هي “بعبعةٌ” أميركية خطيرةٌ، ضمن سلسلة لا تنتهي من الأصوات الصادرة عن مسؤولي البنتاغون والبيت الأبيض، لكنّ الصورة هذه المرة معكوسة، تصريح أميركي سوف تليه “تمثيلية” على الأرض، في غوطة دمشق أم إدلب؟…
بعبعةٌ من مسؤول أمريكي بأن الولايات المتحدة تحتفظ بحق استخدام القوة العسكرية في حال الضرورة، لردع دمشق عن استخدام السلاح الكيميائي.
حسب “رويترز” ونقلاً عن ذات المسؤول، أنّ القوات الحكومية في سوريا “تستمر باستخدام السلاح الكيميائي على نطاق محدود، منذ الهجوم في نيسان الماضي”، المقصود “تمثيلية “باب خان شيخون”.
هنا يفترضُ هذا المسؤول الأمريكي أنّ “الهجمات الكيميائية الأخيرة في سوريا تدل على أن الجيش السوري “قد” يكون بصدد تطوير أسلحة جديدة”. قد!!
ثم يدعو إلى “زيادة الضغط” على دمشق بشكل عاجل، لمنع “انتشار الأسلحة الكيميائية السورية حتى تصل السواحل الأمريكية”.!!
إذاً: تصريح أميركي ثم تمثيلية كيماوي ثم ضربة، لكن…
لماذا تفتحُ واشنطن الملف الكيماوي من جديد؟
يبدو أنّ الإرهابيين أنفسهم في الغوطة وحرستا تفاجؤوا بهذا التصريح الأميركي، وبات أمامهم النصّ والسيناريو جاهزاً للتمثيل… لكن لماذا تفتحُ واشنطن هذا الملف الآن؟
- أسباب داخلية أهمها حرف الأنظار عن الصدام الكبير بين وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفدرالي من جهة، والبيت الأبيض من جهة ثانية. السبب؛ نية الأخير نشر مذكرة سرية نهاية هذا الأسبوع، تبين أنهما يتخذان مواقف مسيسة إلى درجة كبيرة، ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتتهمهما بإساءة استخدام السلطة. مكتب التحقيقات الفيدرالي نصح بعدم النشر، لأن المذكرة تتهمهُ بأنه لم يكن نزيها في التحقيق حول تواطؤ روسي مزعوم مع فريق ترامب الانتخابي. أي أنّ موقف ترامب تحسّن كثيراً… الأمر لا يقتصر على ذلك، بل يطال الحزب الديموقراطي، وفريق المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، الذي موّل التقرير، وبالتالي الصدام سيكون في الحقيقة واسعاً، وبدأت الاتهامات بين النواب الديموقراطيين والجمهوريين، مع وصفهم لبعضهم بـ (انعدام الأخلاق لدى إدارة البيت الأبيض الذي يغذي الأزمة الحالية) كما قال مدير سي آي إي السابق جون برينان. وزارة العدل الأمريكية قالت إن نشر المذكرة سيكون عملا “فائق التهور”.
- الخروج من مأزق عفرين بشكل خاص، ومأزق الأكراد بشكل عام. فتركيا غرقت في المستنقع، والاستياء الأوروبي من عدوانها بلغ مسامع واشنطن، هذا سينعكس سلباً على وجود الناتو في الشمال السوري، وخطط تقسيم المنطقة وإنشاء فيدرالية، كخطوة أولى. الولايات المتحدة تريد مُعاقبة تركيا، لكنها لا تريد خسارتها كحليف عسكري إلى الأبد، وبالتأكيد، هي أهم من الأكراد بالنسبة لواشنطن والناتو، لهذا بدأت التضحية بهم مقابل عمليات عسكرية محدودة.
- الناتو ومن ورائهِ الولايات المتحدة عاجزان عن فتح جبهة كبيرة ضد روسيا في أوكرانيا، وهو ما تُعارضهُ أوروبا بقوة. أو ضد الصين وروسيا بآن واحد في كوريا الشمالية، وهي جبهة شديدة الخطورة قد تؤدي لحرب نووية… الجبهة المشتعلة أصلاً، والأقل ضرراً على أوروبا هي الشرق الأوسط وسوريا تحديداً… هنا يتفقُ الجميع: أوروبا والبيت الأبيض والبنتاغون!!
