هل تعود العلاقات بين سوريا وتركيا قريباً؟29.04.2022 Dr. Jameel M. Shaheen Firil Center For Studies. FCFS. Berlin تنتشرُ كل فترة أخبار عن قرب عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، ومعها أخبار موجهة عن لقاءات بين مسؤولين من البلدين، فهل اقترب تاريخ عودة تلك العلاقات وما الذي يجعلها أقرب حالياً من أي وقت مضى؟
تركيا تتنازل عن عدة شروط وتسعى لإعادة العلاقات
الرئيس التركي رجب طيب أرودغان الذي كان لا يرضى إلا برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وبأنه سيصلي بعدها في الجامع الأموي، كما صرّح في 5 أيلول 2012: (سأذهب مع أعضاء حزبي إلى دمشق لألتقي بأخوتي، وسنتلوا سورة الفاتحة فوق قبر صلاح الدين الأيوبي، ثم نُصلّي في باحات جامع بني أمية الكبير، ونزور تربة الصحابي بلال الحبشي والإمام ابن عربي والتكيّة السليمانية ومحطة الحجاز). فيما أرسل جيشه لاحتلال أجزاء واسعة من الشمال السوري ودعم المنظمات الإرهابية، داعش وجبهة النصرة، وأسس جيش الإخوان المسلمين، وقام ومازال بعملية تتريك ممنهجة. بعد كلّ هذا؛ يسعى حالياً لإعادة علاقاته بدمشق متنازلاً عن شرط رحيل الأسد أولاً. فما السبب ولماذا تسعى أنقرة جاهدةً، بينما نرى بروداً من دمشق في هذا المجال وعدم تغيير في شروطها التي سبق ونشرنا عنها في مركز فيريل للدراسات بتاريخ 03 كانون الثاني 2017، وقلنا نقلاً عن مسؤول تركي هنا في برلين: ( المسألة الآن متوقفة على موافقة دمشق التي وضعت شروطاً قاسية وتعجيزية لعودة العلاقات مع أنقرة).
شروط تركيا لإعادة العلاقات مع دمشق
بعد مناقشات حكومية نشرتها الصحافة التركية للشروع في حوار مع الحكومة السورية، ومنها صحيفة “حرييت” شبه الرسمية: ( ترى الحكومة التركية أنّ دور أنقرة في الأشهر الأخيرة، وخاصة في ظل الحرب الأوكرانية وتركيز روسيا هناك، قد يكون توقيتاً جيداً لحل المشكلة السورية). معلوماتنا تُشير إلى وجود أربعة شروط تركية لعودة العلاقات مع سوريا، مع حيثيّاتها:
الشرط الأول: الحفاظ على وحدة سوريا ورفض أيّ تغيير في نظام الحكم المركزي.
الشرط الثاني: ضمان أمن اللاجئين العائدين إلى سوريا وعدم تعرّض أجهزة الأمن السورية لهم.
الشرط الثالث: مساعدة الجيش السوري للقضاء على نشاط الانفصاليين الأكراد وعلى رأسهم حزب العمال الكردستاني.
الشرط الرابع: مشاركة المعارضة السورية في الحكومة القادمة بعد إجراء التغييرات السياسية واعتماد دستور جديد (هذا الشرط محل نقاش وتراجع تركي).
أسباب التراجع التركي
التراجع التركي لم يكن فقط في الملف السوري، لهذا دعونا نبدأ من آخر الأخبار وهو زيارة أردوغان للسعودية. في كانون الثاني الماضي، صرح أردوغان بأنه سيزور السعودية خلال أقل من شهر أي في شباط. زار الإمرارت وتوقع الجميع أنه سيزور بعدها الرياض مباشرة، ولم يحدث. السبب كان واضحاً؛ لم يستجب لشروط السعودية وهي…
في نهاية آذار ، طلب المدعي العام التركي تعليق محاكمة 26 سعودياً، اتهموا بقتل “جمال خاشقجي” في 02 تشرين الأول 2018 في القنصلية السعودية باستنبول، بعد ذلك أصدر القضاء التركي بتاريخ 07 نيسان 2022 قراراً بإحالة قضية مقتل خاشجقجي إلى القضاء السعودي. هنا وافقت الرياض على استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
قبل تراجع تركيا عن ملف جاشقجي، تراجعت في ملف قطر التي وقفت بجانبها ضد باقي دول الخليج ومصر، إثر تردي العلاقات بين تلك الدول لأسباب عديدة أولها صفقة تبادل مختطفين في العراق وسوريا نيسان 2017.
