متى تُحلُّ أزمة إدخال السوريين لأغراضهم في معبر نصيب؟ تحقيق مركز فيريل للدراسات. 08.11.2021
يتشاطرُ أصحاب المعالي بالطلبِ من السوريين العودة لوطنهم، لحضنه الدافئ. باتَ من الواضح أنّ هذا الحضن مخصّصٌ لمَن باع وطنه وحمل السلاح ضده، وليس لمَن دافع عنه بالدم والمال. ما نستعرضهُ اليوم جزئية فقط مما يجري، فإن تم حلّها، فهو إصلاح لخطأ واحد من أخطاء كثيرة، وإلا فمن المعيب أن يطلعَ علينا صاحبُ كرسيّ ليقول: “سوريا تفتحُ أبوابها لأبنائها”. على هذا المسؤول أن يُخبرنا؛ تفتحُ أبوابها بأي اتجاه؟
شهورٌ طويلة مرّت ومازالت الشاحنات المحملة بأثاث وأدوات السوريين العائدين من الخليج، عالقة في معبر نصيب الحدودي مع الأردن. إيقاف دخول الشاحنات بدأ منذ حزيران الماضي 2021 ومازالت أكثر من 60 شاحنة عالقة عند الحدود، بينما عادت شاحنات أخرى بعد أن فقد أصحابها الأمل وتكبدوا خسائر كبيرة بين شركة الشحن وصاحب الأثاث، وكلّ طرفٍ يُلقي باللائمة على الطرف الآخر ويتهمه بالتقصير. تواصل مركز فيريل للدراسات مع كافة الأطراف ووصلنا إلى صورة قريبة مما جرى ويجري وقد يجري، ووُعِدنا بالحلّ خلال أيام. عسى ولعل.
أسبابُ العرقلة
لاشكّ أنّ القرارات المتناقضة التي تصدر بشكل “ارتجالي” عن الحكومة السورية هي أحد أهم الأسباب، لكنها ليست الأسباب كلّها كي لا نظلم أحداً. قرار فرض رسوم جمركية على أثاث السوريين القادمين من الخارج يتناقض مع قانون الجمارك الذي يسمح لهم بإدخال مقتنياتهم. القرار المُطبّق حالياً هو دفع رسم قدرهُ 5500 دولار على الشاحنة حسب شركتي شحن اتصل مركز فيريل للدراسات بهما، بينما أخبرنا أحد العاملين بالجمارك السورية أنّ السبب هو وجود أدوات كهربائية، وهذا تفسير غير دقيق لنص القرار.
بالعودة لنصّ القرار رقم 1354 الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء السوري، وبتوقيع السيد حسين عرنوس بتاريخ 21 آب 2021، ورد بشكل صريح ماذا يشمل الإعفاء من الضريبة الجمركية، شاهدوا الصورة. أدوات كهربائية بما في ذلك الغسالة والبراد والتلفزيون إلخ… عدنا لسؤال الموظف الجمركي مع نصّ القرار الواضح، فأجاب: (هناك أشخاص يحملون عدة أجهزة كهربائية حديثة ومن نفس النوع). بكل حيادية، كلامه هنا، استثنائياً؛ صحيح لكن كم نسبتهم؟ خاصة وأنه قال “هناك”، هل يُعقل أن نمنعَ دخول الجميع بما في ذلك السوريين الذين يُحققون الشروط كاملة، لأنّ بعضهم يُخالف الشروط؟!
سبب آخر وضعتهُ الجمارك السورية وهو أن “بعض” الشاحنات كانت تحوي موادَ غذائية لا يشملها العفو ولا يُسمح لها بالدخول. عادوا لاستخدام “بعض”. السؤال: لماذا لم يرد ذكر ذلك في القرار 1354؟ وكم ستكون الكمية التي سيُدخلها الشخص، بالتأكيد ليست بالأطنان وهي للاستعمال الشخصي، هل ستؤثر على الأمن الغذائي مثلاً؟!
يا أصحاب المعالي: تنفيذ القوانين يُسر وليس عسر. ولا تنسوا؛ إن طُبّقَ القانون بحذافيرهِ، فطردكم ومحاسبتكم ستكون أولى تطبيقاتهِ إن كنتم تعلمون.
