آفة خطيرة تجتاحُ الشرق الأوسط

آفة خطيرة تجتاحُ الشرق الأوسط. Firil Center For Studies FCFS Berlin

لعبَ الطقس الباردُ دوراً أساسياً في تأخّر وصول هذه الآفة، لكنها وصلت شمال السعودية وجنوب الأردن، دون أن تقوم الحكومات بإجراءات فعّالة لمكافحتها.

يبدو أنّ مصائب الشرق الأوسط لن تنتهي، فمن الحروب والاحتلال إلى الكوارث الطبيعية إلى الأمراض وأخيراً تأتي آفةٌ هي نقمة الطبيعة على المنطقة والعالم… ودائماً الفقراء هم الضحية.

الأمم المتحدة حذّرت مسبقاً ومنذ بداية عام 2019، من اجتياح الجراد لعدة دول، بعضها احتاط للأمر وأخرى استهانت به إلى أن بدأت الآفة وبقوة.

لسقوط الأمطار فوائد جمة، لكن أيضاً لها مضار، وهذا ما حصل نتيجة حالات عدم الاستقرار الجوية وسقوط الأمطار الغزيرة في حوض البحر الأحمر. الرطوبة سمحت بتكاثر سريع لأسراب الجراد بعد أمطار الخريف 2018، خاصة في شرقي السودان وأريتريا وجنوب غربي الجزيرة العربية.

خطورة الجَراد

عندما تكون أعدادهُ قليلة لا يُشكّلُ خطورة تذكر، لكن عندما يتكاثر ويصبحُ أسراباً هنا تبدأ الآفة. الجراد لا يترك وراءه شيئاً أخضر. كي نعلم مدى خطورته؛ تأكل الجرادة يومياً ما يُعادل وزنها من النباتات الخضراء، فتخيّلوا أنّ الناس تفعلُ ذلك ويأكل الشخص 60 كغ يومياً!! بحساب بسيط فإنّ سرب جراد يُغطي كلم مربع يضمُّ حوالي 60 مليون جرادة، يأكل يومياً كمية تصل إلى 100 ألف طن من الأوراق والأعشاب الخضراء، أي ما يعادل ما يأكله 450 ألف إنسان لمدة عام كامل من الخضروات! أما السرب الصغير فيأكل ما يكفي لغذاء 35 ألف شخص…

تضعُ أنثى الجراد 300 بيضة خلال حياتها القصيرة، هذا يعني أنّ سرباً مكوناً من آلاف يمكن أن يصبح عدة ملايين خلال شهرين فقط.

يعملُ سرب الجراد كوحدة متكاملة مترابطة دون قيادة! السبب أنه يُفرز مادة عصبية ناقلة هي serotonin السيترونين، تكون محفّزة للاتصالات التناسلية ورابطاً عصبياً بين السرب، كما تزيد النشاط والشهية للطعام…

سُمّي الجراد بـ “طاعون الصحراء” وهو ما حدث بين عامي 1966 و 1969، فقد ارتفع عددها في شرقي إفريقيا لتجتاح الشرق الأوسط وتصل إلى إيران، ومن 2 مليار إلى 30 ملياراً، وغطت مساحة تزيد على مساحة الأردن، 100 ألف كلم مربع… لتعقب ذلك مجاعة كبيرة ومصاعب اقتصادية في عدة دول، فكيف بالدول التي تعاني أصلاً من المجاعة؟

خطورة الجراد أيضاً في مكافحته وصدّ هجومه، فلدى السرب القدرة على الطيران يومياً لأكثر من 150 كيلومتراً.

استطاعت الولايات المتحدة القضاء على الجراد منذ عام 1902 لكنه ظهر عام 1932، واستطاعت القضاء عليه مجدداً، وتعتبرُ أميركا الشمالية والقارة القطبية الجنوبية وسيبيريا وشمال أوروبا، مناطق خالية من الجراد، لأن عدوه الأول هو الطقس البارد.

منذ القدم درس أرسطو الجراد وعادات تكاثرهم، كما سجل Livy وباءً مدمراً في Capua عام 203 قبل الميلاد، حيث انتشرت الأوبئة االتي أعقبت انتشار الجراد وموته وتعفنه. كذلك في الصين عام 311 م، فقتل 98% من سكان عدة قرى والسبب ازدياد عدد الجرذان والبراغيث التي تغذّت على الجراد، فنشرت أمراضاً فتاكة.

تحذيراتٌ واجتماعات والجراد على الأبواب

قررت منظمة الأغذية والزراعة FAO عقد اجتماع في الأردن، لمناقشة تدابير معالجة الانتشار وكيفية مساعدة البلدان المتضررة.

ذكرت المنظمة: “إنّ التأثير المدمر الذي قد يلحقه الجراد بالمحاصيل يشكل تهديداً رئيسياً للأمن الغذائي، خاصة في المناطق التي تعاني أصلاً من نقص الغذاء”.

الجائحة الحالية ليست الأولى خلال عام، لكنها الأوسع. في شهر أيار 2018 وعقب الإعصار Mekunu الذي ضرب عمان وما رافقه من أمطار غزيرة، تكاثر الجراد وغزا السعودية وعُمان واليمن.

الآن وصلت طلائعُ الأسراب إلى الإمارات وأثناء كتابة هذا التقرير في مركز فيريل وصلت إلى العقبة في الأردن. أيّ تباطؤ أو اجتماعات بانتظار قرارات يعني أنّه سيصل مصر وإيران وسوريا وفلسطين والأردن ولبنان… بينما يتوقع خبراء في الزراعة أن يصل الباكستان والهند…

إيران اتخذت احتياطاتها عند الساحل الجنوبي مع وصول أسراب إليها، بينما بدأت السعودية برش المبيدات، هذا غير كافٍ فالدول التي يتم فيها التفريخ لا يمكنها فعل شيء بسبب امكانياتها الضعيفة وانشغالها بمعاركها الداخلية وهي السودان وأريتيريا خاصة، أي أنّ المنبع دائم والمعالجة تتم لمنع الانتشار وليس لاستئصال الآفة، فهل هذا مقصود؟!

التوقعات ليست مطمئنة خاصة مع بدء الجفاف في منابع الجراد، لهذا سيهاجر إلى المناطق الخضراء، أي باتجاه الشمال على ضفتي البحر الأحمر.

تُقدر منظمة الأغذية والزراعة FAO، وبناءً على ما جرى عام 2005، أنّ سرباً كبيراً من الجراد يُكلّفُ الدولة 750 مليون دولار بما في ذلك المكافحة والمساعدات الغذائية العاجلة للمناطق المتضررة. علماً أن جائحة 2003 التي اكتسحت موريتانيا ثم مالي والسودان، وبعدها الجزائر والمغرب لتصل إلى مصر وفلسطين والأردن، كلفت أكثر من 2,5 مليار دولار.

صور الأقمار الصناعية وتحذيرات المنظمة تسبق الأسراب بستة أسابيع، وتمّ إطلاقها منذ أوائل كانون الأول الماضي ومازال. الأشهر القادمة حاسمة وقدوم الصيف مع ارتفاع الحرارة وتساقط الأمطار هو الوسط الأنسب لآفة الجراد. مركز فيريل للدراسات. 26.02.2019