في سوريا؛ أصبحَت الشروط التركية السابقة؛ رحيل الأسد وكافة المسؤولين الحاليين، وإتمام العملية السياسية ومشاركة الإخوان المسلمين في الحكم، بحكم المنتهية. الحكومة التركية جاهزة للتفاوض مع السوريين حسب الوضع الحالي، والواضح أن أحد الأسباب هو إنشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا والأصح مع الناتو، وبالتالي عدم اهتمامها بحل الملف السوري خاصة في الجزيرة السورية التي تحتلها الولايات المتحدة وميليشيات قسد. قد تُصبحُ هذه المنطقة نواة لدويلة إنفصالية تُهدد الأمن القومي التركي. تركيا لوحدها عاجزة عن الدخول عميقاً في الأراضي السورية في محافظات الحسكة والرقة، دون أن تصطدم بالجيش السوري أو الأميركي أو الانفصاليين، وتحتاجُ لمساندة من صاحب الأرض الحقيقي، أي الجيش السوري، ومعه إيران وروسيا المشغولة.
السبب الثاني هو تراجع الاقتصاد التركي إلى أدنى مستوى منذ استلام أردوغان الحكم
ومعه تراجعت شعبية حزب العدالة والتنمية لتُشيرَ استطلاعات الرأي في كانون الأول الماضي أن نسبة المؤيدين لأردوغان وحزبه هي 31% فقط، حسب مؤسسة ORC Research. وهي مؤسسة إحصائية مقربة من الحزب. عِلماً أنّ النسبة كانت 42,6% في انتخابات عام 2018 التي فاز فيها هذا الحزب. حالياً تحسنت النسبة 3% نتيجة توقف الليرة التركية عن الهبوط، وهذا لا يكفي لفوز أردوغان في انتخابات صيف 2023، لهذا عليه إيجاد نصر ما سياسي أو عسكري، والتخلّص من اللاجئين السوريين الذين كانوا يوماً مصدراً لمليارات الدولارات فباتوا عبئاً عليه، نتيجة توقف تدفق المساعدات من أوروبا المشغولة بمساعدة الأوكرانيين.
تراجع أردوغان من “صفر مشاكل” مع جيرانه إلى مشاكل مع جميع الدول المحيطة بتركيا، بل تجاوزها إلى مشاكل مع دول الخليج العربي ومصر وتونس وليبيا، ومع الاتحاد الأوروبي وحتى مع إسرائيل. حاول عدة مرات إعادة علاقاته مع هذه الدول، فشل في محطات ونجح في أخرى. اليوم وجد نفسه مضطراً للإذعان والعودة إلى الدول العربية، كانت الإمارات إحدى البوابات وغداً السعودية، لكنّ نجاحهُ لن يكون كاملاً دون المرور ببوابة دمشق.
تركيا تخشى انتصار أو خسارة روسيا في أوكرانيا وانعكاساته على الملف السوري
تبقى تركيا دولة عضو في الناتو ورأس حربة في خاصرة روسيا، مهما حاولت التظاهر بالحيادية من الصراع في أوكرانيا. أنقرة زوّدت كييف بطائرات بيرقدار وأغلقت مضيق البوسفور في وجه السفن الحربية الروسية خاصة، وأخيراً أغلقت أجواءها بوجه الطيران المدني والعسكري بين سوريا وروسيا. انتصار روسيا في أوكرانيا يعني قوة سياسية وعسكرية مضافة لموسكو، وهذا سينعكس على الملف السوري، وقد يكون المطلبُ الأول الانسحاب الركي الفوري من الأراضي التي تحتلها دون شروط، لهذا تستعجلُ أنقرة الحلّ في سوريا حالياً مع إنشغال الروس.
