انقلاب كامل في المخابرات السورية. مركز فيريل للدراسات

 

عدد القراءات 23899، المخابرات: مؤسسة حكومية تكون مستقلة أو تتبع لوزارة الدفاع غالباً، غايتها الأولى الدفاع “السري” عن الدولة، عن طريق جمع المعلومات وتحليلها، وكشف شبكات التجسس، وتحديد مواطن الضعف أو القوة في مفاصل تلك الدولة، والتحكم بالخط السياسي العام، وصيانة المجتمع وتوجيهه حسب الهدف الموضوع مسبقاً، وتنفّذُ عمليات سرية داخل وخارج البلد.

المخابرات من أخطر وأهم الأجهزة، ويحتاج العمل فيها لمهارة وذكاء خارق، بعيداً عن العواطف والتلقائية، لذلك ومن خلال معلوماتنا في مركز فيريل؛ يتمُ تجنّب تعيين امرأة بمنصبٍ هام في أيّ جهاز مخابرات عالمي، لأنّ المرأة تجنحُ نحو العاطفة والرحمة في سلوكها أكثر من الرجل “الخشن”، طبعاً هاسبل حالة استثنائية… لا عواطف ولا رحمة في عمل المخابرات.

جهاز المخابرات في كافة دول العالم، بما في ذلك الدول التي تُصنّفُ “ديموقراطية”، هو مصدر هيبة ورهبة، بل ورعب، ويكفي أن تذكر اسم جهاز مخابرات الدولة أمام المواطن “الأوروبي” كي يبتعدَ عنك فوراً. لمن لا يعلم؛ اذكر اسم “بي إن دي” هنا في برلين وراقب ردة فعل الألماني الذي يسمعك. 

نتحدثُ هنا بواقعية وعن خبرة، فمن يسبحُ في عالم “الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان”، وأنّ الدول الأوروبية تسمحُ أن يتمّ فيها انتهاكٌ ما للأمن القومي، ويمكن للفرد أن يفعلَ ما يشاء، حتى ضد رجال المخابرات… إلى هؤلاء ننصحكم بعدمِ إتمام القراءة حفاظاً على أحلامكم الوردية، وغداً صباحاً؛ تظاهروا أمام فرع مخابرات غربي وأسقطوا زعيمه… وسوف يتكفل مركز فيريل بمصاريف الدفن، إن عثرنا على الجثة…

يلعبُ جهاز المخابرات عبر التاريخ دوراً حاسماً في الانتصار بأي حرب، وقد ابتدأ عملها مبكراً جداً، وتعتبرُ عملية ضابط مخابرات الفرعون “توت” سنة 3590 قبل الميلاد، أولى العمليات الاستخباراتية، حيث أرسل 200 جندي ضمن أكياس القمح إلى يافا، تمكنوا من السيطرة على ميناء المدينة وتسليمه للجيش الفرعوني المرابط حول يافا.

لا توجد دولة في العالم لا ينشط على أراضيها، في حالة السلم أو الحرب، أكثر من جهاز معاد وصديق، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وحسب التقديرات هناك أكثر من 5000 عميل للمخابرات المعادية لواشنطن، فوق الأراضي الأميركية!!.

المخابرات السورية قبل عام 2011

نشطت أجهزة استخبارات عدة دول كانت يوماً صديقة أو شقيقة، وأجهزة معادية، في فترة ما قبل 2011، وكان هذا الأمر تحضيرٌ لما سيحصل لاحقاً، فهل أخفقت المخابراتُ السورية في كشف ذلك؟

نعم وبكل شفافية ووضوح: (أخفقت المخابرات السورية، بشكل عام، في كشف ما سيحصل لاحقاً) وسنتطرقُ لبعض الأسباب… بعضها فقط. لكننا نؤكدُ أننا في مركز فيريل حذرنا في كانون الثاني عام 2008، من تغلغل المخابرات التركية والسعودية في الداخل السوري، ومن سيطرة التيار الديني على الأجهزة الحساسة… يومها قيل لنا: “نحنُ نُمسكُ بزمام الأمور”… فصمتنا…

المخابرات السورية بعد عام 2011

منذ 2011 بدأت المخابرات العالمية نشاطاً غير مسبوق، فوصل عددها إلى 16 جهــاز استخبارات عالميـــة يعملــون علـى الأراضي السـورية. بعضها شكل خطراً حقيقياً، ودعم المعارضة بشقيها السياسي والمسلح، وأمدهم بمعلومات عسكرية هامة، وبالسلاح والخطط العسكرية، ولعب دوراً إعلامياً تحريضياً، بينما ساعدت الأجهزة الصديقة الدولة والجيش السوري، في حين تغلغلت أجهزة أخرى في مناطق عديدة، ووصل عملاؤها إلى بعض المفاصل الحساسة.




