وانتصر جورج قرداحي. الدكتور جميل م. شاهين

وانتصر جورج قرداحي. الدكتور جميل م. شاهين Firil Center For Studies. Berlin 03.11.2021


وتستمرُ الحربُ الإعلامية ومعها السياسية والاقتصادية والعسكرية… والقشة التي قسمت ظهر البعير هي العبثية. جورج قرداحي شخص متزن ينتقي تعابيرهُ بدقة وذكاء. وصفَ الحرب في اليمن بـ “العبثية” قبلَ أن يستلمَ منصبه كوزير للإعلام اللبناني. وصفٌ دقيقٌ ديبلوماسياً غير جارح سياسياً، ظنّ مراهقو السياسة أنهم وجدوا فيه ضالتهم فاستغلوهُ إلى أبعد الحدود والقصد ما كان جورج قرداحي شخصياً بل أبعد بكثير، بينما هرول كلّ صغيرٍ منتفعِ وصغيرةٍ “منفتحة” للهجوم والتهجّمِ عليه، عسى أن يكسبوا رضى السعودية ببضعة ريالات تُجفّفُ تعرّقهم، أو يحصلوا على عقد عمل ما في سوق عكاظ المتأرجح…


صمود لبناني وتعنتٌ سعودي


توقع ساسةُ الخليج أنهم بهذه “الهمرجة” الإعلامية والضغط السياسي ومعهُ الاقتصادي، سيجبرون ليس فقط جورج قرداحي، بل الحكومة اللبنانية كاملة على الاستقالة. توقعاتهم خابت برفض الجميع الاستقالة وهذا هو الموقف الصحيح إنْ استمر.


نجيب ميقاتي، ابن طرابلس، وما أدراك ما طرابلس بالنسبة للسعودية، التقى خلال مشاركته في قمة المناخ في اسكوتلندا برئيس الوزراء الكويتي والرئيس المصري السيسي، ثم أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني الذي سيوفدُ وزير خارجيته محمد بن عبد الرحمن إلى لبنان لمعالجة الأزمة. وأيضاً بالرئيس الفرنسي ماكرون. إذاً تدخلت فرنسا وقطر…

السعودية مازالت مُصرّة على موقفها ولن تتراجع عن مطلبها باستقالة قرداحي ومعهُ الحكومة كاملة، فهل ستكون هذه الاستقالة “المتوقعة” الحلّ السحري للأزمة المفتعلة؟ ميقاتي يسعى لاستقالة قرداحي كحلّ وسط، أي يريدُ التضحية بوزيره كي يبقى في منصبه. وحتى إن حصلت فهل ستكون حربُ اليمن غير عبثية؟


أسباب الهمرجة السعودية


لم تكن الرياض راضية عن تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية التي تعتبرها حكومة حزب الله بل حكومة إيران برئيس وزراء تركي… لهذا
سعت ومازالت لإفشالها بأية وسيلة. إفشال الحكومة يعني ضربة لإيران وردّ اعتبار لما يجري في اليمن وللخسائر الكبيرة التي مُنيت بها السعودية على يد الحوثيين بمساعدة حزب الله. أي؛ ردّ اعتبار والعين بالعين.
الأخبار الواردة من اليمن تؤكد سيطرة الحوثيين على مناطق جديدة من محافظة مأرب التي تعومُ على بحر من البترول والغاز والقريبة من الحدود السعودية. وصل الحوثيون إلى جبل “البلق” المُشرف على المدينة التي باتت شبه محاصرة، رغم عشرات الغارات الجوية السعودية عليهم وتقهقر القوات اليمنية التي تدعمها. الواضح إذاً أنها معركة بين حزب الله والسعودية. وبتوسع أكثر، بين إيران والسعودية.

ميقاتي يميلُ إلى القطريين وتركيا أكثر منه إلى الدول الخليجية الأخرى، ولا يعنيهِ أن يبقى قرداحي في منصبه أو يستقيل، بل يُفضّلُ استقالتهُ، بقاء ميقاتي لن يُرضي السعودية لكنها ستعتبرهُ أهونَ الشرّين والحفاظ على ماء الوجه.


