اتفاق بوتين أردوغان. قراءة شاملة. زيد م. هاشم


اتفاق بوتين أردوغان. قراءة شاملة. زيد م. هاشم Firil Center For Studies FCFS

ماطل أردوغان بتطبيق اتفاق سوتشي لمدة سنتين، بقصد كسب الوقت في عملية التتريك وفرض أمر واقع على كامل محافظة إدلب، فقام الجيش السوري وبتغطية روسية، بعملية عسكرية حرّر فيها 2000 كم٢ من ريفي حلب وإدلب، وهي المناطق الأشد تحصيناً وكثافة بالإرهابيين والبيئة الحاضنة لهم. ساند الجيش التركي الإرهابيين وقام بهجمات على مواقع الجيش السوري، ليأتي الرد الصاعق من خلال توجيه ضربات جوية على نقاط العدو التركي مباشرة ومن الطيران السوري والروسي.

ماذا حقق أردوغان عسكرياً؟

هدد أردوغان بعملية عسكرية كبرى، مشترطاً عودة الجيش السوري لما بعد نقاط المراقبة التركية المحاصرة. تحرّك جيشه ولم يستطع فعلَ شيء ملموس عسكرياً على الأرض، سوى نشر وزارة دفاعه فيديوهات وبكثرة لم تستطع نشرها الولايات المتحدة، والأصح خجلت الولايات المتحدة نشر مثلها. فيديوهات كاذبة مُصنّعة من ألعاب كومبيوتر ترافقت مع أرقام خيالية لعدد ضحايا الجيش السوري وتدمير مئات الدبابات والعربات والمواقع، مما أثار سخرية مؤيدي أردوغان قبل معارضيه. استنجد بالناتو، ولم يلقَ سوى التأييد والمساعدة بالقول. فعلياً؛ لم يحقق الجيش التركي على الأرض سوى الهزيمة. عندما وجد النظام الحاكم في أنقرة نفسهُ مهزوماً لجأ لأسهل الحلول، الرضوخ لشروط موسكو، فذهب فريقه إليها بعد أن تراجع أردوغان عن تهديداته ووعيده بالقيام بعملية عسكرية كبرى ضد الجيش السوري وإعادته لخلف النقاط التركية المحاصرة.

لقاء موسكو قمة الإهانة لتركيا

بعد إنتظار المهانة المقصود أمام صالة الاستقبال والذي شاهده مئات الملايين، حصل لقاء هو الأهم بين بوتين وأردوغان. كان الكرملين قد رفض اللقاء الرباعي بحضور ميركل وماكرون. ليخرج أردوغان بعد ساعات مترنحاً يُصافحُ وزير خارجيته. ما نتج عن لقاء موسكو من قرارات معظمها تطبيق لاتفاقية سوتشي التي تقضي بتسليم الطرق الدولية حلب  دمشق حلب وحلب اللاذقية، والقضاء على جبهة النصرة الإرهابية من خلال فصلها عن الفصائل الأخرى غير المصنفة عالمياً إرهابياً.

أهم بنود الاتفاق

طريق حلب دمشق: تمّ التسليم أنه خارج أي تفاوض وحسم أمره للجيش العربي السوري.

طريق حلب اللاذقية: دوريات روسية تركية مشتركة، وهو حل وسط كنّأ أشرنا إليه في مركز فيريل للدراسات في كافة المقالات التي تناولت ملفّ إدلب.

إنشاء منطقة منزوعة السلاح شمال وجنوب طريق حلب اللاذقية وجنوبه بعرض 6 كم. شمال الطريق والمنطقة منزوعة السلاح الـ6كم من مسؤولية جيش النظام التركي، وجنوبه من مسؤولية موسكو ودمشق. إذاً تم التسليم من قبل نظام أردوغان بالتقدم الميداني الذي حققه الجيش السوري ولم يعد نظام أنقرة يطالب دمشق بالتراجع.