أيضاً بشفافية ووضوح؛ حققت المخابرات العسكرية نجاحات في نقاط هامة، أشرنا إليها في مركز فيريل، منها محافظة إدلب، وزرع عيون وعناصر وعملاء لها ضمن المسلحين، وإلقاء القبض على قياديين في المجموعات، بعضهم يحمل جنسيات أوروبية وغير… أوروبية. والأخطر هو عمليات تمويه الأهداف التي قصفتها إسرائيل وظنّت أنها حققت فيها أهدافها…

أسباب تراجع المخابرات السورية

1ـ قوة أجهزة المخابرات المعادية

تتصدى المخابرات السورية لأقوى أجهزة استخبارات في العالم؛ CIA (AI) & NSA، Mossad، MI6 DIS، Millî İstihbarat Teşkilâtı MİT، BND/MAD، أو المخابرات الأميركية والإسرائيلية والتركية والإنكليزية والألمانية والفرنسية والسعودية… والتي تبلغ ميزانية أي واحدة منها عشرات بل مئات أضعاف ميزانية نظيرتها السورية، وتستخدم أساليب متطورة جداً، ولديها خبرة واسعة في التجسس وتجنيد العملاء، هذا بالإضافة لقدرتها على العمل من خارج الأراضي السورية عبر الأقمار الصناعية وشبكات الاتصالات.

2. انكشاف أجهزة المخابرات السورية للعامة

من الصعب في أية دولة لديها جهاز مخابرات قوي، أن تعرف أية معلومات شخصية عن الضباط أو  رؤساء الأقسام… في سوريا؛ وقبل انتشار  الانترنت ثم وسائل التواصل الاجتماعي، وبعضكم يذكر تلك الحقبة، عندما كانت معرفة اسم رئيس فرع أمني أمرٌ صعبٌ، أما الحصول على صورته فهو شبه مستحيل.

الآن؛ باتت صفحات التواصل الاجتماعي تضع صورة رئيس الفرع، وتعرفُ عنه كل شيء، بل وتنشر  خبر تعيينهِ بمنصب جديد! وبالرفاه والبنين…

ثم تنشرُ هذه الوسائل خطة فلان لتدمير سوريا، و… (المخابرات السورية تحصل على كنزٍ ثمين في المكان الفلاني… وتلقي القبض على ضباط إسرائيليين…). حتى قسم “الإشاعة” باتَ ضعيفاً!!

أين هي المخابرات من “كبح” تلك الأخبار التي تُسيءُ إليها؟

أين هي المخابرات من حجب الانترنت منذ بداية الأزمة عن بعض الأماكن؟ وأيضاً الاتصالات عبر شبكات أجنبية دخلت سوريا بوساطة “أثرياء” وصلت ليد المسلحين؟ شاهدنا ما حدث في إيران، عندما فُصِل الانترنت والاتصالات منذ اليوم الثالث للمظاهرات، وهذا أمرٌ ليسَ بتلك الصعوبة.

أينَ هي المخابرات السورية من الإساءة للعلَم السوري ولمقام رئاسة الجمهورية وللجيش السوري؟

كيف يستنفرُ فرعٌ كامل عند الإساءة لثري حربٍ أو لمسؤول “إخواني” فاسد، فتتم محاكمة شخص ما بالإساءة لهيبة الدولة، و…؟ باتَ المسؤول الفاسد يُمثلُ هيبة الدولة وليس العَلَم أو مقامُ الرئاسة أو الجيش؟!!

 

3ـ تراجع هيبة المخابرات مقابل المسؤولين والأثرياء

المسؤولون في كافة دول العالم، سابقاً وحالياً، يخشون ضباط المخابرات. في سوريا، كان ذلك في الحقبة  الماضية، عند ذكرِ اسم ضابط مخابرات أمام مسؤول أو ثري، يُسبب له ارتفاع ضغطٍ وزيادة تعرّقٍ وصعوبة بلعٍ.

حالياً؛ وفي سوريا أصبحَ الأمرُ معكوساً، وباتَ الأثرياء وحتى المسؤولين من الدرجة الثانية، يتدخلون في عمل المخابرات السورية، بل… بات الوزراء يرفعون تقارير أمنية “كيدية” بحق بعضهم أو مَن يكشف “فسادهم”، فيأتمر رئيس فرع بأمرهم!! نقول هذا عن دراية تامة بما حصل…

أمرٌ آخر؛  تحوّل اهتمام المخابرات إلى القضايا الصغيرة؛ بعد أن كانت تهتمُ بقضايا الأمن القومي وأمن المجتمع كاملاً، والتاريخ يشهد الفترة التي “حلّقت” فيها أسماء كبيرةٌ وعملياتٌ تجتاز حدود سوريا إلى قلب أعدائها في العالم.

