مَنْ تفاجأ بما يحصل في ريف الرقة تحديداً سيمضي عمره متفاجئاً، ومنْ اندهش بما يحدث في سـوريا عموماً، سيورث ذلك لأحفـاده، الرقة لعبة من أخطر ما يواجهنا ضمن الحرب على سوريا لأنها مفتاح لأبواب، إن دخلوا منها، قد لا نستطيع إغلاقها.
تناقشتُ بحدة في آذار 1995 مع طالب دكتوراه في قسم علوم السياسة، أميركي الجنسية يدعى ديفيد في جامعة University of Pittsburgh “بتسـبرغ” Political Science Department، كان يُعدّ رسالة دكتوراه في قسم الدراسات السياسية بعنوان “الشرق الأوسـط برؤية أميركية”، ويبحثُ عمن يُعارض أفكاره ومعلوماته، فوجدني. شاهدتُ يومها منشأ كل ما نراه اليوم عن خارطة الشرق الأوسط وتقسيمه لكنتونات بحجم الكيان الصهيوني، ليصل عددها إلى 23 دويلة، فالسعودية لوحدها ستصبح 5 دول مثلاً. أمران جديدان في رسالة الدكتوراه تلك؛ أولاً: دراسـة هذا المشروع تعود إلى مراحل اسـتقلال دول الشرق الأوسط أي أربعينات القرن العشرين، وكل ما نسمعه الآن هو صدى أو كوبي معـدّل لما كان. ثانياً: مدة تنفيذ المشروع بين 70 و150 عاماً!!
من مشـروع الدكتوراه ذاك وبناءً على المعطيات الحاليــة لخّصتُ لكم التالي:
ــ ليسـوا متعجلين لإنهـاء أيّ نزاع في العالم بشكل عام وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، وفي تنفيذ مشروع التقسيم هـذا، لديهم 150 عاماً. والظاهر أنّ سـكان الشرق الأوسـط هم الأسـرع بتنفيذ ما يريدون!
ــ ليس صحيحاً أنّ الصهاينة ناجحون دائماً في تنفيذ مشاريعهم، لكنهم بارعون في وضع الخطط والخطـط البديلة، فعندما يفشـلون يلجؤون للبديل، ونظرتهم مستقبلية دائماً.
ــ أيّ تنظيم أو حـزب متطرف ديني أو قومي انفصالي، وأشدد على انفصالي، نشأ أو سـينشـأ في منطقتنا هو إمّـا من صنعهم أو يدعمونه بطريقة ما، ولا أستثني هنا أيّ دين أو قومية، وقد تبدو لنـا بعض هذه الصناعات أنها وطنية أو دينية رحيمة، وهي في حقيقتها تطبق ما يريدون، بعلم أو بدون علم.
ــ سايكس بيكو هي مرحلة أولى في مسلسل التقسيمات وليست نهائية، والحدود القائمة حالياً هشّـة ستتبدل، أي أنّ سايكس بيكو أصبحت في مذكرات التاريخ.
ــ كل الدويلات التي سـتنشأ ستكون “مخنوقة”، أي لا يمكنها الاعتماد على قدراتها الذاتية، ومعظمها لا يطل على البحر، بحيث تبقى الصراعات قائمة بينها، والحكَم والقاضي هو الأميركي والوسيط هو إسرائيل.
ــ الإعلام ثم الإعلام ثم الإعلام. يتمّ توظيفهُ لخدمة هذا التقسيم برمي عباراتٍ خبيثة، لترويج فكرة ما، أو زرع اسم قومية أو تقسيم مدينة شرقية وغربية، وعبر قنواتٍ فضائية يُقال عنهــا “مُقاومة”…
ــ لن يكون هناك احتلال عسكري في المراحل القادمة، بل احتلال اقتصادي وسياسي وثقـافي، والذي نقول عنه تافه هو بنظرهم مهم جداً، فتناول الهامبرغر والكوكا سيقود لاحقاً ليصبح “المثلث” معبود الجماهير وفق “الستايل” الأميركي، وقد نسمع في شمال سوريا وفي المستقبل القريب، الفاتحة على روح شارون علناً، نعم الفاتحة على روح شـارون، كما يقرأها سكان شمال العراق خمس مرات في اليوم.