أمّا إذا خسرت روسيا في أوكرانيا، فسيكون هناك تقهقر مرافق في سوريا، مما يُشجّعُ الانفصاليين الأكراد التابعين لواشنطن على المضي بعيداً في تحقيق أهدافهم. في الحالين؛ نجدُ أنّ
مصلحة تركيا ألا تنتهي الحرب في أوكرانيا قبلَ انتهاء الملف السوري.
شروط سوريا لإعادة العلاقات مع تركيا
لا تبدو دمشق في عجلة من أمرها لإعادة العلاقات مع أنقرة، وتكتفي بتصريحات شحيحة تنفي فيها حصول لقاءات ديبلوماسية كلما انتشر خبر أو تأكيد تركي على حدوث ذلك. وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد أجاب في شباط 2022 حول استعداد بلاده لتطبيع العلاقات مع الحكومة التركية، خلال منتدى فالداي بموسكو: (سوريا وتركيا جيران، ويربطنا تاريخ طويل و500 سنة احتلال، تكفي حتى نفهم بعضنا إعادة العلاقات تكون ضمن شروط)
أول الشروط السورية: إنسحاب الجيش التركي من كافة الأراضي السورية التي يحتلها. وهذا ترفضه أنقرة بشدة حتى الآن.
الشرط الثاني: توقف الحكومة التركية عن دعم كافة المسلحين عسكرياً ومادياً، وحلّ الميليشيات المرتبطة بها.
الشرط الثالث: أن تكون عمليات الجيش التركي في شمال سوريا بالتنسيق مع القيادة العسكرية السورية وضمن مبادئ اتفاقية أضنة.
الشرط الرابع: الملف المائي والتعويض عن الأضرار التي سببتها المجموعات المسلحة المدعومة من أنقرة، بما في ذلك النفط والآثار والمعامل التي سرقتها وباعتها لتركيا.
القواسم المشتركة بين أنقرة ودمشق
لم نجدَ قاسماً مشتركاً بين سوريا وتركيا سوى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ومنع أيّ تقسيم أو تغيير في نظام الحكم يُمهد لقيام دويلة في الشمال الشرقي. الرابط بين الدولتين كانت موسكو، اليوم تُحاول أبو ظبي القيام بهذا الدور، وقد تلحقُ بها الرياض إن تمت المصالحة معها أيضاً.
وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، صرّح عدة مرات كان آخرها في آب 2021، عن اتصالات مع دمشق: (حدوث لقاء سياسي مع النظام السوري في دمشق غير ممكن. أنقرة تتواصل في القضايا الأمنية فقط. النظام السوري غير معترف به من قبل العالم، ولا شك أن تركيا لن تجري مفاوضات سياسية معه، بل قضايا أمنية متعلقة بالإرهاب).
قريباً سنرى كيف سيُغيّرُ الوزير من كلامه كما فعلَ أردوغان يوماً، وستتحوّلُ هذه الاتصالات الأمنية إلى اتصالات ديبلوماسية، فالضغوط عليهم كثيرة وأولها مليون ونصف لاجئ سوري سيعودون إلى سوريا، والملف الانفصالي ووضع تركيا الاقتصادي.
مليون ونصف لاجئ سوري سيعودون قبل صيف 2023
حسب صحيفة “تركيا”: (إحراز تقدم كبير في مشاريع البناء الصناعي المنظمة في مناطق عمليات درع الفرات ونبع السلام وغصن الزيتون. بتمويل من قطر سيتم الانتهاء من بناء 200 ألف منزل في تلك المنطقة، خلال 20 شهراً).
