بشرٌ لا بقر. الشيخ محمّد وليد فليون. مركز فيريل للدراسات

السّيّد رئيس مجلس الوزراء… شكراً. ما وجهتم به جيّد ولكنّه غير كاف!

ففي ظلّ الفوضى التي أفرزتها الحرب على الوطن، كثر الصّيّادون في الماء العكر، واختلط حابل المجتمع بنابله، واختلّت قيم وانتُهكت أعراف لطالما كنّا نفخر بها؛ وقد كان من جملة هذه الانتهاكات موضوع عقود الزّواج خارج المحاكم الشّرعيّة.

قبل الحرب الكونيّة علينا لم نكن نسمع أو نرى شكوى أو خللاً في (كتاب الشّيخ) ولا ما يُعاب، فالأمنُ أرضُ الإيمان الذي تحمله، وسماؤه التي تظلّه، حتّى إذا ذهب الأمن اختلّ الإيمان؛ وهذا ما يعرفه كلّ أحد ويقتنع به.

لكن ما لا يمكن أن يقتنع به أحد، أن ترى الشّخص يقيم باباً كبيراً لبستانه ثمّ يحضر مِن الأقفال (أعقدها) بينما سائر محيط بستانه بلا سور ولا شبك، الأمر الذي يجعل المشهد مضحكاً، لكنّه بحال لن يصل حدّ المهزلة، وليس فيه ما يؤلم.

وأرجو أن يتّسع فكرك النّيرّ للعمل على وقف المهزلة ورفع الألم اللذين ما زالا يعكفان في كتبنا ومحاكمنا الشّرعيّة. فما وجّهتم به وزارتي العدل والأوقاف لاتّخاذ الإجراءات الصّارمة والكفيلة بمنع قيام رجال الدّين من إجراء عقود الزّواج خارج المحاكم، هو شيء رائع؛ لكن سرعان ما ندرك عند أدنى تأمّل أنّ توجيهكم الكريم هو القفل المعقّد والباب الكبير لبستان عقد الزّواج حيث لا سور له ولا ما يحزنون، بل إنّ كلّ موادّ القانون تقف ضدّ توجيهكم الكريم.

 

تسألني كيف؟ في قانون الأحوال الشّخصيّة السّوريّ ورد ما يلي:

المادّة 15

1ـ يُشترط في أهليّة الزّواج العقل والبلوغ.

المادّة 16

تكمل أهليّة الزّواج في الفتى بتمام الثّامنة عشرة وفي الفتاة بتمام السّابعة عشرة من العمر.

المادّة 17

للقاضي ألا يأذن للمتزوّج بأن يتزوّج على امرأته إلّا إذا كان لديه مسوّغ شرعيّ وكان الزّوج قادراً على نفقتهما.

المادّة 18

1ـ إذا ادّعى المراهق البلوغ بعد إكماله الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الثّالثة عشرة وطلبا الزّواج يأذن به القاضي إذا تبيّن له صدق دعواهما واحتمال جسميهما.

المادّة 19

إذا كان الخاطبان غير متناسبين سنّاً ولم يكن مصلحة في هذا الزّواج فللقاضي ألّا يأذن به.

أمّا الفقرة الأولى من المادّة (40) فقد حدّدت الوثائقَ المطلوبُ مِن الخاطب تقديمها للمحكمة لإجراء عقد الزّواج.

أمّا الفقرة الثّانية منها فتنصّ على أنّه: لا يجوز تثبيت الزّواج المعقود خارج المحكمة (كتاب الشّيوخ ورجال الدّين) إلّا بعد استيفاء هذه الإجراءات على أنّه إذا حصل ولد أو حمل ظاهر يُثبّت الزّواج بدون هذه الإجراءات ولا يمنع ذلك من إيقاع العقوبة القانونيّة.

السّيّد رئيس المجلس:

هذه الموادّ وفقراتها، وما وجّهتم به، وما يمكن أن تتفتّق عنه قرائح أساطين العدل والأوقاف، سوف يطيح بكلّ ذلك ما قرّره الفقهاء في مسائل الزّواج، ولطالما حَجَّ حَجُّ (الكتاب البرّاني) من غير ـ أبو حلاوة ـ وزارتي العدل والأوقاف، بل إنّ وزارة الأوقاف من خلال ما يُدرّس في معاهدها الشّرعيّة وكلّيّات الشّريعة ممّا قرّره الفقهاء والسّلف الصّالح ستجعل (بنصّ الدّستور السّوريّ) كلّ ما قد يقرّرونه لا يصلح إلّا للفّ سندويش الفلافل! لأنّ الفقه الإسلاميّ في الدّستور مصدر أساسيّ من مصادر التّشريع.

