عندما قبِلَ ترامب إلقاء التحية على الإرهابي

لماذا ألقى ترامب التحية على زعيم تنظيم جبهة النصرة؟ الجزء الأول. الباحث في شؤون الشرق الأوسط زيد م. هاشم. 23.05.2025. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين.

لا شك أن إدارة جو بايدن الديموقراطية زعيمة “نظام العولمة” الداعم الأول للإخوان المسلمين والإسلام السياسي، وراء تحريك بنيامين نتنياهو ورجب طيب أردوغان لإيصال زعيم تنظيم جبهة النصرة الإرهابية إلى كرسي الحكم في سوريا. لاحظنا كيف تسارعت الأحداث في سوريا خاصة، بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني 2024. لم يكنْ هدف الديموقراطيين بالتأكيد مصلحة الشعب السوري، بل إرباك إدارة دونالد ترامب الجمهوري، بإيصال الإخوان المسلمين “الديموقراطيين” للسلطة في دولة هامة في الشرق الأوسط، وتحويلها لمرتعِ إجرامٍ خصب يستقطبُ إرهابيي الأرض.

أدركت إدارة ترامب لعبة الديموقراطيين الخبيثة، وكما توقعنا في مركز فيريل أنّ الأمير محمد بن سلمان هو المرشح الأقوى لاستلام ملف سوريا، كونهُ الأكثر انفتاحاً وتحضراً ويعملُ ضدّ الإسلام المتطرف والوهابية والإخوان المسلمين، وأيضاً من داعمي الإبراهيمية والتطبيع مع إسرائيل. هذا الملف سلّمهُ ترامب لابن سلمان رسمياً خلال زيارته للسعودية، فكان صفعةً لوجه أردوغان خالي الوفاض.

نُكرر هنا أننا نستخدمُ اسم الجولاني حتى نجدَ اسمه الحقيقي وليس الاسم “المُنتحَل”.

أبو محمد الجولاني شخصٌ متعطش للسلطة، رغمَ ضعفِ شخصيته. متلوّنٌ متعدد الولاءات، بالأصح ليس لديه ولاء، وهذا ليس وصف مركز فيريل بل وصفُ أقربِ رفاقِ دربه قبلَ أن يتمّ “تحييدهم”. مع هذا التلون؛ باعَ نفسهُ مراتٍ ومرات بأسعار زهيدة حيثُ لم يأتِ هذا البيعُ بمنافع ملموسة تدعم حكمهُ المتهالك، المنافع أيضاً كانت شحيحة لتركيا و قطر و الإمارات و بريطانيا و تل أبيب، ليجدَ نفسَهُ حالياً، والكلام عن الجولاني، وبعد أن أوصدت الأبواب في وجهه، مضطراً لبيع نفسه للأمير  الثري محمد بن سلمان؛ حليفُ ترامب الثابت والذكي.

الكفالةُ السعودية ليست حبّاً بالسوريين و “كفاءاتهم”، بل لسحب البساط من تحت تركيا، وتسيّد الشرق الأوسط بعد انكفاء إيران وانغلاق مصر، فكانت الصفعة قويةً لوجه أردوغان وفوقه تميم قطر. الصفعة مشتركة سعودية أميركية، ثم جاءت صفعة ثانية لأردوغان ومعه نتنياهو بتجنّبِ ترامب زيارة أنقرة أو تل أبيب.

يجب أن يحلِقَ الجولاني ما تبقى من لحيتهِ، بالمعنى المجازي طبعاً، ليتحوّل إلى قاتل مأجور عند ترامب بتمويل سعودي. بصورة أوضح “استطاع ترامب وابن سلمان قلب الطاولة على جناح العولمة في سوريا والمنطقة” على الأقل خلال السنوات الأربع القادمة إلا إذا استطاعوا اغتيال ترامب ومرّت الأمور بسلام، وهذا صعبٌ، ولن تمرّ فإيران تتجهّز وتل أبيب تحشد وستسعى لتوريط ترامب المكروه من “جماعة العولمة” وهذا بحث واسع.  

