اقتلاع أظافر أطفال درعا في بورما!

يتفاءلُ المرءُ أنّ ما حدث في سوريا، من كذب وتلفيق حول مجازر وهمية ارتكبت، وفيديوهات وصور من كوارث وأعمال قتل في منطقة أخرى من العالم، كل هذا لن يتكرر ثانية في أية دولة في العالم، لكن يبدو أنّ حتى التكرار لم يعد ينفعُ مع “الشُطار”!! نفس الأسلوب والطريقة، ولا داعي للابتكار، تتمُّ لتحريض القطيع وإثارتهِ، فيأتون بصور من كافة دول العالم وينسبونها لبورما، فتهيجُ القطعان ويبدأ النياح ليليه الصياح إلى الجهاد في… بكين.

الاعتداء على المسجد الأقصى، لا يعنيهم… احتلال فلسطين… ليس مهماً… قتل أطفال اليمن المسلمين… لم تسمع به آذان القطعان. شاهدوا فقط صور بورما… والدور جاءك يا… بكين…

كتبت الدكتورة أريج يعقوب العساف: بورما (ميانمار)، دولة تقعُ جنوب شرق آسيا، نالتْ استقلالها عن بريطانيا عام 1948. يدين معظم سُكّانها بالبوذية، والديانة البوذية من الديانات الرئيسية في العالَم، أسسَها بوذا في شمالي الهند. كلمة (بوذا) تعني بالهندية القديمة: الرجل المتيقظ أو المستنير. وفق تعاليم هذه الديانة؛ على كل شخصٍ يعتنقُها الالتزام بالقواعد الخمس التي تُشكّل أساس المُمارسات الأخلاقية للمذهب البوذي، وهي:

1ـ الكفّ عن القتل.

2ـ الكفّ عن أخذ ما لَم يُعطَ له.

3ـ الكفّ عن الكلام السيء.

4ـ الكفّ عن السلوكيات الحسيّة المُشينة.

5ـ الكفّ عن تناول المشروبات المُسكِرة والمخدّرات. باتباع هذه التعاليم يمكن القضاء على الأصول الثلاثة للشرور: الشهوانية، الحِقد والوَهم.

من تعاليم بوذا، الدعوة إلى المحبة والتسامح والتعامل بالحُسنى، والتصدّق على الفقراء، وترك الغنى، وحَملِ النفس على التقشف. من وصايا بوذا أيضاً: لا تقضِ على حياة حيٍّ، لا تسرقْ، لا تغتصب، لا تكذب، لا تتناول مُسكراً، لا تزنِ، لا تأكل طعاماً نضجَ في غير أوانه.

هذه التعاليم السامية قادتني إلى الاستغراب من صُوَرٍ متفرقة لجُثثٍ مشوّهة، ادّعى ناشروها أنّها صورٌ لمواطنين بورميين مسلمين قُتِلوا على أيادي البوذيين، علماً أن الديانة البوذية تحرِّمُ قتلَ أيّ شكلٍ من أشكال الحياة. لستُ بالمُدافعة عن الإجرام، أنا ضدّ قتل الإنسان لأيّ سببٍ كان، ولا هدفي من هذا المقال إنكار حقيقة أثبتَتها الوقائعُ، ولكن غاظني ما حملَتُه المواقعُ والصفحات الاجتماعية المزوّرة المُدّعية أن هذه الصور هي لمجازرَ حدثتْ في بورما على أيادي البوذيين. بعد التدقيق في هذه الصور في محركات البحث على الإنترنيت، وفي المراجع الإلكترونية، تبيّنَ أنّ كلّ هذه الصور مُلفَّقة ومُفَبركة، هدفُها نشرُ التطرّفِ والعداء والكُره للآخرين، والتحريض من قِبَل بعض مَن يُسمَّون برجال دينٍ أصحاب مصالح وأهداف بشعة في تشويه عقول الناس وبخاصة الشباب الصغار، لتأجيج حروبٍ دينية، نحنُ، كبشرٍ متحضرين، ضدّها مهما كان انتماء الجاني أو المجني عليه، وضد إشاعة قتل مُسلمي بورما.

ليست هذه الكذبة الأولى التي يتمُ من خلالها تحريض المشاعر الدينية عند الشباب ضدّ غير المُسلمين، ولنا في سوريا والعراق شواهدُ صِدقٍ تثبِتُ خُبثَ الإعلامِ المُزوِّر للحقائق، وشاهدُنا على ذلكَ: الادّعاء الكاذب الذي سوّقَه وزير خارجية أمريكا السابق (كولن باول) في مجلس الأمن عن وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، والتي كانت ذريعة لغزو أمريكا لبلاد الرافدين والاستيلاء على ثرواتها وتمزيق وحدة صف أبنائها، وما زعمَه (باول) كَذبٌ ونفاق.

الشاهد الآخر: ادّعاء أمريكا استخدامَ القوات المُسلحة السورية لغاز الكلور ضد المسلحين في (خان شيخون)، وهو ادعاء كاذب هدفُه تبريرُ قصف مطار الشعيرات من قِبل إحدى البوارج الأمريكية.