4ـ اختراق المخابرات السورية من قبل الأعداء ومن قبل… الإسلاميين

المخابرات جهاز ليس له انتماء ديني أو حزبي في دول العالم المتطور، لكنها تؤيد دائماً إلى حدّ كبير السلطة الحاكمة، وتكون بمثابة رقيب وداعم ضمن حدود الأمن القومي.

عندما ترتبط هذه المخابرات بحزب حاكم ما، تكون داعمة له وللسلطة، لكنها تبقى الحارس الأمين للسلطة وللحزب ضمن حدود الأمن القومي أيضاً.

أما المخابرات التي تُخترقُ دينياً، وتصبحُ مُنفعلة بعد أن كانت فاعلة، لا يجوز تسميتها مخابرات، بل تصبح “هيئة الأمر بالمعروف” ليس أكثر.

هذا أسوا وأخطر ما تواجهه المخابرات السورية، وقد لاحظنا في مركز فيريل ومنذ سنوات عديدة، أنّ التيار الإسلامي استطاع اختراقها!!

فهل يمكن أن تتخيّلوا ضابط مخابرات كبير، يضعُ خاتم فضة!! ويقوم للصلاة أثناءَ عملهِ وفي مكتبهِ!! إياكم أن تتحدثوا عن الإيمان والتقوى… لا إيمان ولا تقوى في العمل المخابراتي… هذا أسلوب خداع القطيع الذي يسلكهُ المسؤولون ورجال الدين أمام الكاميرات، وفي فروع المخابرات ليس هناك إعلام أو كاميرات… فهل وصل التدين إلى المخابرات السورية؟!! وهل أصبحَ ضباطٌ من “الإخوان المسلمين الجدد” رؤساء فروع؟!

إذا كان الأمر كذلك، فيجبُ أن تتبعَ المخابرات لوزارة… الأوقاف “الموقرة”.

أمرٌ خطير آخر؛ هو تمكّن أجهزة معادية من تجنيدِ ضباط وعناصر تحت مُسمى “التنسيق والتعاون الأمني”، وهذا الاختراق حصل بعدة مناطق وفروع هامة، وكان السبب في تسليمها للمسلحين، أي… خيانة ما بعدها خيانة.

الحلّ حسب مركز فيريل

  • المخابرات السورية بحاجة لإعادة هيكلة كاملة، والتخلص من كافة العناصر والضباط “الطفيليين” والإسلاميين… نُكرر الضباط الإسلاميين، ومعهم ظاهرة التدين التي هي سبب رئيسي لما حدث.

  • إعادة تشكيلها على أساس تبعيتها لمصدر أمر واحد، لا أن يكون كل فرع “دولة” قائمة بحد ذاته، وكل رئيس فرع هو وزير الدفاع بذاته، كما يجب أن تتبعَ المخابرات السورية لوزارة واحدة وليس أكثر.

  • رفع ميزانية المخابرات السورية وتحديث وسائل وأجهزة مكافحة التجسس، وإجراء دورات تأهيل وتطوير لمعرفة الأساليب الحديثة.

  • إعادة الهيبة والوقار للمخابرات السورية، وهذا لا يأتي عبر “العنف والتعسف”، وليس عبر حمل المسدس بشكل ظاهر وتعبير: “عارف مع مين عم تحكي؟”. يأتي عبر قدرتها في إكرامِ المواطن قبل المسؤول، وحماية الوطن قبل حماية مصالح الأثرياء. تأتي الهيبة عبر الارتقاء بمستوى العمل إلى الأمن القومي، وليس الأخذ بتقارير كيدية “تافهة”، عن مواطن شتم أو اشتكى من الفساد أو من ابن مسؤول أرعن.

المخابرات السورية بحاجة لانقلاب كامل، بل لثورة حقيقية ليصبحَ مرجعها ودينها الأوحد: سوريا وسوريا فقط

عندما نرى المخابرات السورية تُداهمُ مكتب مسؤول فاسد، و “تشحطهُ” من رقبتهِ مع عصابته… عندما نرى أنّ المخابرات السورية قامت بعملية معقدة في صفوف الأعداء… سنقول: “هذه هي المخابرات السورية”، حتى ذلك الحين، سنبقى نترحمُ على تلك الأيام… الخوالي… مركز فيريل للدراسات 28.01.2018