الجنوب السوري؛ سلامٌ أم حرب؟

مع وصول وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، إلى موسكو البارحة الخميس، وإجرائه مباحثات مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، بدأت الصورة تتضح أكثر حول ما يجري في الجنوب السوري. الصورة تجدونها على انطباعات وجوه القادة العسكريين الروس، وطريقة استقبالهم لليبرمان.

موسكو هي المرجع الأهم فيما يجري

بات واضحاً أنّ تل أبيب تلجأ لموسكو في كل ما يتعلق بسوريا، بعد أن كانت تتصرفُ لوحدها بإعلام واشنطن أو دون إعلامها. الأمر تغيّر وأصبح سؤال القيادة الروسية أمراً لا مفر منه. ليبرمان يريدُ أن يعرفَ ماذا يُخطط له السوريون من حشد قواتهم في درعا، وإلى أي مدى يمكن أن يذهبَ الجيش السوري في معركته ضد الإرهابيين هناك.

إذاً لا بد من التنسيق مع الروس لمنع أي انزلاق للوضع بسبب أخطاء عسكرية، مقصودة أو غير مقصودة، كذريعة سقوط قذائف على الجولان المحتل تُجبر الجيش الإسرائيلي على الرد. هذا مبدئياً، لكن ما علمهُ مركز فيريل للدراسات أنّ تل أبيب تريد من روسيا أن تضغطَ على السوريين لمنع الهجوم نهائياً وليس فقط التنسيق، لكن دمشق ترفضُ أي نقاش في هذا الموضوع. إذاً قرار حسم الجنوب اتخذ وانتهى والباقي تفاصيل، وتعابير  وجه شويغو البارحة تقول ذلك صراحة.

هل باتت تل أبيب تتجنّبُ الحرب ودمشق تريدها!

هي حالة نادرة أن تسعى إسرائيل للتهدئة ولديها موانعها الكثيرة، فما حصل في 10 أيار في الجولان، لم تستوعبه بعد، وعليها التفكير كثيراً قبل أية مغامرة جديدة، فماذا سيحدث عندما يعود الجيش السوري إلى خطوط وقف إطلاق النار في الجولان؟

بتتبع سريع للأحداث منذ 2011 حتى اللحظة نجد هذا التراجع الإسرائيلي رغم هجماتها الجوية على سوريا:

  • بعد تلقي المجموعات الإرهابية لأوامر المخابرات العسكرية الإسرائيلية، قامت تلك المجموعات بتدمير كافة الدفاعات الجوية في المنطقة، واحتلال شريط حدودي وصل عمقه إلى أكثر  من 50 كلم في أقصى الجنوب، في سنوات الحرب الأولى، حتى بدأ الجيش السوري بتقليصه.
  • كان المُخطط له إنشاء جيش من الإرهابيين موالٍ لتل أبيب يحتل المناطق؛ اعتباراً من درعا إلى الشيخ مسكين وصولاً إلى بيت جن في جبل الشيخ، ويُمنع على الجيش السوري دخول تلك المناطق.
  • مع انتهاء تحرير دمشق وريف حمص، تأكدت إسرائيل أن حلم الجيش الحامي لحدودها انتهى. هنا انخفض سلّم الطلبات، وبات نقاشها أن لا تشترك إيران وحزب الله في عملية التحرير القادمة. أي يمكن للجيش السوري الوصول إلى خطوط التماس…
  • ما صرفته إسرائيل على الإرهابيين وحسب معلومات مركز فيريل للدراسات يتجاوز 80 مليون يورو، بين معالجات لجرحى المعارك ضدّ الجيش السوري وتزويد بالمحروقات والأغذية وطبعاً الأسلحة، هذا فقط في منطقة ريف درعا الغربي. هذه الأموال والآمال ذهبت مع الرياح.
  • ماذا ستفعل إسرائيل الآن بآلاف الإرهابيين الذين موّلتهم ودعمتهم عسكرياً؟ هل تتركهم يواجهون الموت أم تحاول إنقاذهم؟ لكن من أجل ماذا ستنقذهم بعد أن فشل مشروعها في الجنوب السوري… إذاً فليذهب الخونة إلى الجحيم.