تسليم جنوب طريق حلب اللاذقية لسوريا وروسيا جاء بصيغة توافقية باركتها دمشق من خلال اتصال بوتين بالأسد. المنطقة ما بعد جنوب الطريق ما بعد الـ6 كم، وتشمل جبل الزاوية وجزءاً من ريف حماة، وتقع تحت سيطرة النصرة هي خارج التفاهمات وأي اتفاق لا يشملها… لهذا فإنّ قيام الجيش السوري بعملية عسكرية لتحريرها من تنظيم النصرة الإرهابي وحلفائه، أمرٌ وارد ما لم يتمّ إيجاد حلّ لهؤلاء وترحليهم منها.

الاحتمال الآخر؛ إنسحاب النصرة شمالاً وإذابتها مع الفصائل التابعة لأردوغان، ونقل من تبقى من الإرهابيين الأجانب إلى الخارج، كونهم العقبة الأخيرة وينطوي تحت لواء هذه المجموعات: إرهابيو الأيغور التركستان وشيشان وعرب.

المنطقة منزوعة السلاح وعرضها 12 كم بطول حوالي 80 كم بناء على خط سير الطريق، و 50 كم بشكل مستقيم، تعني مساحة 600 كم مربع على الأقل، يحتلها تنظيم جبهة النصرة الإرهابي الرافض للاتفاق، وفيها عشرات القرى والمدن الكبيرة بما في ذلك سرمين وأريحا وجسر الشغور وبداما... مدينة إدلب خارج الاتفاق.

اللقاءات بدأت بين الجهات المعنية من الدفاع والاستخبارات الروسية التركية، لوضع خريطة الميدان وتفاصيل العمل المشترك وإنشاء غرفة تواصل دائمة للتنسيق بين موسكو وأنقرة للتواصل بينهما وبين الجيش السوري.

إتفاق موسكو أنقذ أردوغان مؤقتاً

خضعت أنقرة بعد أن أيقنت أنّ واشنطن والناتو غير جادين في دعمها لمواجهة موسكو ودمشق وطهران عسكرياً، فلو حصل الجيش التركي على تغطية جوية فقط من الناتو لما تأخر في شنّ عملية عسكرية كبيرة، وكي لا يمضي في هزيمته قرر المحافظة على علاقته بروسيا والاستسلام. الوضع الداخلي في تركيا مازال يغلي واتهام أردوغان بجلب العار لتركيا يتفاعل، لكنّ الاستمرار في عملية عسكرية خاسرة يرافقها المزيد من تدفق التوابيت إلى أنقرة، كان سيؤدي ربما إلى إنقلاب عسكري ضده، هنا اختار النظام التركي أسهل الهزيمتين، فطار إلى موسكو.

ماذا حققت أطراف الصراع من هذا الاتفاق؟

دمشق: إقرار الجميع بوحدة الأراضي السورية، ورسم حدود التدخل التركي ضمن مراحل الحل المستقبلية والتي ستكون على شكل خطوات متتابعة. السيطرة على الطرق الدولية والمفروض تحسّن إقتصادي ملموس على الصعيد الداخلي، نقول المفروض والطبيعي… القضاء على القسم الأكبر من جبهة النصرة الإرهابية في أهم معاقلها. فترة استراحة للجيش السوري الذي يستحقها وإعادة تموضع وتزويد بالعتاد.

موسكو: القضاء على عدد كبير من الإرهابيين الذين يشكلون خطراً على أمن روسيا. زيادة الشرخ بين تركيا والناتو. تحقيق خطوة كبيرة في إنهاء الحرب، للبدء بتثبيت النفوذ الروسي وجني المكاسب الإقتصادية. جعل سوريا خارج نطاق الصراع من خلال المباشرة بالعملية السياسية التي ستشارك بها المعارضة ضمن هامش حجم تمثيلهم لسحب الذرائع من واشنطن وأتباعها. التوافق السياسي مع أنقرة والاتحاد الاوربي لحل سياسي في سوريا سيجعل الولايات المتحدة ترضخ للاجماع وتعترف بجزء كبير من العملية السياسية.


