الساحل السوري عطشان! تحقيق مركز فيريل للدراسات

حرائق غابات مفتعلة. قطع كهرباء مقصود. سفنٌ محملة بالنفط والغاز ترسو في الموانئ والمحروقات بالقطارة، يتلوها رفع أسعار البنزين والمازوت وهذا يعني رفع أسعار كافة المواد. تكدس المنتوجات الزراعية وفسادها لأعدم وجود سوق تصريف، بينما الحكومة الرشيدة تستورد “الموز” وما أدراك ما فوائد الموز للحكومة. زيارات “استعراضية” لمسؤولين كبار كبار مع كاميرات ونوبات تصفيق تتلوها وعود ضمن خطب رنانة، تبدأ من: “واقع الكهرباء سيتحسن الصيف القادم دون شك” لتنتهي بـ “قلوبنا مع المواطن السوري” ويستمر الكذب الغبي.

عندما تُعاني منطقة صحراوية أو شبه صحراوية من شح في مياه الشرب، يبدو الأمر عادياً. لكن عندما تُقطعُ المياه عن أكثر محافظتين بنسبة الأمطار في المنطقة، هنا لايبدو الأمر غير طبيعي فقط، بل يدعو للشكّ فيما يُخطط، مهما كانت الحجج والذرائع الحكومية.

متوسط الأمطار في الساحل السوري أعلى من ألمانيا

تتراوح كمية الأمطار الهاطلة في محافظتي اللاذقية وطرطوس بين 720 مم لتصل إلى 1800 مم سنويا في المناطق الجبلية العالية، وكافة المناطق فوق 300 متر تتلقى أكثر من 1000 مم، وهذ أرقام لا نجدها في ألمانيا وعدة دول أوروبية. فمعظم المناطق الشرقية والأراضي المنخفضة الشمالية من ألمانيا معدلها السنوي دون 710 مم، وهذه برلين دون 600 مم.

في الأعوام الثلاثين الماضية، وهي المتوفر لدى مركز فيريل للدراسات، كانت كمية الأمطار قريبة من المعدل وأحياناً دونه بقليل أو فوقه. إذاً مقولة أنّ الأمطار الساحل السوري قليلة هي حجة كاذبة.

مياه الساحل بالأرقام والبيانات

كمثال سنأخذ نهر السن. هو واحدٌ من الأنهار  الغزيرة والتي تصبّ في حوض المتوسط الشرقي. يقع شمال مدينة بانياس بحوالي 10 كم، وبطول 6,2 كم فقط. ينبع من أسفل غابة قرفيص على ارتفاع 19 متراً من سطح البحر. متوسط الأمطار في المنطقة 1072 مم. يتغذى النبع من الجبال الشرقية التي تصل فيها كمية الأمطار السنوية إلى 1600 ملم.

متوسط الغزارة “التصريف” 13 م مكعب في الثانية، تزداد شتاء إلى 24 متراً، وتنخفض في الصيف الجاف إلى 6 أمتار بجريان دائم دون انقطاع على مدار السنة. بعملية حسابية بسيطة، يمكن لمياه السن المتدفقة ملءَ مليون و123 ألف خزان مياه منزلي يومياً، وهذا يكفي محافظتي اللاذقية وطرطوس، على فرض أنّ السن هو النهر الوحيد والمصدر الأوحد في الساحل السوري.

منذ حكومة فوزي السلو 1952 أنشئت قنوات الري، ثم في حكومة فارس الخوري 1954 بدأ العمل على إنشاء سدّ على نهر السن، حجز وراءه بحيرة صغيرة المساحة والسعة 360 ألف متر مكعب من المياه، لكنها كافية لإرواء المنطقة وتوليد طاقة كهربائية. طبعاً محطة توليد الكهرباء معطلة ولا داعي لها!

استمرت المشاريع المائية بقنوات ري عام 1955 وعام 1965 في حكومة يوسف زعين. عام 1971 وصلت مياه السن إلى اللاذقية وفي عام 1979 زُوّدت مصفاة بانياس بمياه السن. إرواء طرطوس جاء عام 1989. ثم تراجعت وتيرة المشاريع بعد ذلك.


ما الهدف من إهمال الساحل السوري؟

معاناة محافظتي اللاذقية وطرطوس صورة عما تُعانيه بقية المحافظات، الفارق أنّ المصادر متوفرة وبمتناول اليد والحلول لا تحتاج لعبقرية آيشتاين.

لهذا يتساءل المواطنون كما ورد في عشرات الشكاوى التي وصلت بريد مركز فيريل للدراسات؛ لماذا؟ مَنْ المسؤول عن إهمال وأذيته الساحل السوري مادياً ومعنوياً وخدمياً، وإلى متى يستمرُ هذا العار والفشل الحكومي؟

كل فترة يتمُّ تقديم “ضحية” تُحمَّلُ مسؤولية الفساد والإهمال، فنرى استبدال مسؤول ما بآخر تُعقَدُ عليه الآمال بالتغيير، يترافق ذلك بجولات رئاسة الوزراء مع الكثير من الصور والتصفيق وكهرباء ومياه لا تنقطعان، ووعود بتحسّن الحال. وما أن تعود سيارات “الفيميه” نحو دمشق، حتى تتبخّرَ تلك الوعود “الخُلبية” وتعود الأمور أسوأ مما كانت عليه.

