الرقص مع الضباع. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 03.08.2022 المهندس باسل علي الخطيب
عندما أصف تلك الجغرافيا التي تمتد من جاكرتا إلى طنجة بالصحراء، فأنا لا أشتم بل أسمي الأشياء بمسمياتها. قبل عامين رقص الملايين في تلك الصحراء على وقع إيقاع الخليفة رجب طيب أردوغان الراقص على أنقاض كنيسة آجيا صوفيا، كل أولئك “الراقصين” اعتبروا قراره بتحويلها من متحف إلى مسجد فتحاً عظيماً و نصراً مبيناً للإسلام.
قصف كنيسة السقيلبية ليس صدفة
نعم، ليس صدفة أن يقصف إرهابيو أردوغان بطائرة مسيرة تجمعاً للسوريين في مدينة السقيلبية، وهم يدشنون افتتاح كنيسة آجيا صوفيا البديلة، وفي نفس تاريخ إقامة أول صلاة جمعة في كنيسة آجيا صوفيا الأم في إستنبول قبل عامين، آنذاك ألقى رئيس الشؤون الدينية التركية علي رياش أول خطبة جمعة بتاريخ 24.07.2020 ريّاش هذا كان يحمل بيده سيفاً، هو سيف السلطان محمد السفاح الملقب بالفاتح، الذي احتل القسطنطينية عام 1453 و استباحها جنوده لأسبوع، و مازلنا في موروثنا نسمي ذاك السفاح بـ (الفاتح)!
لطالما تساءلت لماذا جمال باشا فقط من بين كلّ قادة العثمانيين يحمل لقب السفاح، وكأنها رسالة مبطنة تستهدف الوعي الجمعي للأمة، أنه هو وحده من بين أولئك القادة يحمل هذا اللقب الإجرامي، والبقية فاتحون وأبطال، أي أنه الاستثناء الشاذ للقاعدة. لكنني تفاجأت أنّ حتى جمال باشا أسقطت مناهج التربية السورية الحديثة لقب “السفاح”! كما سننشر لاحقاً في مركز فيريل للدراسات.
ما كان سيف علي رياش في كنيسة آجيا صوفيا في استنبول ديكوراً، إنما رسالة حملتها الطائرة المسيرة التي استهدفت المدنيين في السقيلبية.
لم يراودني الشك يوماً أن الصراع مع تلك القبيلة العثمانية السلجوفية هو صراع وجود، بل أن خطر هذه القبيلة على سوريا الجغرافيا و الدور والشعب أكبر من الكيان الصهيوني نفسه، فكيف إذا اتحدت العقلية العثمانية مع العقيدة الإخوانية؟
هناك حيث دَعَسَت قدم التركي لن تنبت الحشائش
أمثال تحملها ذاكرةُ الشعوب المجاورة لتركيا لم يستطع التاريخ مسحها، ومنها هذا المثل البلغاري. لم يعرف التاريخ كله قبيلة أكثر همجية و وحشية من تلك القبيلة، كل الغزاة الذين مروا على هذه الأرض تركوا ولو أثر جميل واحد، ترى ماذا ترك العثمانيون من حضارة وعلم وأدب واختراعات؟ لاشيء نهائياً. حتى لغتهم عبارة عن سطو على اللغات وأولها اللغة العربية التي كانت حروفها عماد اللغة التركية “المسروقة”.
القبيلة العثمانية قامت على السرقة والسطو والقتل
قامت القبيلة العثمانية على السطو والسرقة ونهب في كل شيء، الأرض والمال واللغة والآثار، حتى الطعام والمأكولات مسروقة من سوريا وأرمينيا واليونان وتم إطلاق تسميات عثمانية عليها.
سليم الأول “أمير المؤمنين” الذي انقلب على والده “بايزيد الثاني” وقتلَ كلّ إخوته كي لا يبقى له منافس في الحكم، زلقبتهُ فرنسا بـ “سليم الإرهابي”. عندما احتلَ دمشق عام 1516، جمع مئات من خيرة طباخي سوريا ودمشق تحديداً، أخذهم بالقوة إلى القسطنطينية وأمرهم بطهو أكلات لذيذة له، والنتيجة؛ كافة المأكولات التي نعرفها حالياً وتُنسب زوراً لتركيا.
