الماسة المهجورة: العقل الباطن. الدكتورة أريج يعقوب العسّاف

الماسة المهجورة: العقل الباطن. الدكتورة أريج يعقوب العسّاف. Firil Center For Studies FCFS Berlin

العقل الباطن Unconscious mind أو العقل اللا واعي واللا شعور؛ مفهومٌ يشير إلى مجموعة من العناصر التي تتألف منها شخصية الإنسان. هو مخزن للاختبارات المترسّبة بفعل القَمع النفسي التي لا تصل إلى الذاكرة أبداً، فالعقل الواعي: هو الوعي بالمحيط، وهو أفكارُك، وعواطفك الحالية، والأحاسيس الجسدية. أما العقل الباطن: فهو الخرائط الذاتية للواقع، والجزء القوي الذي يوجّه مسار حياتك ليلَ نهار بدون وعيكَ، لخلقِ تجربتكَ الحالية الواقعية وجعلِ سلوككَ متناسباً مع رغباتك وآمالكَ وأحلامك، بكافة مجالات حياتك بما فيها: العمل والمال والصحة والسعادة.

أول مَن صاغ هذا التعبير هو الفيلسوف الرومانسي الألماني Friedrich Schelling في القرن الثامن عشر.

وظائف العقل الباطن

يعملُ العقل الباطن ليلَ نهار بشكل متواصل، ففي النهار يعمل عقلكَ الواعي والباطن معاً، أما في الليل أثناء النوم، يتوقفُ العقل الواعي مؤقتاً، ليبدأ العقل الباطني بالعمل، بشكل جليّ على شكل أحلام، ويكون العقل الباطن في حالة تأهب لكلّ ما هو مُحيط بك، كصوت المنبّه مثلاً

الاحتفاظ بالمشاعر والعواطف على شكل صور. العقل الباطن مثل الكاميرا، يلتقط كل ما حولكَ من مشاعر وذكريات، وأحداث تعيشُها، فيحوّلُها لرموزٍ وصور، لهذا السبب نشاهد أفكار العقل الباطن في الأحلام التي تكون على شكل رموز وصور

كافة الصور حقيقية. لا يُميّزُ العقل الباطن بين الواقع والخيال، فهو يخزّن كلّ ما تشاهده على شكل صور، كمثال على ذلك: عندَ رؤيتك لفيلم رعب مثلاً، ستشعر بالخوف وكأنك تعيش أحداث الفيلم كلما تذكرته

العقل الباطن مُرشدُك الخفي وصديقك الداخلي الذي يحاول أن يأخذ بيدكَ لإيصالكَ إلى برّ الأمان. يُبرمج مشاعرك لحمايتك من الخطر الحقيقي أو الخيالي وحصولكَ على حياة سعيدة وصحية.

قوة الإنسان بقوة عقله الباطن

القوانين الحاكمة للعقل الباطن

قانون التجاذب. من أخطر وأهم القوانين. ويعني أنّ أي شيء تفكّر به سوف ينجذب إليكَ، فالعقل الباطن كالمغناطيس؛ إن كنتَ تفكر بشيء إيجابي، سوف يجذب إليك الشيء الإيجابي والعكس صحيح. تنبعُ أهمية هذا القانون من كون الطاقة البشرية لا تعرف مسافاتٍ ولا أزمنة ولا أماكن، ومثالنا على ذلك: تذكّرُكَ لشخص ما، فتتفاجأ بعد تذكركَ له برؤيته ومقابلته، وهذا كثيراً ما يحصل.

قانون الانعكاس. أي أن العالَم الخارجي، عندما يرجع إليك، سوف يؤثّر على عالمكَ الداخلي، فمثلاً: عندما يُوجّهُ إليك إطراء سوف يؤثر في نفسك، وتكون ردة فعلكَ بنفس الأسلوب، فتردّ على هذا الشخص بإطراءٍ أيضاً.

قانون التوقّع. من أقوى القوانين. أنت تتوقعُ شيئاً وتضع معه شعورَكَ وأحاسيسَكَ. سوف يَحْدُث هذا الشيء في عالمكَ الخارجي. سبب القوة هو أنّ أيّ شيءٍ تتوقعه وتُعززهُ بشعوركَ وأحاسيسكَ، سترسلً ذبذبات له، هذه الذبذبات تحوي على طاقة ستعود إليكَ من جديد، كمثال يحدث دائماً مع الطلاب: طالبٌ يتوقعُ لنفسهِ الفشل في الامتحان، سيجدُ أنهُ غير قادرٍ على التفكير وعاجز عن الإجابة على الأسئلة، فيلاقي الفشل، والعكس أيضاً صحيح.