أمّا فقهاؤنا الكرام يا سيّدي ـ كما قانوننا ـ فإنّهم لا ينظرون إلى عقد الزّواج إلا بمنظار (بقريّ) بحت! وقد قدّموا المرأة ـ بالفم الملآن ـ مجرّد موطوءة؛ فما دامت تحتمل الوطء وتصلح له، فلْتُزوّج ولو كانت بنت تسع سنين؛ وليُضرب بعرض الحائط كلّ علم وكلّ فهم وكلّ تربية! ولذلك فهم يقرّون ويقرّرون:

ـ يجوز تزويج البنت ولو كانت في السّادسة من العمر (على الطّريقة النّبويّة).

ـ يجوز تزويج البنت ولو كانت رضيعة، لكن لا يُمكّن عريس العوافي منها حتّى تصلح للوطء.

ـ لا قيمة لإذن القاضي في عقد الزّواج على ثانية، ولو على مبدأ (جاز ومشي الحال).

ـ لا قيمة لإذن القاضي في عقود زواج المراهقين.

ـ لا قيمة لإذن القاضي في حال عدم تناسب السّنّ لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم (بزعم) رواة الحديث والسّيرة، عقد على إحدى زوجاته وهي في السّادسة ووطئها وهي في التّاسعة، بينما كان هو في الرّابعة والخمسين، وأنّ هذا ليس خاصّاً بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.

ولك سيّد خميس أن تتأكّد من ذلك من أساطين وزارة الأوقاف وصحيح البخاريّ.

ليبقى السّؤال بخصوص فارق السّنّ ـ وقد حَصرت المادّة (19) إذن القاضي بوجود (المصلحة)…: مصلحة مَن؟ هل هي مصلحة الذّكر الهائج المسوق بسوط شهوته الجنسيّة؟ أم هي مصلحة المرأة الطّامعة بالحساب البنكيّ، حتّى لو أنّ ما مع العريس (الّلقطة) مثل هدبة الثّوب؟! لأنّ هدبة الثّوب صحيح أنّها لا تحصن الفتاة (جنسيّاً) لكنّها لا تمنعه من (تحبيلها) وهذا ما تؤكّده ثقافة (الوطء).

أمّا ما يؤكّده العقلاء فهو أنّ ابن الكبير يتيم. ليكون سؤال عريض آخر: ماذا عن مصلحة ولد بينه وبين أبيه ستّون سنة؟.

على أنّ كلّ هذه المخازي والمخاريق منصوص على جوازها في كلّ كتبنا الفقهيّة التي تُدرّس في (مغارات الّلصوص).

لذلك أرجو من حضرتك السّيّد عماد الدّين أن يجد الدّين النّصَفَة عندكم، وهذه النّصفة لن تكلّفكم سوى الدّعوة لمؤتمر علميّ فقهي (حقيقيّ) يترك المدعوّون إليه خارج القاعة تعنّتهم وما ورثوه، ويُدخِلوا (مَناقيشهم) ليخرجوا الشّوك الذي أدخله سدنة الشّريعة في جسد الشّريعة، فغدت مثل (صبّار) المزّة قبل أن تُقطف، إلى أن تُنظّف ويُنادى عليها: {باردة وعنيدة هالصّبارة باردة} لأنّ عناد رجال الدّين لن يسمح لشيء من توجيهاتكم بالنّفاذ.

وأختم بما بدأت به:

ما قد تقوم به وزارتا الأوقاف والعدل لضبط عقود الزّواج خارج المحاكم، سيكون الباب والقفل الكبيرين لبستان لا سور له، وهو شيء مؤلم. لأنّ مَن يصدّق أنّ ابن الـ (54) النّبيَّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم تزوّج بنت ستّ سنين، ووطئها بنتَ تسع، وأنّه بناء على ذلك يجوز عقد الكبير على الصّغيرة ثمّ انتظارها حتّى تصلح للوطء ويحتمله جسمها… على هذا أن يعلم أنّ البشر غير البقر؛ وإنْ كان الفرق بينهما مجرّد حرف.

الشيخ محمّد وليد فليون، باحث في حوار الأديان وفقه المرأة. مركز فيريل للدراسات. 04.02.2018