الأوامر الصادرة للجولاني هي: انقل يا جولاني البندقية من كتفٍ لآخر. تخلّص من الإرهابيين الأجانب بطريقة تفيدك وتفيدنا، تصفية أو تصدير. الخطير هنا أنّ ترامب يعتبر “الفلسطينيين” إرهابيين أجانب أيضاً. أعتقد أنّ الفكرة واضحة هنا؟ اقضِ يا جولاني على النفوذ الإيراني والمنظمات الفلسطينية. ادخل في الاتفاقية الإبراهيمية. طبّع مع إسرائيل. ساعد المخابرات الأميركية في الوصول لزعامات إرهابيين مطلوبين لديها، أضعِف النفوذ الروسي والأفضل طرد الروس من سوريا إن استطعت. لا تُرسل أي عنصر إلى جنوب دمشق، فمحافظات القنيطرة والسويداء ودرعا وجنوب دمشق، حرامٌ عليك. طبعاً هناك طلبات وأوامر أخرى أقل أهمية بالنسبة للأميركي؛ كالتنوع والتحضّر من الحضارة في العناصر التي تُشكّل الحكومة وعدم اقتصارها على لونٍ واحد “مُتخلّف”. الابتعاد عن الطائفية وعدم تكرار المجازر التي قامت بها عصابات الجولاني الإرهابية، إعلامياً، أي أنّ تكرارها بعيداً عن العيون لن يضرّ. أخيراً؛ ملف داعش وسجون الحسكة وقسد وغيرها.

تصريحات وزير خارجية رامبو حول اقتتال وحرب أهلية داخلية في سوريا خلال أسابيع، هي تهديدات وليست تصريحات، نتمنى ألا نرى نتائجها الكارثية على أرض الواقع، لكن المسار الإرهابي للحكومة ومؤيديها ومعارضيها من أبناء جنسها، لا تُبشر بالخير.

من جانب آخر ولمَنْ أرسلَ يسأل؛ لا نرى في مركز فيريل أهمية كبيرة لتصريحات روبرت فورد سفير “السندويشة” الأميركي السابق، حول تدريبه للإرهابي أبي محمد الجولاني عام 2023 على إدارة الحكم وإعادة تأهيله من إرهابي إلى سياسي “كيوت”، هذه التصريحات ليست ضدّ الجولاني بل لصالحهِ. أمر غريب؟ نعم تدعمهُ لأنها بمثابة “حكم مُخفف” وتبييض صفحتهِ وتغيير اسمه لاسم شخص توفي منذ أكثر من 20 عاماً في العراق. وهذا خاصّ بنا وللموضوع بقايا. لكن ما علاقة هذا الموضوع بالحرب الإرهابية ـــ الإرهابية المتوقعة؟

قضية تكفير الإرهابي أبو محمد المقدسي للجولاني فهي محط شكّ. فالإثنان ينتسبان لمدرسة واحدة وإن كان المقدسي أكبرُ سنّاً وأكثر خبرةً بكثير، والجولاني “لُقّن” تعاليمَ إسلامية على عُجالة… المقدسي هذا؛ اسمه الحقيقي عصام طاهر البرقاوي من مواليد فلسطين ويحمل الجنسية الأردنية، أستاذ الإرهابي الذي قتلتهُ المخابرات الأميركية أبي مصعب الزرقاوي صديق الجولاني أيام العمليات الإرهابية في العراق. الحديث عن فتوى تكفير الجولاني تسيرُ والأصح تُسيّرُ من قِبَل داعميه الخارجيين أولاً، لتبرير أيّة عمليات عسكرية وتصفيات يقوم بها مباشرة أو بطرق ملتوية.
تدعو فتوى المقدسي المنتشرة بين الإرهابيين الإسلاميين، إلى عدم الانصياع لأوامره لأنهم سيصبحون كُفّاراً مثلهُ، ونُكرر هذا على فرض أنّ الفتوى صحيحة وليست أكذوبة لتبرير ما هو أسوأ. سنذكره نهاية المقالة.

أولاً: جماعة الجولاني ومَنْ والاه، “تشرّفوا” بلقاء دونالد ترامب والتقاط الصور معه بعد انتظار “التلميذ” الشاطر أمام الباب، قبلَ أن يأذن له محمد بن سلمان بالدخول، في أكثرِ موقف إذلال “مقصود” لشخص يُريدُ مصافحة آخر.

ثالثاً: الموافقة على “دراسة” رفع العقوبات الأميركية عن سوريا. وهنا لنا وقفةطويلة وأكثر دقّةً. فالاتحاد الأوروبي وافقَ “مبدئياً” على دراسة رفعَ العقوبات عن سوريا وكان في نهاية شباط 2025 أي قبلَ 3 أشهر قد رفع العقوبات في مجال الصحة والطاقة والمواصلات، فهل لاحظتم تغيّراً في تلك المجالات؟ إلى التفاصيل الأخرى في مجال رفع العقوبات.