تتابع الصحيفة ومعها صحيفة حرييت المقربة من الحكومة: (شُكّلت مجالس محلية وأمنية وقضائية في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، عبر تدريب 12 ألفاً و42 شرطياً، ويتم إنشاء نظام أمني وعمراني في عفرين وجنديرس ورأس العين وإعزاز والباب وتل أبيض. تم بناء 8 مشافي و106 مركز صحي. بُني حوالي 52 ألف منزل تستوعب 45 ألف عائلة، ويتم بناء 63 ألفاً حالياً). لا يمكننا التحقق من صحة هذه الأرقام، لكن الصحيفة تتابع مؤكدة وجود مفاوضات مع دمشق حول إنشاء أقاليم آمنة أخرى لا تحتلها تركيا أو جيش الإخوان المسلمين في ريف حلب وإدلب، لكن السوريين وضعوا شرطاً رئيسياً لأية مباحثات قادمة ينصّ على إنسحاب تركيا والميليشيات التابعة لها أولاً.
توقعات القادم على العلاقات بين سوريا وتركيا
الرئيس التركي وحزبه الحاكم في سباق مع الزمن قبل الانتخابات التي إن جرت اليوم ونحن في نهاية نيسان 2022، سيخسرونها، لهذا يستعجلون أيّ حلّ يرفع شعبيتهم خاصة بين الشباب. لا نعتقد أن تُلبي دمشق الطلب التركي بفتح جبهة ضد قسد والميليشيات الانفصالية، روسيا لم توافق على فتح المجال الجوي للطيران الحربي التركي لقصف الأكراد في ريف حلب، لهذا قد تجد أنقرة نفسها مضطرة لوحدها لفتح جبهة أوسع في الحسكة والرقة وريف حلب خاصة منبج.
الإمارات تتوسط لرأب الصدع وقد ينجح أردوغان في السعودية، رغم انكشافه للكثير من أتباعه وحديثهم عن “صفقة خاشقجي” وسؤالهم عن المبادئ والقيم و “العنتريات” التي كان يصيح بها ويهدد السعودية والإمارات.
عليه أن ينجح في مراوغته المعهودة في كل مكان كي يجد طريقة يُقنعُ فيها أتباعه من السوريين تحديداً، أنه لابد من إعادة العلاقات الديبلوماسية مع سوريا ومع الرئيس بشار الأسد، بتوضيح أكثر؛
على أردوغان أن يجد “فتوى”، وهو الخليفة كما يصفهُ الملايين، فتوى تحفظُ ماء وجهه وتُخرجهُ من وعوده وخطاباته النارية بإسقاط الأسد.
المعارضة التركية تستغل ورقة اللاجئين السوريين وتُحرّضُ ضدهم، وتبدأ بارتفاع نسبة الجرائم بكافة أنواعها في تركيا بما في ذلك تدفق “المخدرات” من سوريا عبر معبر باب الهوى، وكان آخرها في 16 نيسان 2022 بالكشف عن 2,5 مليون حبة كبتاغون موجودة في شحنة “مخللات” متجهة من إدلب إلى استنبول. عِلماً أنّ التقارير الأمنية تُشير إلى أنّ تركيا تحوّلت إلى دولة رائجة في تجارة المخدرات تحت زعامة حزب العدالة والتنمية، خاصة بعد اغتيال الملياردير خليل فاليالي صاحب أكبر كازينوهات للقمار في تركيا، و اتهام أحد كبار زعماء المافيا التركي سيدات بيكر، بأن خليل هذا متواطئ مع نجل رئيس الوزراء التركي السابق بن علي يلدريم، في صفقات مخدرات كبيرة.
كما تخلّى أردوغان وحزبه عن زعماء من الإخوان المسلمين ومن حماس ومن السوريين، سيتخلى حتى عن جلده وعن ملايين من اللاجئين السوريين كي يبقى في الحكم. سوريا هي البوابة الأقرب له وعليه الدخول منها، البوابة عمرها آلاف السنين وبنيت بالطريقة القديمة، صغيرة الحجم، كي يدخلَ عبرها عليه أن يُطأطأ رأسه أكثر مما فعله في جَدة البارحة. فهل سيدخلها ديبلوماسياً، أم سيغامر عسكرياً في الشمال السوري. دعونا نرى… الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. 29.04.2022