الطريق إلى سُوريا، طويل دون تفرعـات.     مركز فيريل للدراسات ـ برلين

 

يلقى مثل هذا الكلام اعتراض الكثيرين، وهو ما كتبته بتاريخ 25 كانون الأول 2012، أعيده اليوم على ضوء المستجدات، وبتغيير بسيط. كلامٌ يجب أن يُقال…

بدون شك؛ بصورة أو بأخرى حاربنا ونحارب نيابة عن: روسـيا وإيـران ومجموعة البريكس ورابطة الدول المستقلة وعن لبنان والصين وفنزويلا وكوريا الشمالية وغيرها. اشتعال بلـدنـا، أجّلَ اشتعال إحدى هذه البلدان إلى حين، وكان منفعةً لدول أخرى، فمضرةُ سوريا عند الكثيرين، فوائدُ، ولكن إلى متى ستبقى النيران تلتهم ما تبقى؟ قدّمت هذه الدول المساعدة التي كانت خجولة أحياناً، أو مشروطة أحياناً أخرى: “افعلوا ذلك، وإلا لن نستمر بدعمكم!”. هذه حقيقة يتردد البعض بقولها، آخرون يهللون لهذه الــدول إن تبرعت لنا بشـحنة مازوت، أو عدة أطنــان من القمح، كل تبرعاتهم هذه لا تسـاوي قطرة دم شــهيد، أو ســاعة خوف وحزن وقهر يعيشها طفل سوري. “يتبرعــون بالمازوت ونحن نتبرع بالــدم.” نعم ساعدتنا بعض هذه الدول عسكرياً واقتصادياً، وهي بذلك إمّا تردّ لنـا الـدَّين أو تدافعُ عن مصالحها اعتباراً من دمشق، ارتفع لها شهداء، نترحمُ عليهم بالتأكيد. وحــــدهُ حزب الله ضحى وأعطى دون أن يطلب مقابل تضحياته. السؤال: ألا تستطيع هذه الدول إيقاف الحرب علينا؟

في المقلب الآخر ودون مقارنة؛ يُحاربُ الإرهابيون نيابة عن إسـرائيل والولايات المتحــدة وتركيا والسعودية ودول الخليج والناتو، والضخ المادي والإعلامي والعسكري لهم يفوق بأضعاف ما يقدمه لنا أصدقاؤنا، الفارق أنّ المعارضة المسلحة ترضخ بل تركـعُ لأي شروط وتتحالف مع الشيطان للوصول لغايتها.

كيف لروسيا أو إيران أو الصين أن توقف الحرب؟ في حال تخلت هذه الدول، مؤقتـاً، عن الجري وراء مصالحها، وفضّــلت مصلحة الشعب الســوري. دعونا نتخيّل قليلاً… ألا يمكن لروسيا وإيران أن تتصرفا بقوة وحزم أكبر مع تركيا والسعودية، وتتناسيا مصالحهما الاقتصادية 24 ساعة، فتوقفا تدفق المسلحين والأسلحة؟ أو تهددا تركيا والسعودية عسـكرياً، ولو بالكلام، بتطور حرب كبرى. ولتســاند هذا التهديد صديقتنا الصين. بكل ثقـــة، لن ينجر النــاتو لحرب عالمية، وسيسعى لتفادي تدهور الأمور وايجاد حلّ لما يحدث في سوريا. روسيا ومنذ أيلول، قصفت وقتلت آلاف الإرهابيين ولعبت دوراً مهماً خلال الشهور الماضية، وكذلك فعلت إيران، لكن حتى لو استمرتا سنوات بمساندتهما تلك للجيش السوري، لن يتوقف دخول الإرهابيين إن لم تفعل ذلك تركيا والسعودية، وأسياد تركيا والسعودية لا يريدون.

طبعاً ستتأثر مصالح روسيا وإيران وستُعاقبان ومعهما الصين، وكمثال آني على العقوبات على روسيا بسبب صواريخ قزوين، هي صواريخ رومانيا، لهذا الأفضل أن تبقى الحربُ والهدنــة رفيقـا درب الفتـرة القادمة، فهما الأرخص ثمناً، حتى يتم الانتهاء من صياغــة دفتر الشـروط للمناقصـة القادمــة.

حتى الآن هذا الكلام نظري انفعالي، فالأخـــوة والصداقــة والروابط المشــتركة، كلام شعر لا يساوي شيئا في السياسة، وفي السياسة أتحدثُ الآن: مأساتنا يجب أن تستمر أطول فترة ممكنــة، لتحسين شـــروط التفاوض بين كافـة هذه الدول دون استثناء. على أصدقائنا أن يمدونا بالمازوت والأســلحة، بشروط أو بـدون شــروط، بفيدرالية أو بدونها، وباتفاق بين بعضهم البعض أو باختلاف غير مُبــاح، ونحن سنخفف من الكثافـــة السـكانية، ونرفع سـعر الـدولار، ونفتتـح المزيد من صالات البليـاردو والفنادق وصالات الأفـراح… وسنتابع التبـرع بالــدم أيضاً.

السياســــة والضمير خطان متوازيــــان. روسيا وإيران جنتا أرباحاً سياسية واقتصادية وعسكرية بسبب الحرب على سـوريا، لم ولن تُحاربـا عنّـا، أما نحنُ؛ فماذا جنينـا سوى شهادات تعلم اللغة الألمانية؟ أيها العاطفيـون؛ لا تطلبوا من إيران وروسيا أن تتخليا عن السياسة.

الكاتب د. جميل م. شاهين 15.05.2016