سيناريوهات الحل النهائي في إدلب. زيد م. هاشم

تم تجميع كافة التنظيمات الإرهابية في شمال سوريا، خاصة محافظة إدلب وريف حلب الشمالي والغربي. بينما وصلت الحرب في سوريا “ظاهرياً” وحسب التصريحات الأخيرة إلى مراحلها الختامية عسكرياً.

معضلة تنظيم جبهة النصرة الإرهابية وحلفها هيئة تحرير الشام، مازالت مستعصية على الحلَ بسبب تضارب الأهداف من وراء بقائها تبعاً للفرقاء الدوليين. هذه الأهداف ذاتها كانت موجودة عند محاولات احتلال دمشق وحمص والغوطة الشرقية وحلب ودرعا… لكن تمت التسوية في هذه المناطق كحلّ وسط، ورُحّلت المجموعات الإرهابية التي رفضت هذه التسوية ليحصل تجمّعٌ كبير لها، يبدو من الصعب التخلّصَ منه.

تزامن الحلّ الوسط هذا مع دخول روسيا بثقلها العسكري في أيلول 2015،  فتغيّرت الحسابات الاستراتيجية لأعداء سوريا.  موسكو تدخلت لمصلحتها أولاً وكذلك إيران، وهو ما نُكررهُ دائماً في مركز فيريل، بعد أن أحسّت بالخطر على أمنها القومي، وهي دولة عظمى لها ثقلها الدولي في صنع القرار العالمي، لكنها ليست الأقوى بدون رتوش، فما زالت واشنطن الأخطر والأقوى، ووراءها عشرات الدول التابعة في المنطقة والعالم، مهما حاول المتحمّسون التقليل من شأنها…

مؤتمرات ومؤتمرات والحل النهائي!!

ليست الدول الكبرى فقط تتصارع على التراب السوري، فدول كثيرة إقليمية كتركيا وإيران والسعودية ومصر والأردن ولبنان، كانت تريد التخلّص من الإرهابيين لكن “الإرهاب” يتمّ تصنيفهُ تبعاً لكل دولة على حدة. فتركيا ترى في الأكراد إرهابيين بينما جبهة النصرة بالنسبة لها معارضة معتدلة، السعودية على العكس؛ ترى في الإخوان المسلمين أعداء لها بينما الانفصاليين أصدقاء يجب دعمهم، هنا تضاربت المصالح وتشعبت التدخلات وباتت سوريا مسرحاً لتصفية الحسابات بين الدول المتنافسة… والشعب السوري يدفعُ الثمن.

عشرات المؤتمرات والاجتماعات هنا وهناك، والجميع يدّعي أنه “صديق” يعمل لمصلحة الشعب السوري، ولا ينام الليل قلقاً على أطفال سوريا… وكلّهم، ولا نستثني أحداً… لا نستثني أحداً، يعملون لمصلحتهم القومية، والفارق أنّ دولاً تريد استقرار الوضع كي تبدأ باستثماراتها ونفوذها ضمن سوريا الموحدة، وأخرى تريد استمرار الحرب لتقسيم سوريا.

طرحت التسوية في جنيف وسوتشي وأستانا، فتلكأت تركيا في التنفيذ بعد تحديد مناطق خفض التصعيد. صعّد الجيش السوري ومعه سلاح الجو الروسي بضربات جوية عنيفة، وحرّر ريف حماة وأجزاء من ريف إدلب، فعادت أنقرة مؤخراً مُكرهةً لتنفيذ بعض البنود التي كانت ترفضها سابقاً، جرى اجتماع بين روسيا وتركيا وإيران في 16 أيلول الماضي، وتمّ تحرير خان شيخون ومورك وكفرزيتا، ثم الحديث عن فتح الطريق الدولية بين دمشق وحلب واللاذقية وحلب، والحل حالياً وحسب ما نراه في مركز فيريل للدراسات مع توصلنا لبعض المعلومات، سيكون على الشكل التالي، لكن لا تحديد زمني بسبب تدخلات واشنطن وخداع أنقرة:

  • فتح طريق حلب ـ دمشق الدولية وتسليم معرة النعمان وسراقب للدولة السورية، مع إبعاد فصائل المعارضة المسلحة 20 كيلومتراً إلى غربي الطريق في محافظة إدلب، بينما يكون الجيش السوري في شرقه. هناك أخبار غير مؤكدة عن احتمال انتشار الجيش من سراقب شرقي إدلب وصولاً إلى دار عزّة غربي حلب، لكن أنقرة تُعارض هذا الأمر بقوة.
  • فتح طريق اللاذقية ـ حلب مع اشتراط تركيا بقاء الفصائل المسلحة المدعومة من قبلها قريبة منه دون دخول الجيش السوري، وهذا لا يحظى بموافقة دمشق.
  • كما ذكرنا جبهة النصرة تبقى مُعضلة، الترتيبات الدولية الحالية متباينة، فواشنطن ومعها تركيا تسعيان لسحب تصنيف الجبهة بالإرهابية، تمهيداً لدمجها بالمعارضة المسلحة “المعتدلة”، وحلّ “حكومة الإنقاذ” والتخلّص من الزعماء المصنفين دولياً إرهابيين، أي “تغيير ماكياج جبهة النصرة”… تغيير الماكياج يعني حلّ الجبهة ودمج عناصرها ضمن “الجيش الوطني” أو ما أسميناها قبل سنة في مركز فيريل “جيش الإخوان المسلمين”. إن رفضت ذلك الجبهة، قد نرى عملاً عسكرياً “دعائياً” من الجيش التركي بالاشتراك مع الفصائل التابعة له، هنا ستستغلُ روسيا والجيش السوري الفرصة ويُشاركان بشكل قوي، والمطلوب رؤوس جبهة النصرة وأنصار التوحيد وحرّاس الدين والحزب الإسلامي التركستاني. وهذا سيكون ضد مخططات تركيا وواشنطن.
  • تسيير دوريات روسية ـ تركية مشتركة عند خطوط التماس المذكورة، وبشكل روتيني، مع الإبقاء على نقاط المراقبة التركية على المدى المنظور، هذا الأمر تمت الموافقة عليه من الجانبين. بينما تُصرّ روسيا على دخولها “الشرطة العسكرية الروسية” كافة أرجاء إدلب وتسيير دوريات فيها أيضاً… والإشراف على عودة المؤسسات الحكومية السورية التابعة لدمشق في المحافظة بشكل كامل، وإعادة اللاجئين، وهو ما تُعارضهُ أنقرة.  
  • دعم عمل اللجنة الدستورية بموافقة أممية، والذي يُعبّر عن توافق المجتمع الدولي على البدء باتخاذ إجراءات عملية لحل الأزمة السورية، واعتراف ضمني بالقيادة السورية. تعديل الدستور والتوصل لتوافق بشأنه، سيرسمُ تفاصيل الحل السياسي المستقبلي. التفاهم على قانون الانتخابات والإشراف المشترك عليها وبرعاية الأمم المتحدة.
  • دمج تركيا ما يسمى “الجيش الوطني وجبهة الوطنية للتحرير” استعداداً لتطبيق المنطقة العازلة، والتخلّص بأية طريقة من جبهة النصرة، ثم الانتقال لتطبيق الحل السياسي فيما بعد. وسيتم إيجاد صيغة مقبولة من الأطراف لهذا التشكيل العسكري لقوات المعارضة، واحتمال دمجها بالجيش العربي السوري .

لمصلحة مَن هذا الحل؟

قبل أن تُكمل القراءة، هذه هي الحلول المطروحة، وبالتأكيد ليست الأفضل لسوريا، وفيها بنود خطيرة، لكن هذا هو الممكن… إن كنتَ ترى غير ذلك، هذا هو السلاح وهذه هي ساحة المعركة، فتوقف عن البطولات الفيسبوكية الخيالية ودعنا نرى بطولاتك الواقعية على الأرض…

إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتهاء العمليات العسكرية الواسعة هو “دعائي” أكثر منهُ عملي، لأنه إشارة للمجتمع الدولي والدول الكبرى بتوفر المناخ الملائم وضرورة الانخراط في الحل السياسي. إيقاف الحرب بالنسبة لسوريا هو الأقل سوءاً، وليس الأفضل… فيه تجميع المعارضة المسلحة ضمن نطاق جغرافي مسيطر عليه ومحكم الحصار من كافة الجهات، ويسمح للاجئين الداخليين والخارجيين بالعودة بعد تحسن الظروف وتحقيق المصالحة والتسوية السياسية، والبدء بمرحلة إعادة الأعمار وتخفيف العقوبات الاقتصادية بعد تحقيق التسوية السياسية .

روسيا تريد ايجاد حل ينهي الحرب ويحمي مصالحها الحيوية في سوريا، ويضمن لها، بنفس الوقت، علاقة جيدة مع تركيا لمسائل تخص الولايات المتحدة والناتو والغاز والمضائق والمتوسط وقضايا شرق أوسطية لتركيا نفوذ فيها .