المثال الثالث: استخدام أمريكا لأحد تطبيقات برنامج (هارب H.A.A.R.P)، وهو تطبيق: (الشعاع الأزرق) في الحادي عشر من أيلول عام (2001)، عندما استخدمت أمريكا السماء كشاشة عَرضٍ عملاقة، وسلّطت عليها أشعة ليزرية على شكل طائرتين وهميّتين، ثمّ ادّعتْ أنهما من عمل الإرهابي (أسامة بن لادن) وهما اللتان فجّرتا مبنى التجارة العالمي، في حين أثبتتِ الوقائعُ أن التفجير تمَّ من داخل مبنى التجارة العالمي لا من خارجه، وما جرى هو استخدام برنامج الشعاع الأزرق في تضليل الحقيقة، والدليل: مَن يُدقّق في الصورة التي عرضَتها أمريكا لتفجير مبنى التجارة يرى أن مبنى التجارة فُجِّرَ من الداخل مُبكراً قبلَ وصول الطائرتين الوهميتين إليه. كانت تفجيرات الحادي عشر من أيلول ذريعة للولايات المتحدة الأمريكية لاحتلال أفغانستان والعراق، بحجة مكافحة الإرهاب مخلّفة ملايين الضحايا ومُشَوّهي الحروب في تلك الدولتين.

ليس بِمُستَبعَدٍ أن يكونَ الهدفُ من نَشرِ صورٍ كاذبة تُمثّل إبادة المُسلمين على أيادي البوذيين في بورما وغيرها، هو خَلْق تنظيمات إرهابية بمُسمياتٍ جديدة تستقطب الشُّبان المسلمين من كل أصقاع العالَم، لتشكّل مجموعات إرهابية جديدة تحت مُسمى جديد مثل: (جبهة نُصرة مُسلمي بورما)، أو (لواء تحرير الهند)، أو (حركة أحرار الصين الإسلامية)، أو … إلخ، مَهمّتُها الحقيقية: التفجير والقتل وتخريب البلاد العربية والإسلامية التي يُعكّرُ وجودُها صفوَ الدول المتحالفة ضدّها.

ما التفسير العلمي لسبب انتشار صُور مجازر بورما المُلفّقة؟

الجواب: تفسّرُه الحقيقة الطبية التالية:

يملكُ الإنسان خلايا عصبية في دماغه تُسمّى (الخلايا العصبية المرآتية)، تمّ اكتشاف وظيفة هذه الخلايا من قِبل باحث إيطالي عام (1992)، قام هذا الباحث بتوصيل أسلاك إلكترونية إلى جمجمة شمبانزي، ومن ثَمّ تسجيل الإشارات الكهربائية العصبية التي تحصل في دماغه، قام الباحث بعدها بإحضار وجبة طعام لهذا الشمبانزي، فتفاجأَ العالِمُ بتسجيل نشاطٍ حركيّ للمنطقة الدماغية المسؤولة عن تحريك يد الشمبانزي، رغم أنه لم يقم بتحريك يده بعد. التفسير العلمي يقول: إن القرد ينظر إلى الطعام ويتخيل أن يده تمتدّ إلى طعامه ويأكل منه، مما حرّض المنطقة الدماغية لديه المسؤولة عن تحريك يد القرد.

هذه الخلايا توجد عند الإنسان أيضاً وهي المسؤولة عن حدوث بعض ردود الأفعال، كأن يكون الشخص متابِعاً لمباراة كرة القدم، وعندما تقترب هذه الكرة من منطقة الهجوم، ويلاحقُها أحدُ اللاعبين، تتحرّض الخلايا العصبية المرآتية عند المُشاهِد، فتُنبّه عضلات الساقين والظهر لديه، مما يؤدي إلى تقلّصها وتَحفّزِه للحاق بالكرة رغم أنه مُراقِبٌ ليس إلا.

استغلَّ بعضُ ضعفاء الضمير صور الضحايا الذين قضوا نحبهم في كوارث طبيعية، ووظّفوها لتحفيز الخلايا العصبية المرآتية عند البشر، لإثارة مشاعر العطف والألم عند رؤية صور زعموا أنها تعود لمجزرة ارتُكِبتْ في إحدى الدول، مستفيدين من ردّات الفعل الطبيعية لدى هؤلاء المتلقّين عند مشاركتهم هذه الصور على صفحاتهم الخاصة من دون التأكد من صدقها، وقد تكون ردّات الفعل أكثر عمقاً وعنفاً تتمثل بتحوّل المُتلقي إلى إرهابي مجرم تُعميه الحمية الدينية عن كل حقيقة.

إن الاستبداد الديني أخطر من الاستبداد السياسي، وشاهدُنا ما قاله الكاتب: (عبد الرحمن الكواكبي)، في كتابه: (طبائع الاستبداد، ومَصارع الاستعباد): “إن الاستبدادَين السياسي والديني مقترنان معاً، متى وُجِدَ أحدُهما في أمة، جرّ الآخرَ إليه، ومتى زالَ، زالَ رفيقُه، وقد أجمعَ الكُتّاب السياسيون المُدَقِقون بالاستنادِ إلى التاريخ، أنه ما مِن أمة أو عائلة انضمّت إلى أي تّشدُّد، إلا واختلّ نظامُ دنياها، وخسرتْ أولادَها وعُقباها، ويعتبرون أن إصلاح الدِّين هو أسهل وأقوى وأقرب طريق للإصلاح السياسي”.

ختاماً أقول: الإعلامُ سلاحٌ خطير بيد مَن لا يُحسِن استخدامه، لأن له سطوة التأثير على الأدمغة والمشاعر البشرية، لذلك وَجَبَ علينا الحيطة والحذر عند مُشاهدة، أو سماع مثل هذه الأحداث السابقة المُلفّقة.

الدكتورة أريج يعقوب العسّاف. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.

أنارَ الله عقولكم لكلّ ما فيه خير الإنسانية. نقدّم لكم من مركز فيريل للدراسات مجموعة من مئات الصور المزورة، التي تغزو وسائل الإعلام وتخدع البلهاء، فتثور لديهم فجأة الحمية، فينساقون قطيعاً وراء الخبثاء دون تفكير، وهل مثل هؤلاء… يفكرون!! مركز فيريل للدراسات. 08.09.2017