تركيا 2050. الدكتور جميل م. شاهين

تركيا 2050. الدكتور جميل م. شاهين

يتحدثُ ساسة تركيا بين فترة وأخرى عن أحلامهم وأطماعهم بإعادة الخلافة العثمانية، كما تنشر وسائلُ إعلامهم خرائط تُجسّدُ هذه الأطماع، كان آخرها ما نُشِرَ عن تركيا عام 2050. ردة فعل العامة تراوحت بين الدهشة والتأييد والاستهجان، بينما تجاهلها السياسيون في الدول المعنية بهكذا خرائط والتي يريدُ الأتراك التمدد على حسابها.

آخر الخرائط التركية

لن نعود بكم لعقود بعيدة، بل سنكتفي بفترة الانفتاح الكبير على تركيا واستقبالها في الأحضان، بينما أطماعها واضحة لمَنْ لا يُغمضُ عينيه.

عام 2007: رئيس مركز الدراسات التاريخية التابع للحكومة التركية يوسف هالاج أوغلو، رئيس الكتلة النيابية عن حزب الحركة القومية ثالث الأحزاب في البلاد ولهُ 80 مقعداً في البرلمان 2015، وهو حليف حزب العدالة والتنمية. ماذا قال أوغلو هذا؟ (من حق تركيا أن تسترجع الموصل وكركوك إذا قررت واشنطن تقسيم العراق لأن الأتراك تركوا الموصل وكركوك لدولة عراقية موحدة).

نبقى في نفس العام؛ 21 تشرين الثاني 2007، صحيفة Güneş التركية، التي توقفت عام 2019 وانضمت لصحيفة Akşam، تنشر خارطة تحت عنوان (خارطة تركيا الكبرى) تضم 9 محافظات سورية و6 عراقية… شاهدوا الصورة.

رجب طيب أردوغان قالها صراحة وعبّرَ عدة مرات عن أطماعه في العراق وسوريا ولبنان والقوقاز وليبيا والسودان واليمن وصولاً إلى شمال غربي الصين.

2 تشرين الأول 2016 نشرت صحيفة “ديريليش بوستاسي” الإخوانية التركية المؤيدة لأردوغان، خارطة لتركيا تضم أجزاء واسعة من العراق وسوريا وبلغاريا واليونان، تحت عنوان: (هل هذه الأراضي مقتطعة من تركيا؟) وذكرت أنّ الميثاق العثماني الصادر عام 1920 يؤكد أن تلك الأراضي تعود ملكيتها لتركيا.

تشرين الأول 2016، أردوغان في تجمع لأنصاره بمدينة بورصة: (إنّ حلب والموصل وكركوك كانت تابعة لتركيا حسب الميثاق الوطني لجمال أتاتورك الذي تخلى عن هذه المناطق).

29 تشرين الأول 2016، وكالة الأناضول الرسمية باللغة التركية: (الأرشيف الرسمي في تركيا يحتفظ بأكثر من 77 ألف و63 وثيقة تسجيل أملاك أصلية “الطابو” تعود لفترة الحكم العثماني في مدينتي الموصل وكركوك العراقيتين). تتابع الوكالة: (هناك أيضاً 32 دفتراً تضمّ آلاف وثائق تسجيل أملاك في مدينة حلب).

22 نيسان 2020، صحيفة ديريليش بوستاسي: (على الجيش التركي اجتياح اليمن وطرد القوات السعودية).

27 آب 2020 المستشار القانوني لحزب العدالة والتنمية وصديق أردوغان Metin Külünk، ينشر خارطة بعنوان (تركيا الكبرى)، تُظهر ضمّ نصف بلغاريا واليونان وكامل قبرص وشمال العراق ونصف سوريا وأرمينيا…

حقيقة الخارطة الجديدة، تركيا 2050

يظنّ القارئ حديث العهد أنّ ما تنشرهُ وسائل الإعلام التركية أمر جديد، بينما يتراخى الكسول ليقولَ هي مجرد أوهام عثمانية ستتبخر. الحقيقة تقول: (تجسّدَ تركيا أطماعها على أرض الواقع وقد نجحت في عدة أماكن، والتخطيط ليس وليد الساعة). خارطة تركيا 2050 التي نشرتها قناة TGRT التركية قبل أيام عمرها الفعلي 12 عاماً لمن لا يعرف… وجاءت نقلاً عن مركز Stratfor الأميركي المؤسس عام 1996 في تكساس، كما وردت في كتاب للسياسي الأميركي George Friedman مؤسس المركز المذكور، عنوان الكتاب The Next 100 Years: A Forecast for the 21st Century، “الـ100 سنة القادمة، توقعات القرن الحادي والعشرين”، تحت باب نشوء قوى جديدة، يقول جورج عام 2009:

(سوف تتوسع تركيا أكثر بدعم أميركي، لتصل إلى جنوب روسيا وإلى العالم العربي المُقسّم، وتصبح قوة إقليمية كبيرة. تبدأ من الدول المجاورة شرقي المتوسط، سوريا لبنان اليونان قبرص العراق لتصل إلى ليبيا مروراً بمصر وقبلها الأردن ومعها الجزيرة العربية واليمن، ثم يمتد هذا النفوذ إلى أرمينيا وأذربيجان وتركمنستان وكازخستان ودول القوقاز وجزيرة القرم وجنوب روسيا وشرقي أوكرانيا).

هل فعلاً نجحت تركيا في تحقيق شيء من أطماعها؟ أعيدوا قراءة ما قالهُ جورج قبل 12 عاماً وقارنوه مع الواقع اليوم في شباط 2021، فهل سيستمرُ المتحدثون عن الأوهام التركية باجترار كلامهم؟!

في الخارطة المذكورة يتم تجنّب إيران وإسرائيل من النفوذ التركي، وللعلم مركز ستراتفور هو مركز الظل لـ CIA، ومعظم العاملين فيه هم موظفون سابقون في وكالة المخابرات الأميركية.  


العرب وأمتهم هم الرجل المريض

تركيا تتمدد وتحتل وتسيطر وتغسل العقول وتنشر التتريك، والعرب نائمون والعروبة تجارة الخاسرين. تركيا تتمدد والدول العربية كافة، ولا نستثني في مركز فيريل للدراسات دولة واحدة، دول نائمة خانعة تابعة أو خائنة تحنُّ لعصر العبودية العثمانية ومعها خازوقهم.

يسترخي كثيرون وهم يقولون: (هي خطة لتقسيم تركيا بإرخاء اللجام لها حتى تُخطئ خطأ كبيراً، فتهاجمها دول كبيرة). قد يكون هذا الكلامُ صحيحاً، ولكن السؤال الأهم: هل علينا أن ننتظر كالعادة أن يأتي عدونا ليخلصنا من عدونا؟! كم على العرب النوّم أن ينتظروا كي يشفوا من مرضهم المزمن؟ ماذا فعلت الدول الكبرى عندما احتلت تركيا شمال قبرص؟ إقليم أرتساخ؟ شمال سوريا؟ شمال العراق؟ ليبيا؟  

ماذا فعلت دول الخليج الغنية لايقاف التمدد العثماني الجديد؟ ماذا فعلت مصر “العربية” لصد الأتراك عن حدودها الغربية والشمالية سوى التهديد والوعيد؟ ماذا فعلت العراق وسوريا ولبنان أمام الغزو الثقافي والعسكري التركي لأراضيها؟ ماذا تفعل سوريا أمام تتريك الشمال السوري وتدريس المناهج العثمانية واستبدال العملة السورية؟ الطامة الكبرى ليس أنّ هذه الدول وقفت عاجزةً وحسب، بل ساهمت بمساعدة تركيا على التمدد، فاستقبلت زعماء عثمانيين في الأحضان ومعهم المسلسلات التركية المدبلجة وفتحت أسواقها لبضائعهم وأرسلت وفودها السياحية إلى المحتل صاحب أكبر مجازر في تاريخ الشرق الأوسط… حتى الممتلكات العثمانية تحرسها وزارة الأوقاف! ويتم دفن وريث العرش العثماني قرب دمشق… ويستمر الخنوع للعثمانيين وسط أصوات تتعالى وتخفت دون أيّ فعل “فشروا”… التاريخ لا يرحم… مركز فيريل للدراسات. 18.02.2021

خلاصة القول وحسب رأي مركز فيريل للدراسات: مَن يُصافحُ مسؤولاً تركياً كأنه يُصافحُ مسؤولاً إسرائيلياً، وإعادة فتحِ سفارة تركيا تعادلُ فتح سفارة لإسرائيل تماماً… بل أسوأ.