الزواج العُرفي بين الأكراد وواشنطن

الزواج العُرفي بين الأكراد وواشنطن

خاب أملُ الأكراد مع أول اختبار لقوة علاقتهم بواشنطن، ومدى التزامها بحمايتهم، بعد أن تخيلوا أنهم أحباب ترامب ونتنياهو. تركيا ولليوم الثاني تقوم بقصفهم وقتل العشرات منهم، وكل ما فعلتهُ الولايات المتحدة لهم، أن طالبت أنقرة بالتنسيق معها قبل قصفهم!! فهل شعروا بأنهم مُجرد دمى بيد البيت الأبيض؟ وأن عودتهم للحضن السوري هي السلوك الأسلم لهم؟ تركيا الآن تطلبُ من الجيش السوري أن يستلم المنافذ إلى الحدود التركية، فهل فهمتم مدى أهميتكم عند واشنطن؟

تدخّل الولايات المتحدة في سوريا مازال محدوداً بمناطق تواجد الانفصاليين، ويأتي هذا التواجد لأسباب:

  1. على المدى البعيد؛ يهدف إلى تحقيق وجود دائم للجيش الأميركي فوق الأراضي السورية، يكون نواة لقواعد عسكرية كبيرة، لمواجهة إيران وروسيا، وبالطبع لمواجهة سوريا ولحماية إسرائيل، ودعماً لخطة تقسيم سوريا.
  2. على المدى القريب؛ تهيئة الجبهة العراقية ذات الأولوية الإستراتيجية مع داعش، بعد أن شارفت مسرحية داعش على الانتهاء. حيث تقوم بقطع خطوط الإمدادات القادمة من الرقة ودير الزور نحو الحسكة، حيث تتواجد المليشيات الكردية، والتي ستقوم بفتح معابر لنقل داعش إلى تركيا، أو نقلهم من خلال الطائرات الأمريكية المروحية.
  3. تستعجل واشنطن التعاون العسكري مع المليشيات الكردية، كي لا تضطر للتعامل مع الجيش السوري، بعد أن أنهى معركة تدمر واقترب من معركة دير الزور، ومعركة الرقة. لذلك تخشى أمريكا أن يسبقها الجيش السوري وحلفائه لمعركة الجزيرة، وبالتالي يدفع بداعش إلى العراق حيث عملاؤها في الأنبار من الصحوات، وفي الموصل حيث البيشمركا وحشد النجيفي، وأخيرا تركيا في بعشيقة، وكلهم حلفاؤها، أي الجيش السوري بزحفهِ شرقاً، يدفع بداعش إلى العراق وواشنطن تدفع بداعش نحو سوريا.

 

لكن بالمقابل الوجود الأميركي بين الأكراد ليس له مستقبل، رغم أنّ الأكراد هم القوة السورية العلمانية الوحيدة المنظمة بين ما يسمى المعارضة السورية، وقد حققت تقدما مهما  في جبهات الحسكة والرقة ضد داعش، وشمال وشرق حلب على حساب الفصائل التكفيرية. لم يكن هذا التقدم ليتحقق لولا دعم التحالف الامريكي الجوي والبري وأحيانا الروسي.