إمبراطورية الدم
إمبراطورية الدم ؛ لقبٌ تستحقه السلطنة العثمانية. هل لكم أن تخبروني باسم عالم أو اختراع واحد قدمته تلك السلطنة على مدى خمسة قرون من عمرها؟ علماً أن فترة وجود إمبراطورية الدم العثمانية كان فترة فوران العلوم في مختلف المجالات.
فلننسَ العِلم والحضارة لأننا لن نجد سوى أكاذيب في التاريخ العثماني، راجعوا المقالة.
“يُمكِن لأيّ من أبنائي، الذي سيهبه الله السلطنة العثمانية، أن يتخلّص من إخوته لأجل مصلحة الدولة، وهو ما تقرّه أغلبية علماء الدّين”
هذا نَصّ قانون عثماني يُسمى “قانون نامه”، سنّهُ السلطان محمد خان الثاني الملقب مجازاً بالفاتح، بعد توليه الحكم في الفترة الثانية عام 1451. السُلطان محمد وبِمُجرَّد جُلُوسه على العرش ونقله جُثمان والده مُراد لِيُدفن في بورصة، أمر بِقتل أخٍ رضيع له يدعى أحمد خنقاً، كي لا تُسفك دماء العثمانيين “الطاهرة” على الأرض. وأرسل جُثمانه مع والده إلى بورصة. وهذه الحادثة رغم التشكيك بها، فإنّ المحامي محمد فريد بك، المولود في القاهرة 1868 والمعروف بعلاقاته الوطيدة بالعثمانيين ضد الإنكليز، ذكرها في كتابه “تاريخ الدولة العَلية العثمانية”.
أول عملية قتل ارتكبها مؤسس الدولة العثمانية، عثمان غازي عام 1298، عندما قتلَ عمّهُ دوندار بيك، لهذا لا يعرف التاريخ سلطاناً عثمانياً ارتقى سدة الحكم إلا بعد أن قتل إخوته المنافسين أو الذين “قد” يُصبحوا يوماً منافسين له في الحكم، بما في ذلك قتل الأبناء والأحفاد، نعم الأحفاد… كما فعل السلطان سليمان القانوني، الذي يعتبر من أعظم الخلفاء العثمانيين، بقتله ولي العهد ابنه شاه زاده مصطفى. سليمان هذا لم يكتفِ بذلك بل قام بجريمة أقذر، عندما أرسل رشوة للشاه الفارسي الذي فرّ إليه ابن سليمان “بايزيد” لاجئاً، الرشوة لقتل ابنه بايزيد وأبنائه الخمسة أي أحفاد سليمان القانوني هذا. فعلها الشاه فقتل ابن سليمان وأحفاده الأربعة، وبقي حفيد خامس… اكتشفَ الخليفة سليمان أنه في مدينة بورصة، فأرسل مَنْ قتله خنقاً!!.
السلطان العثماني “البادِشاه” هو “ظل الله على الأرض”، هو خليفة الله على الأرض، ووصوله إلى كرسي الخلافة سلمياً أو بقتل إخوته وأحفاده جاء بأمر الله، ولا يجوز لأحد أن يعترض. هذا مما ورد في كتاب “تاريخ الدولة العثمانية للمؤرخ التركي Yılmaz Öztuna المتوفي في أنقرة 9 شباط 2012.
هل يُحافظُ العثماني على وحدة سوريا؟
بعد كلّ هذا التاريخ الدموي، يتحدث أردوغان عن الحفاظ على وحدة و سيادة سوريا مراراً و تكراراً، بكلمات يمضغها ورهطه مادامت موضة تخزين القات لم تصل إليهم بعد، و لكن أي سوريا تلك التي يقصدها أردوغان؟
سوريا إياها لكن تحت حكم الإخوان المسلمين و سطوة الأتراك عليها. مع الاستمرار بعملية التتريك والأطماع التركية التي لا تنتهي في حلب والموصل حسب تصريحات رجب طيب أردوغان في الذكرى التسعين لرحيل مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك، بتاريخ 10 ترشين الثاني 2016.