بلدات وقرى لا تصلها المياه سوى مرة كل 16 يوماً في منطقة يزيد معدل هطول الأمطار عن 1000 ملم، هل يوجد مثيل لهذا في أفقر دول العالم، أم أننا أصبحنا منها؟

ما هو المطلوب من المواطن السوري؟

ماذا تفعل حكومة تضم عشرات الوزراء وآلاف الموظفين بسياراتهم وسيارات نسائهم وأولادهم، غير رفع الأسعار وخنق المواطن السوري وتمرير صفقات أثرياءالغفلة؟ والحجج دائماً حاضرة؛ الحرب والعقوبات وسمكة القرش اللعينة. حاملات النفط ترسو في الموانئ أمام أعين الناس ثم تختفي حمولتها ولا يصل منها إلا ليترات قليلة والباقي في “السوق السوداء”.

ما هو المطلوب من الشعب السوري وأهل الساحل تحديداً؟ الخروج بمظاهرات وقطع الطرقات والامتناع عن دفع الفواتير  مثلاً؟ المطلوب أن يزداد حقد المواطن على القيادة والقصد واضح.

أُعفيَ مدير مياه اللاذقية وحُمّلَ وزر قطع الماء والكهرباء، وربما اتهم بالتعاون مع سمكة القرش لقطع الإنترنت والسبب في الحرب في أوكرانيا والمجاعة في الصومال. ماذا حصل بعد إعفائه؟ زاد الوضع سوءاً.

المأساة أيضاً في تصريحات المسؤولين “العبقرية”، فلو صمتوا كان أفضل. ليطلع علينا “فطحلٌ” منهم مبرراً الانقطاع بعطل مفاجئ، بينما هو عائد من “سوق الأمبيرات” وقد التقى بتاجر “الألواح الشمسية”، وبالتحديد تاجر النوعيات السيئة والكاسدة والمهددة بلجان فحص صلاحيتها وجودتها. وآخر يتحدث عن خسائر كبيرة بسبب بيع كيلو السكر  الذي وصل سعره إلى 4500 ليرة سورية، عِلماً أن سعر الكيلو في ألمانيا 71 سنت أي 2800 ليرة سورية.

مشكلة الحكومة أنّها فاشلة حتى في الكذب، وقصصها بالية  لا تنطلي على طفل صغير.

المسؤول السوري المحترم؛ حاول أن تكذب بقليل من الذكاء

ختاماً

طرحنا عشرات الحلول ولن نعيدها لأن التكرار  أصبحَ لا يُعلّم “الشطار”. ما يحدث في سوريا من فساد وسوء إدارة وتخطيط جعلها تحتل المرتبة قبل الأخيرة في سلم الفساد العالمي بجدارة.

حقن التخدير من كبار المسؤولين لم تعد تفيد لأن الكبتاغون بات أسهل المنال وأصدق بنتائجه… الكبتاغون يا أثرياء الغفلة…

في الوقت الذي يُعاني فيه المواطن السوري ويقف عاجزاً عن تأمين قوت أطفاله، يتم افتتاح فندق كبير هنا ومطعم هناك ومجمع سياحي لا يدخلها سوى أثرياء الغفلة أو السائح الأجنبي، واين هو هذا السائح؟

الحكومة وشركاؤها ناشطون في المشروعات الخدمية وكأنهم يعيشون في أندورا. لا أدري إن كانوا يعرفون أندورا. أين هي المشاريع الإنتاجية؟ كيف سيتم الخروج من الانهيار الحالي بمشاريع خدمية؟

قرار تشكيل لجنة من الطاقة والبحوث لسبر كافة ألواح الطاقة الشمسية ينتظر التوقيع من أصحاب المعالي، إنْ تشكلت هذه اللجنة وتحلّتْ بشيء من النزاهة، ستأمر باتلاف البضاعة الموجودة في الأسواق لأنها لا تمتلك اية مواصفات عالمية، لهذا على التجار بيع ما لديهم بسرعة قبل أن تتحرّك خلية ضمير في ضمير مسؤول ما.

أبشروا خيراً؛ الصيف القادم لن تكون هناك أزمات مياه أو كهرباء أو إنترنت أو غاز أو محروقات أو خبز أو…، والأسعار ستتراجع وسترفع الرواتب. الصيف القادم، لكن دون تحديد تاريخ… تحديد التاريخ سيكون بعد أن يشبعَ المسؤولون وشركاؤهم وتمتلئ حقائب وحسابات زوجاتهم وعشيقاتهم في البنوك الخارجية، ويقومون بتهريب الأموال بعد غسلها… والغسيل يحتاج لمياه نهر السن ومنظفات حمص… إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 09.08.2022.