع في برلين، على السعودية أن تبني كنيسة في الرياض.

في الرياض لن تبنى كنيسة، لأنّ دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، وعدَ في حال فوزه بإغلاق المساجد، ومنع كليّ لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، بعد أيام من إطلاق النار الدامي في كاليفورنيا، مستنداً لاستطلاع رأي أظهر أنّ المسلمين يكرهون الأمريكيين، وهو ما يشكل خطراً على أميركا.

أميركا واحدة من أصحاب القرار الذين يقودون الحملة، والقطيعُ ينساق، والانتحاريون الباحثون عن الحوريات أصبحوا في غرف نوم زعماء أوروبا، تماماً حسب المخطط، التفجيرات لن تنتهي والأبرياء سيموتون، والحرب باتت إعلامياً وفي الفكر الشعبي الغربي بين “الإسلام والحضارة”، بينما باقي وسائل الإعلام مشغولة ببرامـج “ماتقولهُ لك النجوم.”. مركز فيريل للدراسات، مدير المركز الدكتور جميل م. شاهين. 25.03.2016. Firil Center For Studies: Berlin: Germany