تتحدّث أنقرة عن محاربة الإرهاب، بينما داعش ترضع من ثديي المخابرات التركية على مدى سنوات؟ في تموز 2014 أصدرت داعش أول مجلة لها كان عنوانها الرئيسي، إعادة الخلافة، واسم هذه المجلة (دابق)، ما هذا الاسم وهل جاء عفوياً؟ عام 1516 وقعت معركة “مرج دابق” شمالي حلب بـ45 كم، بين العثمانيين بقيادة سليم الأول والمماليك بقيادة قانصوه الغوري، انتصر فيعا العثمانيون واحتلوا سوريا ثم الدول العربية لـ400 عام حتى تحررت هذه الدول عام 1918. إذاً اسم مجلة داعش لم يكن عفوياً. ماذا عن جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي؟ ماذا عن بقية التنظيمات الإرهابية التي دعمتها وتدعمها تركيا على كامل التراب السوري وحالياً في الشمال؟
الفكر العثماني والحنين للعبودية مازال في عقول الملايين
صراعنا مع أردوغان وأتباعه، ليس صراع مدينة هنا أو قرية هناك، هو صراع فكري وعقائدي وقمي ووجودي، فالفكر العثماني والحنين لعبودية السلطان والذل مازالت في نفوس الملايين، بما في ذلك مسؤولين وأصحاب كراسي على مستوى الدول العربية دون استثناء.
تم تغيير أسماء الكثير من القرى و المناطق السورية بحجة تعريبها! خدعة ربما انطلت على البسطاء، وتحت شعار العروبة غُيرت أسماء مناطق ومواقع في سوريا ضمن محاولات حثيثة لزيادة التضاد بين مفهومي ( السورية) و (العروبة)، فيأتينا السؤال الخبيث: (ما هذه الأمة السورية؟).
الصراع مع العثمانيين وبقاياهم هو صراع أيديولوجي لاتوجد حلول وسط لحلّه، والكفة في هذا الصراع تميل الآن لصالح العثمانيين، لأنهم يمتلكون هوية واضحة محددة.
هويتنا هلامية
يمتلكُ الأتراك هوية واضحة محددة أما نحن فهويتنا هلامية، كيف؟ تحررت سوريا من العثمانيين عام 1918 ولكنها وحتى تاريخه لم تتحرر من موروثهم، ذاك الموروث المتغلغل في الثقافة و الإدارة والقوانين وحتى طريقة التفكير، نستغرب جداً كيف يتم تغيير أسماء قرى تحمل اسماً سورياً صرفاً، وهذه القرى مضى على وجودها آلاف السنين، وسكانها أهل هذه الأرض الأصليين، ولا يتم تغيير أسماء مناطق وأسواق تحمل مسميات المحتلين العثمانيين.
لماذا لا يوجد يوم وطني لجلاء العثمانيين عن سوريا؟
قد نكون الدولة الوحيدة في هذا العالم التي ابتليت بعدوين يهددان وجودها كدولة وكجغرافيا وكدور وكشعب، الصهاينة مهما طالت مدة بقائهم في منطقتنا فمصيرهم الرحيل أو الذوبان، عدونا الأول هم العثمانيون، هذا لايعني تركيا الدولة، فتركيا ليست كلها عثمانية، أن ينضوي قسم ليس بقليل من السوريين تحت لواء العثمانيين وبكل رحابة صدر وفخر وولاء، هذا يعني الكثير الخطير. هل تمّ بحثُ السبب أم كان الاتهام بالخيانة جاهزاً؟
الفكر الإخواني العثماني في أوسع امتداداته على مستوى الوطن، والانحسار الرسمي ظاهري لا أكثر بعد أن نبتت زرعات السنين في فكر وسلوك حتى “الفنانين” والراقصات والراقصين. المسلسلات التركية فعلت فعلتها وما زالت والإعلام ووزرات كاملة حتى بأثاثها، تتنفسُ بأوكسجين عثماني. تذكروا أنّ الضبع يبدأ بنهش فريسته وهي على قيد الحياة ويتركها تموت ببطء، وما جرى ويجري هو رقص مع الضبع الذي يجب التخلّصَ منه بأية طريقة قبل أن نقرأ الفاتحة على وطننا. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 03.08.2022