
قسد تقصمُ ظهرَ البعير. هل فرَضَتْ قسد شروطها على مجهولي النَّسَب؟ إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. الباحث السوري زيد م. هاشم. 16.10.2025. الواضح أنّ الإدارة الأميركية لا تثقُ بجماعة الجولاني الإرهابية، رُغمَ أنهم أكثرُ الجماعات السلفية ركوعاً ورضوخاً لها ولتل أبيب، لكنها تثقُ بميليشيات قسد نوعاً ما، حيثُ تراها جماعة سورية محلية معتدلة، يُمكنُ إدخالها في هيكلية الجيش السوري، الذي يُفترضُ أنه وطني!
داعش هي المشجب دائماً!
الواضح أنّنا نقتربُ بخطواتٍ واسعة من تحقيقِ الأهداف التي جاؤوا بحكومة المتخلّفين من أجلها. من هذه الأهداف؛ انفصالُ وتقطيعُ أوصال سوريا تحت مُسمى “حكم لا مركزي” أو “فيدرالية”. طبعاً مازلنا في مركز فيريل عند رأينا بأنّ الفيدرالية؛ خطوة نحو الانفصال بغضّ النظر عن التسميات المخادعة. تصريحات مظلوم عبدي، وهي بحقيقة الأمر تعليماتُ واشنطن وتل أبيب، تؤكد ليس رضوخ الجولاني للشروط وحسب، بل ركوعه، عسى أن يبقى ولن يبقى.
واشنطن تأمرُ:
نريدُ جيشاً سورياً “معتدلاً”، يُدافعُ عن إسرائيل. الإرهابيّون بزعامة الجولاني قاموا ويقومون بالمهمة، لكننا لا نثقُ بهم. الجميع راكعٌ لنا لكننا نريدُ راكعين جديرين بالثقة! وهل هناك أفضل من ميلشيات قسد؟ قسد ستدخلُ ضمن صفوف الجيش لكن ستُحافظُ على كيانها الانفصالي، بحيثُ تتمرّد في أية لحظة تأتيها أوامرنا.
العدو الافتراضي الذي تستطيعُ واشنطن استحضارهُ كلّ لحظة هو داعش، لكن قبلَ ذلك يجب أن تقوم المجموعات الإرهابية الأخرى بلعبةِ التصفيات، للوصول إلى النهائي الذي قد يكون “اللعب” مع عدوٍّ خارجي غير داعش، أو يمكن ربطهُ بها على طريقة “أكذوبة” سلاح الدمار الشامل العراقي. لدينا إيران وقبلها العراق وحزب الله واليمن، هؤلاء لا يمكن ربطهم بداعش بسهولة، بسبب الاختلاف الطائفي، فالأسهل ربط تركيا، المربوطة أصلاً.
ركعَ الجولاني مراتٍ ومراتٍ، آخرها تصريحه بأنه اختلفَ مع التنظيمات الإرهابية، لهذا تركها. وسوف يُحاربها إن طلبوا منه ذلك، يتوسلُ البقاءَ على الكرسي فقط، وسيفعلُ لكم ماتشاؤون، ولن يرضوا عنه، لهذا لم يبقَ أمامهُ سوى الاستنجاد ببوتين!
بدون قسد؛ جماعة الجولاني ساقطون، ومعها أيضاً سيسقطون!

دخل الجولاني وجماعتهُ في تحالف محاربة الإرهاب. والإرهاب هنا حسب المزاج الأميركي وليس العثماني، لهذا نتوقعُ في مركز فيريل حرباً بين الفصائل الإرهابية في معظم المناطق السورية، تصلُ نيرانها إلى الدول المجاورة. أي بتعبير طائفي (حرب سُنّية ـ سنّية) العملية بدأت فعلياً أثناء كتابة هذه السطور، فقد عُثر صباح السبت 11 تشرين الأول 2025 على جثة هاني الجدعان، عنصر في شرطة الجولاني، القتل جرى برصاصة برأسه في الصرمان، جنوب مدينة معرة النعمان، بعد ساعات فقط؛ لقيَ (صدام الحميدي، أبو عدي)، إدلب سرمدا، مصرعه برصاصة في رأسه أيضاً، صدّام هذا مُدّرب رياضي في وزارة الجولاني، والمسؤول الأول عن تدريب “العصائب الحمراء”. سبق أن تعرّض لمحاولة اغتيال فاشلة قبل شهرين في السفيرة ريف حلب الشرقي.