غرفة عمليات موك في قلب عمّان مشلولة، ولم تعد تُفيدُ المخططات الهاشمية البالية

هذا ما تمّ التخطيط له لثماني سنوات، فهل ستستسلمُ الدول الأربع؟

ماذا عن التنف؟

رغم ما تم تناقلهُ من أنّ منطقة التنف تدخلُ ضمن اتفاقات الجنوب بين موسكو  وواشنطن، إلا أنّ معلومات مركز فيريل تقول أنّه لا اتفاق حتى الآن بخصوصها… قاعدة التنف مازالت ناشطة وانسحاب الجيش الأميركي شكلي منها، وهو أشبه بإعادة تموضع مع تواجد للجيش البريطاني وضباط مخابرات أردنيين. بالإضافة لأكثر من 3500 إرهابي يتم تدريبهم هناك.

هل هناك اتفاق فعلي بخصوص الجنوب السوري؟

دخل الجنوب السوري منذ تموز 2017 في اتفاق لمناطق خفض التصعيد في سياق مباحثات أستانا، كما تقرر في اجتماع عُقد في عمّان جمع “الأردن وروسيا وأمريكا”، لكن هل يعني ذلك ترك الأمور هكذا إلى ما شاءت واشنطن؟

واشنطن هذه تتهم دمشق بأنها تُصعّدُ عسكرياً هناك، وترفعُ سقف تهديداتها بضرب الجيش السوري إن أقدم على تحرير الجنوب، فهل ستصغي دمشق لهم؟




ما لا يريد الاعتراف به الأمريكان أنّ قضية مناطق خفض التصعيد هي عملية مؤقتة وتشبه هدنة ليس أكثر، وهو ما خططت له دمشق وموسكو، أي أنّ حشد قوات الجيش السوري ليست استعراض عضلات، بل ستتلوها حرب تحرير إلا إذا استسلم الإرهابيون، أما أن يتم اقتطاع أجزاء من سوريا في كل مكان تصبح لاحقاً كنتونات تابعة لدول معادية، فهذا لن يحصل، بما في ذلك إدلب ودورها قادم…

حديث الرئيس السوري بشار الأسد البارحة لمحطة روسيا اليوم كان جلياً: (لا يعنينا وجود الجيش الأميركي وسوف يتم تحرير كافة الأراضي السورية بما في ذلك الجزيرة).

ببساطة نقول: ليس هناك اتفاق حقيقي بخصوص الجنوب، سوى عدم اشتراك حزب الله وإيران بعملية التحرير، ودمشق تنفردُ بهذا الملف مع غطاء روسي.

الأنباء التي وردت مركز فيريل للدراسات من المناطق التي يُسيطر عليها الإرهابيون في ريف درعا والقنيطرة، تفيد بأنّ حالة رعب وترقب تسود أوساط العامة، بينما الإرهابيون وصلوا ليقين بأنهم سيتركون لنيران الجيش السوري، ودون دعم عسكري حقيقي سوى تصريحات وربما غارات شبه وهمية على الجيش السوري، لهذا أعلنوا النفير العام عسى أن يرفع هذا من معنوياتهم المنهارة.

حرب أم سلام في الجنوب السوري؟

الأمور تسير نحو التصعيد السياسي والعسكري، ما تريدهُ دمشق بسيط: (عودة الأمور لما كانت عليه عام 2010). أي عودة الجيش السوري إلى جبهة الجنوب وخطوط وقف إطلاق النار في الجولان.

هذا الأمر بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة ومعهم الأردن طبعاً، يُعتبرُ هزيمة نكراء، فهل سيسمحون بهدر 8 سنوات من العمل العسكري والمخابراتي وهدر الأموال وتدريب آلاف الإرهابيين؟

إنّ تحقيق الهدف السوري هذا نعتبرهُ في مركز فيريل أهم نصرٍ عسكري خلال الحرب منذ 8 سنوات، وهو أهم من أي تحرير آخر جرى فوق الأراضي السورية. أصوات طبول الحرب أعلى من أصوات تغريد عصافير الجنوب… فلننتظر القادم… الدكتور جميل م. شاهين. الأستاذ زيد م هاشم. مركز فيريل للدراسات. 01 حزيران 2018