متى سيخرج علينا مسؤول سوري يُخبرنا الحقيقة دون أن يُطالبنا بالصمود والصبر؟
قرار الإعفاء الجمركي للمغتربين قديم، بعضنا عايشهُ في فترة الثمانينات عندما كان يحقّ للمغترب إدخال أثاث منزل كامل دون رسوم جمركية دون تعقيدات كبيرة. اليوم وبعد أربعين عاماً باتت التعقيدات سلاحاً يحتمي وراءهُ الفساد المالي والإداري دون شكّ. لم يترك السوريون القادمون من الخليج أصحاب الأثاث باباً إلا وطرقوه، قبل أن يلجؤوا للإعلام الذي نشر عدة مراتٍ، ولم يتحرّك ساكن أو “يتلحلح” مسؤول عن كرسيّهِ. على العكس؛ حرّرت الجمارك السورية عدة مخالفات بحقّ بعض الشاحنات التي دخلت الحدود عبر المعابر الرسمية، وكأنه فخّ، بعد أن أصبحت داخل الأراضي السورية وتمّ تحويلها إلى منطقة عدرا لجمركة كلّ قطعة تحملها!
المغتربون السوريون قالوا لمركز فيريل حرفياً: (فليخرج علينا مسؤول يشرح المشكلة وأين أخطأنا، إلى متى سننتظر وماذا نفعل؟ ما خسرناهُ حتى اليوم يعادل ثمن الأثاث وأكثر… اتصلنا بعدة مسؤولين، أجابنا بعض الموظفين العاديين الذين لا حول لهم سوى قبض المعلوم… كل جهة تتبرأ من المسؤولية، والحل؟).
بماذا ستؤثر هكذا حقائب على الاقتصاد السوري؟! صورة عن إيقاف شحنة صغيرة مكونة من أربعة حقائب وكرتونة مواد غذائية منذ عدة أشهر لمغترب سوري. بينما تمرّ شاحنات كبيرة محملة بمواد مهربة متنوعة غذائية وإلكترونية وحتى سيارات حديثة.
من المُعيب إذاً أن تقولوا للمغتربين؛ عودوا إلى سوريا يا أصحاب المعالي
يبدو من الصعب على مسؤول أن يتخيّلَ أن مواطناً سوريّاً قرر العودة لوطنه في ظلّ هذه الأوضاع المعيشية المأساوية بمعنى الكلمة. المغتربون يا أصحاب المعالي؛ أنهوا عقود عملهم في دول الخليج طواعية وعن رغبة بالعودة للوطن الأم، وكلّهم أمل مرفقٌ بأحلام وردية رغم إدراكهم ومعلوماتهم عم الأحوال السيئة، والتي تُنسبُ دائماً لأسباب خارجية نتيجة المؤامرة الكونية…
هل إيقافُ وتعطيل الشاحنات عند الحدود السورية مؤامرة كونية؟ ربما للرئيس الأميركي جو بايدن يد في ذلك؟ أم هو أردوغان الذي تدخّل وعرقل؟ يبدو أنّ الملكة البريطانية إليزابيث الثانية تتقاضى نصيبها من الرشاوى عند معبر نصيب وكافة المعابر الحدودية؟ إلى متى تهجمون كالتتار على مندوب نقابة أطباء حلب لأنه تقاضى مبلغ 50 ليرة على الرسم المطلوب لتجديد رخصة القيادة، وما كانت رشوة، وتتركون بالعي الملايين والمليارات الذين أدخلوا الأسلحة للإرهابيين عبر الحدود، بغباء وطمع أو عن قصد، ولكلّ صاحب كرسيّ حصّتهُ؟
أما آن الأوان كي تتحرّكوا وبشكل دائم لحلّ مشاكل المواطن السوري الأساسية، دون إشغاله بتوافه الحلول و “زعبرات” وبروباغندا توفر الموز والزيت في صالات التجزئة ووزن جرّة الغاز وعدد الأرغفة. أنتم مفضوحون، فداروا عوراتكم إن كنتم تتقّون… مركز فيريل للدراسات. 08.11.2021