بنفس التوقيت، أي مازلنا يوم السبت 11.10.2025، حاول مسلحان اغتيال الإرهابي أبو سعيد رأس الحصن، ضابط في جيش الجولاني، المحاولة جرت عند الحاجز الأسود، كفرلوسين شمال مدينة إدلب. أبو سعيد هذا، صديق مُقرّب من الإرهابي الجولاني وقيادي في تنظيم جبهة النصرة، وهو الذي استقبلَ (أبا بكر البغدادي) في منزله عندما زار الأخير سوريا. كذلك هو المسؤول المباشر عن استلام أموال “الفدية” والأتاوة التي كان يفرضها الجولاني على أعدائه، قبل تشكيل هيئة تحرير الشام.
إذاً عمليات الاغتيال التي بدأت منذ تسليم جماعة الجولاني الحكم في سوريا، وبلغت أكثر من 24 عملية اغتيال حتى تاريخه، هي اليوم بصيغة أخرى متسارعة، حيثُ تطال زعاماتٍ عسكرية مُقرّبة من الجولاني. مع إنفلات أمني غير مسبوق. نرى في مركز فيريل أنّ هذه الاغتيالات جاءت لسببين؛ الأول؛ تلبية أوامر واشنطن بالتخلّص من بعض الزعامات، خاصة الإرهابيين الأجانب والمنفذ واحد من داخل السلطة المؤقتة. والثاني لمنع تمرّد التكفيريين الرافضين لركوع الجولاني. مع التنويه لحصول اغتيالات لأسباب جنائية أو ثأرية، ولكنها لا تُشكل أكثر من 10% منها.
لا تريدُ واشنطن أن تخرج الأمور عن السيطرة في سوريا، لهذا تُسارع لاقحام قسد ضمن صفوف الجيش، فالجولاني بدون قسد سيسقط، لأنه أضعفُ عسكرياً من مواجهة أيّ تمرّد، والسويداء أكبر شاهد على ركاكة مقاتليه حتى لو جاؤوا بمئات الآلاف منهم. بدخول قسد صفوف الجيش وسيطرتها على 40% منه، يمكن تحريكهُ ضد أيّ تمرّد وبالتالي لا داعي لوجود الجولاني، فهو لا يفرض سيطرةً تتجاوز حدود دمشق الغربية، فما الحاجة لإرهابي لم تستطع واشنطن ومعها الغرب والعربان، غسلَ أياديه وأيادي أتباعهِ من دماء الأبرياء، إذاً؛ عليه أن يرحل، لكن إلى أين؟ سنوضحُ هذه النقطة بعد قليل.
مناف طلاس لزعامة سوريا أم الجيش؟
طالما نفى مناف طلاس في محاضرته بباريس التي نشرنا عنها، أيّة نيّة له باستلام الكرسي في سوريا، فهذا النفي هو تأكيد. ربما لا يمتلكُ شخصياً هكذا أطماع، لكن الذين حولهُ وداعموه يمتلكون بالتأكيد، وسيحاولون إيصاله إلى قصر الشعب ولو على حساب الشعب.