ــ سـيصبح الشرق الأوسط شباناً ترتدي بنطالاً زاحطاً، أو أصحاب لحىً للأبحاث البيولوجية. وينصبّ اهتمام الشباب على الأمور السطحية. مثليو الجنس يتظاهرون أمام دور العبادة تحقيقاً للديموغراطية. السبت هو اليوم المقدّس، وكافة الأحداث الهامة جرت وتجري يوم السبتْ المبارك! وهذا كله يمشي بسرعة أكبر مما يتوقعون. لِمَ لا وزعيم رابطة العلماء القرضاوي قال حرفياً: “اليهود أقرب لنا من النصارى، فهم يؤمنون بالختان مثلنا، ولا يأكلون الخنزير مثلنا.!” أي أنّ التقارب مع اليهود هــو من المعـدة باتجاه الأسفل.
ــ كلّ صرح ديني أو دار عبـادة تُـبنى ويخرج صوتها للشارع، تسـاهمُ في نجاح مشروعهم.
أتابع معكم تلخيص المشروع الذي يعود إلى أربعينيات القرن الماضي:
ــ يجب التخلّص من كـل قومية عاشـت قبل اليهـود مـن آروميـا إلى سـيناء، وأيضاً مرحلة ما قبل السيد المسيح. وهذا ما نراه واضحاً ووقحـاً في منطقـة الجـزيرة السورية والعـراق وبعض المـدن السـورية، كسرقة الآثار وتفجيرهـا. القوميـات التي عاشـت قبـل اليهـود: السـومريون والآكاديون انتهـوا إلى غير رجعـة. الباقـون هـم: الكلدانيـون، الآشـوريون، الآراميـون /السريان/، واليزيديـون. والتخلّـص منهـم جـارٍ علـى قـدم وسـاق، وبمشاركة مـن الجميـع، مشـاركة غبيـة تـارة وخبيثـة تـارةً أخـرى. التخلص من الآثار لا يكون فقط بسرقتها وتفجيرها، فالآثار المسروقة من متاحف العراق، أعيد قسمٌ منها من قبل الدول التي أوعزت بسرقتها كالولايات المتحدة وكندا، ولكن بعد بعض التغييرات عليها، تغييرات تثبتُ أنّها تعود ليهود بابــل، أو هم الذين نحتوها، واسألوا عن عمليات تعتيق الحجر بالأشعة…
القصـد هـو إعـادة يهـود السـبي البابلي إلى ديـار الآشـوريين في شـمال العـراق، وقد بدأ، اليهـود سـيقودون تلك المنطقـة سـياسياً واقتصاديـاً وثقافياً، ويتحكمـون الآن بأسـعار العقارات والأراضي والبترول، وعبر أثرياء اليهود الأكراد تتم كافة الصفقات، وباتصال مباشر بين “مافيا” زعماء وأثرياء شمال العراق والكيان الإسرائيلي، مروراً باستنبول، فزعمـاء شمال العراق وعائلاتهم شـركاء شرعيون في مافيا المال اليهودي، ويكفي أن نعرف أنّ ثمن العقـار في أربيل أصبح يماثل نظيره في عواصم أوروبا، وارتفاع الأسعار الجنوني يثبتُ أنّهم يتحكمون حتى بأسعار “البوكسر” هناك، والشـعب هـو الأغنـام، ولقـد انضمّ زعمـاء لبنانيّـون وخليجيون لتجـارة البوكسر تلك. هذا جزء مما يُخطط له في الجزيرة السورية وصولاً للرقــة… بتعبيـر آخـر: إسـرائيل وصلت إلـى آروميـا، وقريبا في الرقــة.
ـــ لا تهاجم المنظمـات المتطرفـة مصالح للصهاينة أو لـ”عبيــد” الصهاينة. ولابأس من هجوم ما وقُتِـل عـدد مـن مواطني الدول الغربية.
الذي يحصل حالياً في الرقــة وشمالي حلب، هو ما حصل في شمالي العراق، والمشاركون بهذا الجيش التابع والذي اتخذ اسماً وطنياً برّاقاً “جيش لحد الانفصالي”، هم مرتزقة من عدة قوميات بما في ذلك عرب، اللعبة وقحة ومفضوحة، وهي تسليم الرقة للانفصاليين مقابل دير الـزور و… حلب لداعش…
الكاتب: د.جميل م. شاهين 28.05.2016