قانون العادات. ما تكرّرُهُ باستمرار عدة مرات يتراكم في عقلكَ الباطن، حتى يتحوّل إلى عادة دائمة. من السهل أن تكتسب عادة ما، ولكن من الصعب أن تتخلص منها. العقل الباطن الذي تعلّمَ هذه العادة بإمكانه أن يتخلص منها، وبنفس الأسلوب عن طريق تبنّي عادة معاكسة للعادة الأولى

قانون السببية. النتيجة تحصل عن سبب ما وتتغيّر بتغير السبب، فأنتَ مثلاً؛ عندما تكرر السبب نفسه، ستحصل بالتأكيد على النتيجة نفسها، أي أن النتيجة لا يمكن أن تتغير إلا إذا تغير السبب

قانون الاستبدال. باعتمادك التفكير الإيجابي بإمكانكَ أن تأخذ أي قانون من القوانين السابقة، وتستبدله بقانون إيجابي يوصلك لتحقيق مبتغاك.

قانون التركيز. تلخصهُ جملة “ما تُركّزُ عليه ستحصل عليه”. أنتَ ركّزتَ على الحزن والتشاؤم، سيكونُ حكمك على كلّ ما يحدثُ حولك مستنداً لأحاسيسك ومشاعرك السلبية السابقة وستشعرُ فعلاً بالتعاسة. أمّا إن ركزت على السعادة فستكون مشاعرك إيجابية وستشعر بالسعادة.

قوة الإنسان بعقلهِ الباطن

علينا الانتباه جيداً إلى قوانين العقل اللا واعي، لأنه بإمكانك جعلها تعمل ضدكَ أو تعمل لصالحكَ، فقوانين العقل الباطن لا يمكننا تجاوزها أو تجاهلها، لذا عليكَ البدء باستخدام هذه القوانين لصالحكَ بدلاً من أن تعمل ضدك. كلما وجدتَ تفكيراً سلبياً، قم بإلغائه، وفكّر بشكلٍ إيجابي، ولكن كيف؟

كيف تبرمج عقلكَ الباطن؟

برمجة العقل الباطن ليست مستحيلة، كون عقل الإنسان يشبه المغناطيس يجذب إليه كل ما يريدهُ، ويحوّل كل ما يؤمن به هذا العقل إلى واقع. لذا علينا أن نتحكّم بعقلنا الباطن باتباع ما يلي:

صدّق المستحيل: آمن بنفسكَ وقدراتكَ وبعدم وجود المستحيل

امنح نفسكَ جوازَ السفر للوصول إلى النجاح: اسمح لنفسك أن تحلمَ بالنجاح والسعادة عن طريق تكرار العبارات الإيجابية

لا تسمح لتجارب الآخرين الفاشلة أن تؤثّرَ عليك

كن متفائلاً: عن طريق تعزيز أفكاركَ الإيجابية، والتحفيزية.

عِشْ حلمكَ وكأنه حقيقة ملموسة: تعامل مع كل ما ترغب به ويخبركَ به عقلُكَ الباطن، وكل ما تتمناه كحقيقة تعيشها الآن

حدّد هدفكَ: لا تكنْ عبثياً فيما تريد، بل حدّد ما تريده بوضوح

افهم نفسكَ وافهم ماذا تريد بالضبط، وابحث عن الطُرق التي تمكّنكَ من الوصول إلى غايتك

ضع خطّة رئيسية تتضمن تحديد دوافعكَ وأهدافكَ الأساسية التي تريدُها كي تتمكّن من اتّخاذ القرارات المناسبة.

اسأل نفسكَ: ماذا تريد؟ وتفاعَلْ مع هدفكَ هذا، حتى وإن كان مجرّد خيال، ليتحول الحُلمُ إلى حقيقة.

لا تستسلم للفشل، بل ابحث عن الطرق التي توصلكَ إلى النجاح

أحط نفسكَ بالأشخاص الإيجابيين، وأمضِ أغلب وقتك مع الطموحين والمبدعين، وابتعد عن المتشائمين المُحبطين.

التأمل: تخيّل أنكَ تعيش الهدفَ وكأنه حقيقة حتى تجذب إليك ما تريد.

ختاماً هذه حكمة قالها الدكتور جوزيف ميرفي: “لا توجد حدود للرخاء والسعادة وراحة البال، التي تستطيع تحقيقها ببساطة من خلال استخدام قوة عقلكَ الباطن“. الدكتورة أريج يعقوب العسّاف؛ أستاذة في كلية الطب جامعة دمشق. إدارة التحرير في Firil Center For Studies