إدلب؛ أما وصلنا بعد إلى المرحلة النهائية؟ زيد م. هاشم إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.
أما وصلنا بعد إلى المرحلة النهائية من العمل العسكري، أم سنبقى في المرحلة ما قبلها؟
خطوة تجميع الإرهابيين في إدلب كانت صحيحة، وهذا ما ذكرناه في مركز فيريل منذ بدئها، شرط أن يتلوها عمل عسكري واسع يترافقُ مع فرار الإرهابيين بذات الطريق الذي جاؤوا منه وهو تركيا. الذي حصل أنّ أعداء سوريا في أنقرة وواشنطن ومعهم الناتو، استطاعوا الالتفاف على الخطة السورية بتمثيليات الكيماوي ومنع تحرير المحافظة بالتهديد بضربات عسكرية.
اتفاق إدلب تحوّل عن مساره
جاءت “أستانات” وسوتشي ثم اتفاق إدلب لتشكل “هدنة مؤقتة”، هذا هو المفروض… هدنة مؤقتة وليست وضعاً مستداماً.
التعقيدات والحسابات السياسية والعسكرية المتعلقة بالملفات المرتبطة بتركيا ووالولايات المتحدة وروسيا وطبعاً حسابات دمشق مع الجميع، هي التي خلقت اتفاق (خفض التصعيد)، وهي خلاصة مباحثات عميقة بين الدول الضامنة توصلت بالنتيجة لوقف إطلاق النار كمرحلة أولى، ثم التدرج بخطوات متفق عليها للدخول بالحل السياسي… بالتأكيد كان الاتفاق ضرورة ولم يكن خطأً من القيادة السورية، والذي كان يُخطط لهُ من أطراف الاتفاق كلّ على حدة هو:
- فصل جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية، عن بقية فصائل المعارضة التابعة لتركيا. نجح الأمر بسيطرة النصرة على معظم محافظة إدلب، وهذا أمر هام بالنسبة لسوريا وروسيا، كون النصرة باعتراف الدول منظمة إرهابية عالمية، وهي تُشكّل القوة الأكبر التي تهدد الحل السياسي وتشكل خطراً على اللاذقية وحلب وحماة وقاعدة حميميم. كما أنها تمثل ذراع تنظيم القاعدة الإرهابي، وهو شمّاعة واشنطن للتدخل في أي مكان يتواجد فيه
- التوصل لاتفاق بشأن ما يسمى الجيش الوطني، أو ما أسميناه في مركز فيريل “جيش الإخوان المسلمين في سوريا، وهو قوة عسكرية أشرف على تشكيلها أردوغان بدعم مالي من قطر، والمخطط له من قبلهما دعم عسكري إخواني للسياسيين من الإخوان المسلمين الذين سيشغلون مناصب هامة في الدولة السورية “القادمة”. باختصار؛ الاتفاق بشأن جيش الإخوان لم ولن يحصل مع القيادة السورية.
- اللجنة الدستورية والتي تتألف، حسب التعابير المستخدمة، من ثلث موالٍ وثلث مستقل وثلث معارض. تسيطر دمشق على الأغلبية فيه، بينما يسيطرُ الإخوان المسلمون على حصة المعارضة، ويُشكّلون حلفاً مع أنقرة وواشنطن والدوحة، وطبعاً… تل أبيب. وجود الإخوان في اللجنة الدستورية يؤمّن غطاءً قانونياً وتشريعياً مستقبلياً لدخولهم في الحل السياسي تمهيداً للاعتراف بهم كحزب سوري مشارك في الحكومة، أي زرع خنجر سام في سوريا يتم تحريكهُ كلما دعت الحاجة.
الإخوان المسلمون يفشلون في الدخول من النافذة
دمشق رفضت وساطة طهران للتقارب من أنقرة، وهذا ليس سراً، فقد كلفها أردوغان بالتوسط لبحث ملف الإخوان المسلمين وإشراكهم في الحكم بسوريا. بصراحة أيضاً، طهران لا تُمانع…
الردُّ السوري جاء واضحاً بكلام الرئيس بشار الأسد حول “الإخونجي والعميل الصغير للأميركي” أي أردوغان.
فتح سفارة الإمارات والبحرين ونشاط سفارة مصر، والالتفاف السعودي الحالي حول إرسالها موظفين لسفارتها بدمشق بحجة إصدار تأشيرات للحجاج السوريين، هو ردّ آخر من دول تنصبُ العداء لتركيا وتنظيم الإخوان.
دمشق لن تقبلَ وجود الإخوان المسلمين في سوريا بأي شكل أو صيغة.
الانفتاح العربي نحو سوريا تمّ لجمهُ بأوامر من واشنطن، لكنّ الدول العربية المعنية بمحاربة الإخوان ضاقت ذرعاً بأوامر البيت الأبيض، فإلى متى ستنتظر؟ ليس عشقاً بسوريا ولكن للحفاظ على حكمها في بلادها بعيداً عن العثمانيين والإخوان والدوحة المتآمرة.
أمرٌ آخر؛ دعمُ حلف السعودية للأكراد شمال سوريا يدخلُ من باب مواجهة النفوذ التركي، وهذا الملف خلط الأوراق بين أنقرة وواشنطن، فكان إلى حدّ ما وضمن الوقت، لصالح سوريا. الرد التركي كان التهديد والوعيد بسحق الأكراد…
لهذا باتت تركيا أمام خيارين في سوريا
الخيار الأول: تسليم رأس جبهة النصرة في والتعاون مع دمشق وموسكو في اتمام اتفاق الأستانا، والقيام بعمل عسكري مشترك ضدها، مقابل ضرب المشروع الكردي بتحجيمه وتخفيف حدة الخطر الذي يشكله على الأمن القومي التركي. ثم الانسحاب تدريجياً من سوريا وسحب تنظيمات الإخوان أو تسليمها السلاح والدخول بمصالحة شبيهة بما حدث بأرياف دمشق وريف حمص الشمالي ودرعا.