أنقرة: إيقاف حرب خاسرة تحصد المزيد من أرواح الجيش التركي وتُعجّلُ من الإطاحة بحزب العدالة والتنمية. يمنح الاتفاق أنقرة المزيد من النفوذ على المعارضة السورية المسلحة متعددة الولاءات، لأوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج، وبالتالي يمكنها توحيد هذه المجموعات تحت تنظيم الإخوان المسلمين وضمهم لصفوف (جيش الإخوان المسلمين). عندما وافق أردوغان على نقل كافة الإرهابيين في أرياف حمص وريف دمشق ودرعا وحلب إلى إدلب وريف حلب الشمالي والغربي، كان يريد تحقيق ذلك، وجيش الإسلام التابع للسعودية مثال. لكنّ مخطط أردوغان كان أن يتم هذا التجمع على كامل محافظة إدلب وريف حماة الشمالي، كي يكون بؤرة إنطلاق نحو مدينة حماة وحلب لاحقاً. الآن تم حصره في 20% المساحة التي خطط لها. ستنشئ تركيا منطقة آمنة لعودة اللاجئين تُستَغلُّ لطلب المعونات من أوروبا.

الاتحاد الأوروبي: ما يهم أوروبا هو التخلّص من كابوس اللاجئين السوريين، الذين سيأتي معهم عشرات الآلاف من الإرهابيين، لهذا رحبت بوقف إطلاق النار وتؤيد مبدئياً تشكيل منطقة آمنة ليتم إعادة اللاجئين إليها ويُوفّر من نفقاتها عليهم ويزيل الخطر الأمني من نزوح الفصائل التكفيرية. الاتحاد الأوروبي سيدعم إنشاء وترميم وإعادة بناء المناطق المدمرة وتوفير مناطق سكنية جديدة. هنا سيتوقف إبتزاز تركيا. الاتفاق سيحدّ من مخاطر مواجهة تركية سورية سرعان ما تتدحرج لتصبح مواجهة مع روسيا، وهذا خطر عالمي كبير غير مسموح به، لذلك من مصلحة الاتحاد الأوروبي نزع فتيل الازمة وإنهاء الحرب السورية.

الولايات المتحدة: واشنطن ترفض الاتفاق وتؤيده بنفس الوقت!. مشاركة تركيا في العملية السياسية والتوافقات مع روسيا، مصلحة بعيدة المدى، بغض النظر عن نظام أردوغان “المؤقت”، فتركيا عضو في الناتو وتربطها بواشنطن إتفاقات شراكة عسكرية وإقتصادية لا يمكن تجاوزها مهما حصل، وحضورها في سوريا يعني حضور الولايات المتحدة. بالمقابل؛ حلّ ملف إدلب وشمال غرب سوريا، سيجعل الكرة في ملعب واشنطن المتواجدة شرق الفرات، أي سيوجّهُ الأنظار نحو الانفصاليين الذين تدعمهم ويُعجّلُ الحل هناك، وهذا قد يحقق مصالح واشنطن إن فرضت شروطها بحكم ذاتي وبقائها هناك لنهب البترول مع قسد، أو يُعارضُ مصالحها إن جرى حلّ بغير هذه الصياغة. لهذا نرى واشنطن موافقة وغير موافقة على اتفاق موسكو.