تصريحات المسؤولين السعوديين كانت واضحة، فوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قال: (الإشكالية في الحكومة اللبنانية هي في سيطرة حزب الله).

ماذا يمكن أن تفعلَ السعودية في لبنان إن لم؟


دعوة وزارة خارجية البحرين لمواطنيها بمغادرة لبنان فوراً، تفضحُ شيئاً مما قد يحدث. فقد ورد في الدعوة: (نظراً لتوتر الأوضاع مما يوجب أخذ الحيطة والحذر… كما نؤكد على ما صدر عنها من بيانات سابقة بعدم السفر نهائياً إلى الجمهورية اللبنانية وذلك منعاً لتعرض مواطني المملكة البحرينية لأية مخاطر وحرصاً على سلامتهم)… أية مخاطر تُهدّد الحياة التي قد يتعرض لها المواطن البحريني في لبنان؟ أم أنّ هناك “مخاطر” قادمة بيدّ خليجية أو خارجية تزيد اشتعال النيران؟


ضغط سياسي واقتصادي سيضافُ لما يُعانيهِ الاقتصاد اللبناني أصلاً، وهذا خطأ سعودي خليجي إضافي أيضاً.


خطأ سعودي خليجي أم سوء تقدير؟


سُجّلتْ مقابلة جورج قرداحي في برنامج “برلمان الشعب” القطري، في شهر آب الماضي 2021، لكن القناة القطرية بثتها منذ أسبوعين، فهل كان هذا التأخير بالبث مقصوداً؟ على السعوديين أن يُفكروا بذلك. ولم يُفكروا… ظنّوا أنهم سيصطادون أكبر طريدة فماذا اصطادوا؟


بمراهقتهم السياسية فتحوا الباب أكثر لإيران وحزب الله في لبنان، وهم الذين يسعون مع تل أبيب للحدّ من هذه السيطرة. ليست إيران فقط، بل قطر ومعها تركيا، فأين هو الذكاء السياسي فيما فعلهُ زعماءُ الخليج؟!
ماذا ستجني السعودية ومعها الدول التابعة إن أرسلتْ إيران المزيد من حاملات البترول والمساعدات إلى لبنان؟ أليس هذا عكس ما تسعى إليه من إيقاف التغلغل الإيراني في لبنان؟ أم ستتصل بتل أبيب لمساعدتها عسكرياً؟


كان بإمكان السعودية استدعاء السفير اللبناني لديها وشجب تلك التصريحات، لتطمرَ الهمرجة في مهدها وتفوت الفرصةَ على مَنْ أرادها… وفشلت.


مَن يُريدُ أن يثأر لكرامتهِ يثور بوجهِ مَن وصفهُ بالبقرة الحلوب، وهدّدهُ بالسقوط من كرسيّ الحكم خلال أسبوعين إن سحبَ عنهُ دعمهُ. هنا تظهرُ القوة والقدرة في الحفاظ على الكرامة، لا أن تُغدقَ الهدايا على المُهدِّد وذويه.

وانتصر جورج قرداحي


جورج قرداحي ليس بحاجة لشهرة أو لمنصب سياسي، فهو أشهر إعلامي على مستوى الدول العربية، والهمرجة السعودية زادتهُ شهرة فوق شهرة. منصبُ وزير الإعلام لم ولن يُضيفَ لرصيدهِ نقطة بل على العكس، لهذا حتى لو استقال فإنّ رسالته وصلتْ وقد انتصر. عسى أن يفهم زعماءُ لبنان اللاهثين وراء عقود المهرجانات معنى الكرامة ويعرفوا أنّ لبنانَ كان مهد حضارة ومنارة إشعاع ثقافي، في وقت كانت فيه المطبعة، بدول ليست ببعيدة، “رِجسٌ” من عمل الشيطان والعياذ بالله. الدكتور جميل م. شاهين. 03.11.2021