نبدأ بالاتحاد الأوروبي الذي هرول بتقليد أعمى لقرار ترامب، فأعطى الضوء الأخضر لرفع كافة العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا. حسب زعمهم؛ الخطوة لدعم تعافي دمشق. بعد 5 أيام من الضوء الأخضر؛ اجتمعَ وزراء خارجية 27 دولة أوروبية وقرروا رفع العقوبات يوم الثلاثاء 20 أيار الحالي. لمَنْ يفهم العربية جيداً؛ القرار “رفع” وليس “إلغاء”. وهذا ما أكدهُ القرار الأوروبي الذي أضافَ، وهذه الإضافة لن تراها في وسائل الإعلام الخشبية:

الأمر نفسهُ ينطبق على القرار الأميركي؛ استخدم ترامب كلمة “وقف وتعليق” العقوبات، ولم يستخدم كلمة إلغاء في خطابه في الرياض، والسبب مشابه وسابق للأوروبيين؛ على جماعة الجولاني الإرهابية تنفيذ الكثير من الأوامر الأخرى.

لهذا كلّهِ؛ توقيعُ الرئيس الأميركي أو الاتحاد الأوروبي لا يعني أن هذه العقوبات رحلت إلى غير رجعة وفوراً. يجب أن يَمرّ “الرفع” بعملية بيروقراطية قد تطولُ شهوراً قبل الإعلان رسمياً عن القرار، وهذا ما أكدته وزارة الخزانة الأميركية بتاريخ 15 أيار الحالي: رفع العقوبات عن سوريا عملية معقدة وتحتاج شهوراً. هناك عقوبات “تنفيذية” يستطيعُ الرئيس الأميركي رفعها فوراً، وهذا لم يحدث حتى اللحظة، لكن العقوبات التي مرّت عبر “الكونغرس” تحتاج لاجتماع هذا الكونغرس والتصويت على رفعها، ومنها “قانون قيصر”.

بالنسبة للمطبلين فالوضعُ، حسب طبولهم؛ ممتاز ومنذ شهور، وقبلهم قالها أسلافهم عن النظام السابق. طبعاً وصلتنا في مركز فيريل تخيّلاتٍ “مَرَضية” حول رواتب 2500 دولار للسوريين والدولار بعشر ليرات، أتذكرون كم مرة تحدثنا عن إبر التخدير لدى الحكومات السورية السابقة وكان الكثيرون غارقين بـ “أحلام الفتى الطائر”؟ اليوم ومع حكومة المتخلفين ازدادت بل تضاعفت ثخانة وحجم إبر التخدير تلك.

 إعلانُ ترامب “رفع” العقوبات وإلقاؤه التحية على الإرهابي الجولاني، ليس فقط لتنفيذ رغباتِ بن سلمان والحصول على مليارات تصبّ في الخزينة الأميركية، وليست فقط حملة دعائية ومحاولة ترميم مكانة واشنطن في الشرق الأوسط، هو أيضاً كما نراهُ في مركز فيريل إضافة أوامر لجماعة الجولاني وتنفيذها بالسرعة المطلوبة قبلَ نهاية الصيف. لهذا رأينا الهرولة نحو كسب رضى تل أبيب بخصوص الجاسوس الإسرائيلي “إيلي كوهين” الذي أُعدِمَ في ساحة المرجة 18 أيار 1965. فأعطي ملفّهُ مباشرة من يدّ ليد. هذا الملف بقيَ 60 عاماً مخفيّاً وعصيّاً على الموساد إلى أن جاءت حكومة المتخلفين بزعامة الإرهابي الجولاني فقدمته هدية وعربون كسب رضى وركوع ذليل لتل أبيب.  

ليس بمقدور جماعة الجولاني التخلص من الإرهابيين الأجانب والعرب وحتى السوريين، فهل يمكن لجبهة النصرة قتال عشرات التنظيمات الإرهابية التي قاتلت بجانبها ضد الجيش السوري؟ ستقوم هذه الجماعة باعتقالات لإرهابيين أجانب مع “بهارات إعلامية”، بانتظار  إيجاد سبب “دولي” لقتلهم كارتكابهم مجازر جديدة بحق أهل الساحل أو السويداء أو تفجير دور عبادة والقصد هنا واضح.