إقرأ أيضاً ما نشرناه في 7 تشرين الأول 2019

إيران: وجود الأتراك بهذه الكثافة في إدلب وغيرها سيجعل طهران تفكر ملياً في عدم كسر التوافق أو خرقه. من اللافت عدم تواجدها في لقاء بوتين أردوغان والذي يعتبر من المحطات الهامة في الحرب على سوريا. روحاني دعى لقمة ثلاثية في طهران لتلافي ملف إدلب ورسم صيغة توافق، موسكو تجاوزت طلب روحاني بلقاء ثنائي في موسكو، وهي التي حرصت دائما على الحضور في أستانا أو سوتشي لتفرض نفسها كلاعب أساسي بالأزمة السورية ذات الأبعاد الإقليمية والعالمية المهمة. أي أنّ طهران بدأت تفقد ورقة مساومة مهمة في سوريا، فالروس لن يُحققوا مصالحها التي تدخلت في سوريا من أجلها، وبات على الإيرانيين تحقيق مصالحهم بنفسهم. كيف ستتمكن من ذلك؟ هل يمكن لتحالفها مع الإخوان المسلمين أن يعيدها إلى الساحة؟ عرض أردوغان على واشنطن وموسكو إدارة منابع البترول في الجزيرة السورية، كونهما أهم لاعبين، وتجاهل طهران التي تتواجد بقوة في أرياف حلب ودير الزور  وإدلب… فهل غدر بطهران؟ لاحظوا أنّ طهران لم ترحب بلقاء أردوغان بوتين وما نتج عنه.

رأي مركز فيريل للدراسات

اتفاقُ موسكو ليس حلّاً نهائياً ويجب ألا يستمرَ طويلاً. الطبيعي أن تنسحب تركيا من كامل الأراضي السورية، وهذا غير وارد الآن إلا بالقوة العسكرية الكبيرة التي يصعبُ تحقيقها. هذا هو الواقع، مَن يتحدث عن الاستمرار بقتال الجيش التركي والإرهابيين، عليه أن يقول هذا وهو في ساحة المعركة وليس من وراء الموبايل.

مشروع أردوغان “الإخواني” تقلّصَ كثيراً لكنه لم ينتهِ. ما يتمّ العمل عليه هو إنشاء (قطاع غزّة سوري)، يحميه جيش الإخوان المسلمين ويضم عدة ملايين من السكان في بقعة جغرافية ضيّقة… هذا ما يُعمل عليه… قطاع غزة السوري يضم: أجزاء من ريف حلب الغربي والشمالي، عفرين. تل أبيض. رأس العين. غربي محافظة إدلب. الميزة الوحيدة لهذا القطاع هو قطع الممر الإنفصالي الكردي، لكنه يحمل خطر الإنفصال عن سوريا إلى تركيا لاحقاً… وهذا تحذيرٌ مُسبق… ويمكن للدولة السورية العمل على منعه بعدة طرق.
وقف إطلاق النار حتى اللحظة ثابت، لكن لا يمكن ضمانه بعيداً، وإنهياره وارد في كل لحظة… لا أمان مع الأتراك. الأرتال التركية مازالت تدخل بعد لقاء موسكو، و‏رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا “أوليغ جورافليوف” قال: (وحدات الشرطة العسكرية الروسية ضمنت وصول 13 رتلاً تركيا إلى مواقع تموضع نقاط المراقبة التركية في إدلب). أي بموافقة روسية، فهل ستسخدم هذه القوات لقتال النصرة وفرض الأمن أم ضد الجيش السوري؟.

العملية السياسية إن انطلقت فعلياً، لا تتفاجؤوا بوجود الإخوان المسلمين في سوريا كحزب معارض وإن كان بلبوس آخر… كافة المناطق التي تسيطر عليها تركيا تتبع الإخوان المسلمين، وهو ماسيتم بحثه بمقالة أخرى في مركز فيريل للدراسات.

أخيراً: النقاط التركية المحاصرة هي بمثابة رهائن لدى الجيش السوري، ووجودها شكلي، لكنها قد تلعبُ دوراً تجسسياً على الأقل في حال عودة الأعمال القتالية. تركيا تستخدمها كورقة للضغط في حال فشل الاتفاق وذريعة لتعكير الأجواء والتهديد بشن عمل عسكري للوصول إليها. نعتقدُ أنه سيتم إيجاد حلّ لها في الفترة القادمة إن استمر… الهدوء وتنفيذ الاتفاق. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. زيد م. هاشم. 11.03.2020.