  • واشنطن لن تتبنى الأكراد السوريين متمثلين بحزب الاتحاد الديمقراطي فرع حزب العمال الكردستاني، فتخسر بذلك تركيا إلى الأبد، كونه أكبر أعدائها والقوة المسلحة المتمردة الوحيدة ضدها، والذي يشكل خطراً قومياً كبيرا على أمنها ووحدتها. ينطبق هذا على إقليم كردستان العراق، حيث لحزب العمال الكردستاني أطماع بالامتداد والتوغل في الإقليم، وهذا يثير مخاوف حكام أربيل حلفاء امريكا وتركيا.
  • أكراد سوريا التابعين للمعارضة المتواطئة مع واشنطن، في أغلبهم لا يتوافقون مع وحدات حماية الشعب، بل هم معارضون لها كونها لا تقبل بتشكيل قوة كردية أخرى في مناطق نفوذها.
  • الأكراد أقلية في سوريا، وحتى في مدينة الحسكة وحلب ولا يعول عليهم بمشاريع تقسيم أو فيدرالية كبرى، وأكثر ما يمكنهم عملهُ هو كانتونات صغيرة مشتتة مقسمة مخنوقة جغرافياً، لا ترقى لمستوى حتى دويلة.
  • تعلم الولايات المتحدة أن روسيا هي صاحبة المصلحة الكبرى والبعيدة المدى مع وحدات حماية الشعب الكردية، ﻷسباب تتعلق بتركيا وشمال العراق مناطق نفوذ الاطلسي، ويعتبر حزب العمال أداة روسية حليفة للتوازنات في الملف الكردي، وأماكن انتشاره في دول أربع مهمة جدا لروسيا وسياستها بالشرق الأوسط وقربها منها، خاصة أن حزب العمال يتبنى الأيدولوجية الشيوعية، ومصلحة الحزب بالصداقة الروسية كبيرة بوجود الأعداء المشتركين للطرفين، خاصة وأن أميركا تضع حزب العمال التركي على لوائح الإرهاب.
  • القيادة السورية ووحدات حماية الشعب يجمعهما أعداء مشتركون؛ تركيا وداعش والنصرة والفصائل التكفيرية الخليجية الأمريكية، وحتى بعض أكراد المعارضة، لذلك تعلم أمريكا أن المليشيا الكردية لن تبتعد عن دمشق كثيراً.
  • علاقة الولايات المتحدة الحالية بالانفصاليين الأكراد علاقة مصلحة آنية، والطرفان يستغلانها، وعندما تنتهي مصلحة واشنطن، سترميهم لمن يفترسهم، وها هو أردوغان قد بدأ بهم. كما أنّ كافة الأطراف تُعامل الأكراد بنفس أسلوب الولايات المتحدة، فهم بنظرهم دمى متحركة، يتم توجيهها حسب الرغبة، وعندما تنتهي “بطارية” هذه الدمى، ترمى بسهولة. وأخيراً، الأكراد فيما بينهم غير متفقين، فاليوم أثبت حكام أربيل أنهم يريدون قتل أكراد الجزيرة السورية، فقد أخبر أردوغان البارزاني بأنه سيقصف حزب العمال الكردستاني في سوريا، لكنّ البارزاني لم يُحذّر أبناء شعبهِ!! على فرض أنّ البارزاني يهمهُ إن عاش أو مات نصف الأكراد…

الأكراد والدولة السورية

أبسط دليل على استغلال الأكراد، أنّ الدول المتآمرة على سوريا، ومنذ بداية الأحداث، حاولت الزج بهم في مواجهة الجيش السوري في مناطق تواجدهم، لكنها فشلت سبب حنكة القيادة السورية…

الحقّ يُقال؛ كان الأكراد أقل المعارضين السوريين سوءاً بالنسبة للممتلكات العامة، ولم يساهموا بتدمير البنية التحتية، ولم يقوموا بقتل الموظفين وأفراد الجيش السوري، بالمقابل؛ كان سلوك الدولة السورية مع الأكراد على مبدأ التعامل بالمثل وأفضل، فدعمتهم في مواجهة التكفيريين، وتغاضت عن تصرفات الكثيرين منهم، من ناحية رفع الأعلام الكردية وإنزال العلم السوري، لهذا على الأكراد ألا ينسوا أنّ الدولة كانت معهم أفضل مما كانوا معها في فترة الحرب على الأقل. وانسحبت من المناطق الحدودية وبعض المدن وسلمتها لهم، كما أمنت مع روسيا حمايتهم من الجيش التركي وإرهابيي درع الفرات، خاصة في ريف حلب.

بغضّ النظر عن غاية الطرفين، نرى أنّ العداء بين الأكراد بشكل عام والدولة السورية شبه معدوم، لكن سقف التساهل السوري مع الانفصاليين منهم محدود، ولا يجب أن يتم تجاوزهُ، فمنحُ قواعد ثابتة للجيش الأميركي في الشمال السوري، وجنوح الطامحين منهم نحو فيدرالية أو الاستقلال، هو خط أحمر لا يمكن قبوله أو حتى مناقشتهُ.

الأمل معقود على العاقلين منهم، والذين يعلمون أنّ مصلحتهم مع وطنهم سوريا فقط، والأمريكان كما تركوهم يُقتلون خلال اليومين الماضيين على يد أردوغان، سينسحبون إذا كان في مصلحتهم ذلك، فتركيا لواشنطن أهم من كافة الأكراد، وقد أتى إليهم الجيش التركي وهو يفعل ما يريد، بينما ترامب يشجب ويستنكر… زواجكم من واشنطن زواج عُرفي لا يدوم.

زيد م. هاشم

تحرير وصياغة مركز فيريل للدراسات 26.04.2017