مع محاولة بناء نواة جيش سوري جديد، بمقاس إسرائيلي، بدأ فعلياً، وحسب معلومات مركز فيريل، تسليمُ ضباط منشقين مما سُمّيَ سابقاً بالجيش الحرّ، مراكزَ إدارية عسكرية، بالتنسيق مع ميليشيات قسد ضمن “تحالف محاربة الإرهاب”. هذه أوامر واشنطن للجولاني بالإضافة لمحاربة الإرهاب. مع اكتمال خطوة تشكيل هكذا جيش، يأتي دور قيادة جديدة، قد تتفقُ فيها باريس مع واشنطن والرياض على تسمية وزير للدفاع، وهل هناك أنسب من ابن مصطفى طلاس؟
نظرياً على الأقل؛ الحاجة لبقاء الجولاني مستمرة حالياً، لهذا تُحافظُ هذه الدول على حياته ريثما يتمّ تثبيتُ “الأمر الواقع”، وهو:
تفتيت سوريا وتقاسمها، الطائفية، تثبيت الاتفاقيات غير القانونية مع تل أبيب، فهو “السنّي” المدعوم من قطيع من المُغيّبين فكرياً وعقلياً، أو من الداعمين المنتفعين المتلونين، مع صمت البقية من السوريين، ولكلّ أسبابهُ حسب زعمه.
متى سيُرحّلُ الجولاني؟
هناك اتفاق ضمني أنّ الجولاني شخصية مُصنّعة جاؤوا بها لتنفيذ مرحلة مؤقتة. ظنّتْ واشنطن في البداية أنّ بإمكان هكذا شخصية “وهمية” أن تتحوّل إلى حقيقية، وفشلت. لهذا يجب الإسراع بتمرير الإتفاقيات “غير القانونية” عبر هذه الشخصية المصنوعة، وعدم الانتظار خمس سنوات.
في البداية؛ صُوّرَ “مجهول النسَب” كمُمثّلٍ للأغلبية السنية، من قِبَلٍ وسائل إعلام الخليج، لكنه بعد افتضاح أمره مع عصابته، تراجعت هذه الأغلبية لتصبحَ أقلية سنية مؤيدة. نعم الغالبية السنية لم تعد تريدهُ مع كافة عناصر “حكومة المتخلفين”.
باقي الطوائف ترفضهُ منذ البداية، لكنها مشغولة بحماية نفسها من جرائمهِ وتأمين لقمة العيش، ولن تعترض على تلك الاتفاقيات ولو كانت مع الشيطان، المهم أن تتخلّص من الشياطين.
الجولاني في أسوأ وضع منذ عودته إلى سوريا قادماً من بغداد، بعد عملية استبداله في العراق، والتخلّص من أحمد الشرع الحقيقي، تلميذ “آصف شوكت”! وهذا تلميحٌ من مركز فيريل للمرة الثالثة لمَنْ يُدرك.
حياةُ الجولاني اليوم على كفّ عفريت، فأول طالبي رأسه هم رفاقهُ الذين غدر بهم، وهو الأكثرُ غدراً بتاريخ التنظيمات الإرهابية. التمرد التكفيري الإرهابي بدأ ومن إدلب نفسها، يترافقُ اليوم بتمرد قسد والسويداء والساحل السوري عليه، فعلى ماذا يُسيطرُ هذا “المجهول”؟ فهل تكفي حماية واشنطن “المتراخية” ومعها قطر وتركيا، لمنع الوصول إليه؟ أمام هذا الوضع السيء، مَنْ سيُنقذهُ بعد أن تركهُ “أسيادهُ”؟
الجولاني يستغيث ببوتين لنجدته!
فخذٌ في نيويورك والأخرى في موسكو، هذه حال جماعة مجهولي النسب، واشنطن “نفضت” أيديها منهم، والعربان ومعهم العثمانيين في مرحلة ما قبل “النفض”، فهل ستنقذهم موسكو؟
أجّلَ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القمة الروسية العربية، بسبب اللهاث العربي والإسلامي وراء دونالد ترامب، ويبدو أنّه من الأفضل لبوتين إلغاء هذه القمة. فالتمحور بدأ واضحاً، وقد خسرت روسيا معركة السيطرة على الشرق الأوسط وعليها الاعتراف بذلك، فلم تُذكر بين الدول التي تُحارب “الإرهاب”، وهذه حال مجهولي النسب، فلم تتم دعوتهم لحضورها في شرم الشيخ.
الوحيد الذي أكّدَ حضور القمة هو الجولاني! من بين زعامات الدول العربية الـ22! لهذا وصلَ البارحة إلى موسكو وكان هذا التأجيل لصالحه، حيث أنّ جدول أعمال بوتين كان فيه ساعتان كاملتان للقاء الوفود العربية المزعومة.
قُبيلَ سفر الجولاني إلى موسكو، بدأت البروباغندا الإعلامية حول أسباب الزيارة ومطالبه من بوتين، السذّج فقط صدّقوا هكذا أكاذيب كما صدقوا من قبل رفع العقوبات عشرات المرات. لم نتوقعَ في مركز فيريل استقبالاً أفضل، وهذه أمور لن نقفُ عندها. بل عند رفع سقف “الشجاع الكاسر” الجولاني بطلب “رأس” بشار الأسد، وكأنه الملاك التقي الورع صاحب الأيادي البيضاء:
إرهابي مُدان بقتل الآلاف بينهم 622 طفلاً واغتصاب 1002 فتاة، ومطلوب لكافة دول العالم، مُصنّفٌ إرهابي، غدر بأهل بيته قبل رفاقه، بالإضافة لعمليات السلب والنهب والخطف. هكذا مجرم يُطالبُ بمحاكمة رئيس دولة سابق!
ردّ الكرملين على تُرهات الإعلام الجولاني فوراً بالقول: (تقتصرُ جلسة المباحثات على الوضع الراهن، وعلى تطوير العلاقات الروسية السورية في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية، إضافة إلى آخر التطورات في الشرق الأوسط)، فأين هي مناقشةُ تسليم بشار الأسد؟. طبعاً جرى الحديث حول القاعدتين العسكريتين الروسيتين في سوريا، وإذعان سلطات الأمر الواقع للشروط الروسية مقابل “دعم شكلي” لاستمرارها، ولو إلى حين.
إذاً؛ نهاية الجولاني بدأت من الأستانة؟
بعد إغلاقِ ظهْر البعير وإثقالهِ بالأحمال حتّى تقرّحَ، وإذلالهِ بإناختهِ طويلاً. جاء وقتُ ذبح ذاكَ البعير وسلخه مع خِفافهِ، ظنّاً منهم أنّ استنساخَ بعير آخر سيجعلهم جمّالاً، فمَنْ هوَ البعير الجديد؟
رمى رامبو الكرة بملعب رجب طيب أردوغان، نافخاً فيه باعتباره عرّابُ ما جرى في سوريا، والوصي على التنظيمات الإرهابية الإسلامية العالمية، وسيّد الجولاني وجماعته، وخليفة المسلمين.

تصريحات البيت الأبيض والبنتاغون حول إعادة تموضع الجيش الأميركي في العراق، بحيث يتمركز بشكل أكبر شمال البلاد وشرق سوريا، والهدف الكاذب هو محاربة داعش. تحت هذه الذريعة رفض مظلوم عبدي تسليم الرقة ودير الزور لسلطات الجولاني، مُطالباً بتثبيت اتفاق 10 آذار في الدستور الجديد. هكذا اتفاق يعني تقليص الدور التركي في سوريا، ومعه تلاشي آمال جماعة الجولاني بالسيطرة على أكثر من 50% من سوريا، كحد أقصى. مع الحديث دائماً عن “السيادة” والبطولات الورقية. بناءً عليه، طار الإرهابي أسعد الشيباني إلى سيّده الإرهابي هاكان فيدان، لتلقي الأوامر والشكوى من ضيق الحال، فماذا “سرَّ” له فيدان؟ هل من بديل يُطهى على نارٍ هادئة في الأستانة عوضاً عن الجولاني التي انتهت صلاحيته؟ لاشكّ أنّ الاتفاقَ مع قسد قصمَ ظهرَ البعير، وفرَضَتْ قسد شروطها على مجهولي النَّسَب؟ إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. الباحث السوري زيد م. هاشم. 16.10.2025. الدكتور جميل م. شاهين. للموضوع متابعات قادمة