أوروبا تريدُ حلاً سياسياً يوقف موجاتٍ جديدة من مئات الآلاف من اللاجئين الذين صحت فجأة “مدهوشة” على جرائمهم وثقلهم على اقتصادها ومجتماعتها، وأيضاً منع وصول الجماعات الإرهابية… إنهاء الحرب يعني إعادة تقييم الوضع الأمني في سوريا، وترحيل عشرات الآلاف ممن وضعوا على القوائم، وحسب مركز فيريل للدراسات، هناك 36 ألف لاجئ سوري الآن على قائمة الترحيل من ألمانيا ممن حصلوا على إقامة وليس المرفوضين فقط، كما أعلنت السويد عن وضع 1300 لاجئ سوري على قائمة الترحيل… وجود حلّ سياسي بمراقبة أممية سيكون ضربة للاجئين المعارضين في أوروبا الذين يتحججون ببطش الأجهزة الأمنية السورية، كما أنّ الموالين للدولة والذين يتذرعون بظروف الحرب، لن يكون هناك مُبرر لبقائهم في أوروبا…

تركيا… لا يختلفُ عاقلان بأنّ تركيا تُخطط لضمّ أجزاء واسعة أخرى من #سوريا، سواء في محافظتي #إدلب و #حلب أو في #الجزيرة_السورية، وقد بدأت منذ اليوم الأول لتدخلها في الحرب بعملية #التتريك الممنهج. لهذا تعتبر هذا الحلّ، وإن كان أقل من “طمعها”، لكنّهُ تكريس لنفوذها في سوريا من خلال الفصائل التابعة لها وتنظيم الإخوان المسلمين كما ستقوم باعادة اللاجئين المعارضين للدولة السورية والمجنسين لهذه المناطق لضمان تمثيلهم لها هناك، بانتظار الانتخابات الرئاسية القادمة كمرحلة أولى، ثم تكريس انفصال هذه الأجزاء وضمها إلى تركيا في المستقبل الأبعد… والتاريخ سيحكم بعيداً عن عبارات “فشروا”…

الولايات المتحدة ترى فكرة بقاء منطقة تعجّ بالمعارضة المسلحة لدمشق أمراً جيداً، حيث يمكن تحريكها بالتواطئ مع أنقرة كلما دعت الحاجة. كما أنّ وجود حلّ سياسي يدخلُ فيه الإخوان المسلمون ومعهم عملاء لها ضمن الحكومة السورية القادمة، سيضع بيدها ورقة دائمة. لهذا، قد نرى موافقة أميركية على مقررات سوتشي وأستانا لكن بمسميات جديدة وتحت إشراف دولي، أي أخراج جديد، يضفي عليه شرعية دولية شبه كاملة.

أين يمكن أن تُناور دمشق؟

بعد هذا العرض الواسع، وكعادتنا نقول دائماً هناك حلَ… الخطوات التي ذكرناها سابقاً ليست لمصلحة سوريا بالمعنى الشامل، لكنها الأقل سوءاً بين الحلول… هذا الاتفاق السيء يمكن تحسينه بتحركات “ذكية” من دمشق… عندما ترى دول الخليج السعودية والإمارات ومصر أيضاً، التغلغل التركي الإخواني في سوريا، ستهرول نحو مد يد المصالحة مع القيادة السورية، وسيكثرُ الحديث عن “العروبة” والجامعة العربية، هنا يجب إظهار ذلك واستغلالهُ… أي إظهار التغلغل الإخواني واستغلاله، دون أن يكون هذا فعلياً، أي… عدم السماح فعلياً بذلك فقط إعلامياً، وعدم ترك الساحة للمسؤولين “عاشقي وعبدة” العثمانيين بالتمادي أكثر، وهذا سنبحثه غداً في مقالة منفصلة… ولتحدث المواجهة بين تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، وهذا في مصلحتنا، إن استطعنا إدارة الأمور بشكل صحيح.

تركيا ستدخلُ رأس العين وغيرها، والجيش التركي قد يُهاجم الانفصاليين في أية لحظة، واشنطن ستتركهم لقمة سائغة في فم الغول العثماني بسبب غبائهم وخيانتهم، وأمام دمشق ملف خطير هو الشمال والجزيرة السورية، فالحرب لم تنتهِ بعد… والطريق مازال طويلاً. زيد م. هاشم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين. 07.10.2019

وردنا أثناء تحرير هذه المقالة: أنهى #الجيش_الأميركي انسحابهُ من #قاعدة_تل_أرقم جنوب #رأس_العين، رغم المظاهرات التي حدثت البارحة لمنعهِ. الانسحاب يعني الضوء الأخضر لـ #الجيش_التركي بالهجوم على الانفصاليين. #فيريل_للدراسات.