الخيار الثاني: التوافق مع أمريكا والناتو في إدلب وشمال سوريا مقابل تسليم رأس الأكراد لها ضمن معادلة ترضي تركيا. في هذه الحالة ستكون هناك خطوات تصعيدية من قبل حلف دمشق موسكو، لكنها مازالت خطوات غير واضحة.
تركيا بخبثها المعهود تناور وتحاول السير في الخيارين معاً، والهدف الرئيسي كسب الوقت وفرض الأمر الواقع، فهي تؤكدُ من جهة على استمرار التعاون مع موسكو، ومن جهة تعملُ ضد إرادة موسكو…
الموقف الروسي
كما أكدنا مراراً؛ روسيا في سوريا من أجل مصالحها أولاً وثانياً. هي تريد إبعاد أنقرة عن واشنطن في سوريا كون تركيا صاحبة التأثير الأكبر على المعارضة، وبالتالي الاتفاق مع الأتراك على إيجاد حل في سوريا هو المفضل على الخلاف لسببين، طبعاً بالإضافة لمصالحها الاقتصادية الكبيرة مع أنقرة:
استمرار التوتر بين الناتو وواشنطن من جهة وتركيا من جهة أخرى في الملف السوري، هنا يمكن تثبيت المصالح الروسية في سوريا بهدوء بعيداً عن الضوضاء.
ازدياد سعة الشقاق التركي الأمريكي والاستثمار فيه، مقابل علاقة واشنطن المميزة مع حلف السعودية عدو أنقرة، سيجعل أردوغان يلتجئ للروس دائماً في الملف السوري، وسيجبره على اتباع سياسة مسك العصا من النصف بانتظار اتفاق الكبار، والذي سيكون حرقُ الأدوات “منتهية الصلاحية” والمقايضة في ملفات إقليمية كبيرة، والتي تحقق المصالح المشتركة بين واشنطن وموسكو.
الوقت بات ليس لصالح سوريا
عندما كانت موسكو تعمل لصالح سوريا، أنصفناها وقلناها في مركز فيريل… الآن الجميع يشتغلُ على “عامل الوقت” ويبدو غير مستعجلٍ بما في ذلك روسيا.
الذي علينا “إفهامهُ” للحلفاء، على فرض أنهم لا يعرفون؛ أنّ النار تشتعلُ في سوريا وليس في دولة أخرى، كما أنّ اقتطاع جزء أو أرضٍ يتم على حساب سوريا… والشهداء الذين يصعدون يومياً هم سوريّون… لهذا الجميع باردٌ ويُساوم ويجتمعُ ويُصرّح ويُسوّف… ولن يتحركوا إلا إذا وصلت النيران لأسوارهم.
الوقت بات ليس لصالح سوريا، والقضاءُ على جبهة النصرة والتنظيمات الإرهابية أصبح هدفاً آنياً لسوريا.
تركيا تريد إذابة جبهة النصرة في جيش الإخوان المسلمين، وتوطين السوريين الذين حصلوا على جنسية عثمانية في الشريط الحدودي المزمع إنشاؤه وفي إدلب، تمهيداً لفصله لاحقاً، لهذا هي غير مستعجلة في الحل.
فليعذرنا أصحاب الخبرة إن قلنا أنّ تحركاً عسكرياً للجيش السوري بات ضرورة، شاءت أم أبت موسكو. والتصريحات الروسية لن تُقدّم الحل ولن تكون إبرة مخدرة كما قال لافروف اليوم في الدوحة: “لا أرى حاجة لتشكيل أيّ مجموعات عمل حول سوريا. هناك عملية أستانا المتعارف عليها من قبل الجميع، والتي تخوض تحت سقفها الحكومة السورية والمعارضة المسلحة مفاوضات ناجحة بوساطة تركيا وروسيا وإيران“.
هجوم تنظيم “أشبال التوحيد” الذي يقودهُ الإرهابي
أبو مالك التلي البارحة في جبال التركمان ضد الجيش السوري شمال شرق اللاذقية. بالإضافة
لهجوم “أنصار التوحيد” عند جبهة “المصاصنة” بريف حماة، وعشرات
الاختراقات وقصف المدنيين وصعود عشرات الشهداء… أليس كل هذا كافٍ أمام الرأي
العام والحليف الروسي للبدء بعملية واسعة في إدلب؟
الاستعدادات العسكرية لم تعد سبباً، والحديث عن عملية معقدة وبحسابات عسكرية،
تنفعُ مع جيش “أغرار” وليس مع الجيش السوري. أما عن خشية سقوط شهداء،
فهل الذين يسقطون الآن هم من جيش قطر؟
عمليات عسكرية محدودة تقتصرُ على قصف هنا وهناك لا تكفي. الإرهابيون يزدادون قوة وعتاداً بفضل المخابرات التركية والناتو، وقد قدرهم مركز فيريل بـ 30 ألفاً، والانتظار يعني أنهم سيستطيعون شنّ حرب عصابات دائمة تتوسع لتصبح حرباً أكبر، والذين شاهدوا ما حصل في جبهة المصاصنة يعلمون أنها كانت “جس نبض” لما يُخطط له لاحقاً… الانتظار بات الآن ليس لصالح الجيش السوري. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. زيد م. هاشم. 04.03.2019