- إيقاف التقدّم السريع للجيش السوري وحلفائه في إدلب، والإبقاء على البؤرة الإرهابية في الغوطة الشرقية التي تُهدّدُ العاصمة بشكل دائم. هذا ما حاولت القيام به تركيا، لكنها اصطدمت بالرفض الروسي، لهذا وحسب معلومات مركز فيريل فهناك تنسيق بين واشنطن وأنقرة بهذا الخصوص.
- إجهاض أيّ انفراج سياسي في سوريا، خاصة بعد مؤتمر سوتشي التي حاولت واشنطن بشتى السبل إفشالهُ، ولكنها لم تنجح.
- وأد أيّ تقارب بين “الميليشيات” الكردية والجيش السوري، خاصة مع ارتفاع أصوات “الاستنجاد” بدمشق من قبل بعض زعماء هذه الميليشيات، بعد أن شعروا بأنهم “دُمىً” بيد واشنطن تلهو بهم ثم ترميهم للوحش التركي وعصاباته.
- توجيه ضربة لدور موسكو في المنطقة، وقبل انتخابات الكرملين في آذار القادم، والتي تمر علاقاتها بواشنطن بأسوأ حال منذ عقود، فالقيصر الروسي تمدد أكثر من المتوقع، ويجب تقليص حجمه مهما كان. الانتخابات الروسية على الأبواب، وفوز بوتين، العدو الأخطر للناتو وللولايات المتحدة، شبه محسوم. توجيه ضربة قوية للجيش السوري وحلفائه، سيضعُ الرئيس الروسي في وضعٍ حرج أمام ناخبيه، وهنا تُراهنُ واشنطن أنه لن يُغامر بأي ردّ عسكري يُضعفُ من نسبة نجاحهِ…
القادمُ من واشنطن
هناك تصعيدٌ في الملف الكيماوي، ومحاولات أميركية لاتهام الجيش السوري باستخدام السلاح الكيماوي، ولن يكون غريباً أن تتم “تمثيلية كيماوية” جديدة وبأكثر من مكان، لتُستخدم كذريعة لضربة عسكرية كبيرة. هناك تناقل لأخبار لا يؤكدها مركز فيريل حول تجهيزات بين صفوف الإرهابيين لاستخدام “غاز الكلور” في ريف إدلب والغوطة الشرقية. بينما سترتفعُ أصوات الأمم المتحدة حول “الأوضاع الإنسانية” في إدلب والغوطة. الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات
بالمقابل؛ نشرت الولايات المتحدة منظومة دفاع جوية مضادة للصواريخ في إسرائيل، في إطار تدريبات عسكرية مشتركة، تبدأ الأسبوع القادم، في حين انتهت البارحة الخميس، تدريبات مكثفة قام بها لواء “غولاني” على القتال الليلي بظروف تشابه قتاله لحزب الله. هذه المنظومة ستكون شبه دائمة، وربما هي تحضير وقائي تقوم به واشنطن وتل أبيب للقادم على المنطقة.
نلفتُ الانتباه من مركز فيريل إلى الجيش الذي تمّ إعدادهُ في “التنف”، وتحدثت عنه موسكو، ويُقدّرُ مركز فيريل عدده بين 3000 إلى 3500 مقاتل، حسب معلومات حصلنا عليها هنا في برلين، فهل سيلعبُ هذا الجيش الإرهابي دوراً ما بالزحف نحو الغوطة الشرقية ودمشق لاحقاً؟ أمرٌ آخر؛ أية هدنة في الغوطة الشرقية تعني إعطاء الفرصة للإرهابيين لإعادة تموضعهم وانتشارهم.
ما تقوم به الولايات المتحدة هو مُقامرة كبيرة، وسكان البيت الأبيض لديهم خبرة واسعة في صالات القمار، لكن؛ هل يربحُ لاعب القمار دائماً؟ التاريخ يقول: قد يربحُ لاعب القمار مراتٍ ومرات، لكنه سيأتي يوم يخسرُ فيه كافة أمواله وممتلكاته، مما يدفعهُ للانتحــار… الدكتور جميل م. شاهين. مركز فيريل للدراسات. 02.02.2018
الجيش الأميركي ومقاتلين في التنف
مقالات ذات صلة: