
خفايا زيارة الجولاني لموسكو، ما خفي أعظم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. 19.10.2025. الباحث السوري زيد م. هاشم. تحدّث كثيرون عن الزيارة وأسبابها وما جرى فيها، بعضهم افترض آخرون تمنّوا فضخموا وبالغوا، وقلائل وصلتهم معلومات، وهذا طبيعي. سنبحثُ هنا ما لم يُسلّط عليه الضوءُ كثيراً.
خذلانٌ أميركي أم فخّ بريطاني؟
يرى بعضُ المحللين العالميين أنّ أهم أسباب الزيارة هو اليأس الجولاني، يأسٌ من رفعٍ فعلي للعقوبات الأميركية عن سوريا، وليس مجرد إعلانات كاذبة يُتاجر بها إعلام أبناء حيزبون، ويُصدقها البلهاء فقط. رفعُ العقوبات أو حتى التخفيف منها يعني؛ فتح الباب لشركات الخليج “المرعوب” لإعادة الإعمار، وانتعاش سوق العمل ومعه الاقتصاد المنهار. هذا لم ولن يحصل، لهذا وجدَ الجولاني وجماعته أنفسهم أمام ملايين الأفواه المنادية برحيلهم سرّاً على الأقل. السرّ سيصبحُ في العلن من استمرار الجوع والجرائم.
واشنطن تخلّت بوضوح عن الجولاني، بينما الإسرائيلي على تخوم دمشق، يتلصّص على غرفة “نوم” الجولاني من قمة حرمون. “كُساحٌ” عربي خليجي وعثماني، فهؤلاء لا يمكنهم دخول الحمام دون موافقة رامبو، فكيف سيُعينُون أعرجاً وهم الكسحاء. نفورٌ أوروبي من شخصيات متخلّفة قادمة من عصور الظلام. باختصار؛ وصلت حكومة المتخلّفين لمرحلة اليأس، ولم يعد أمامهم سوى باب بوتين يطرقوه، عسى أن ينقذهم من ورطتهم، هكذا تهيّأ لهم وهم الأذلاء عديمي الحيلة والخبرة والعِلم
لكن مهلاً؛ هل يستطيعُ الجولاني الخروج من قصر الشعب دون الاستئذان من عدة زعماء على رأسهم نتنياهو؟ مَنْ يُصدّق أنّ الإرهابي المحكوم بالإعدام، يمكنه الإقلاع بطائرة مدنية من مطار دمشق، دون أوامر واشنطن وأنقرة وتل أبيب وحتى لندن؟ ما هي وظيفة كلير الحجاج إذاً في قصر الشعب؟ وحتى إن كانت أثناء الزيارة وحسب معلومات مركز فيريل في إجازة “عمل”. الجولاني ومعه لطيفة نفسها وعضوات حكومة المتخلفين، لا يتحرّكون إلا ضمن تعليماتها.
برأينا؛ الجولاني طار إلى موسكو بعد حصوله على موافقة أسياده وربما في مهمة موكلة إليه، بل مهمات من العواصم المعنية بالأمر، بعضها استخدمهُ طُعماً لبوتين لكن الخطة بمجملها لم تلقَ النجاح المنشود، واستقبال بوتين لهُ وعجز الجولاني عن تأدية المهمة بشكل أمثل، كلّ هذا جعل الزيارة بشكل عام، فاشلة، وارتدت وَبَالاً عليه وعلى أتباعه من مجهولي النسب.
تركيا تخلّت عن الجولاني لصالح مناف طلاس
هذه ليست معلومات مركز فيريل فقط، بل نُشِرَ عن الموضوع قبل أسبوع، في صحيفة تركية تأسست أيام جمال أتاتورك ومقرّبة من أردوغان نفسه، تُدعى Aydınlık، أكدت لقاء مناف طلاس مع هاكان فيدان، وزير خارجية أردوغان، دون تفاصيل. بدخول مركز فيريل ببعض التفاصيل؛ الاجتماع جاء بالتنسيق مع الجانب الفرنسي ورضوخ تركي بسبب وضع تركيا السيء حالياً، والمطلوب؛ إعداد حكومة للمرحلة القادمة بعيدة عن مشاركة شخصيات حكومة المتخلّفين، وحتى طريقة حكمهم، من الرأس إلى القاع.
فرنسا ومعها السعودية وإلى حد ما الإمارات، أعادت تبييض صفحة مناف طلاس، حيث يرونه حلّاً مقبولاً من كافة الأطراف، العربية والتركية والإسرائيلية. فهو ابن مصطفى طلاس، صاحبُ الجذور التركية، المعتدل دينيّاً، عَلماني بغطاء إسلامي سنّي. صديق التجار والأثرياء بل هو تاجر بالأصل، وأخيراً صديقُ موسكو، فلماذا لا نطردُ الجولاني ونضع مناف مكانه؟
يبدو أن جماعة الجولاني أدركوا اللعبة، فطاروا إلى موسكو على دفعات، عسى أن ينقذهم بوتين، الذي جعلهم يصعدون أدراجاً طويلة، ليصلوا لاهثين راكعين، وقد فعلها مراتٍ مع زعماء تنظيمات وأنصاف سياسيين قبل أن يُرحّلوا.
الجولاني يلحس كلامه ويتوسل لبوتين

تاريخ الجولاني الإرهابي باتَ معروفاً، وماضيه الدموي لن تستطيعُ أفضل “المنظّفات” غسله. لاحظت وسائل إعلام الغرب احتقار فلاديمير بوتين وإذلاله للجولاني ومَنْ معهُ، أي لم يكن راضياً عنه واستقبلهُ فقط لمصلحة روسيا، وهذا سلوكٌ متوقع، فـ “التكويع الجولاني” مضحك. الجولاني اللاهثُ كالأرنب أمام الدبّ قال حرفياً بعد التدخل الروسي في 30 أيلول 2015، وقبلَ أول رحلة قصفٍ روسية، في رسالة صوتية لمدة 21 دقيقة، بثتها “مؤسسة المنارة البيضاء” تنظيم القاعدة الإرهابي بتاريخ 12.10.2015:

(الاحتلال الروسي هو حملة صليبية شرقية بعد فشل الحملات الصليبية الغربية على الشام، وهنا تحالفَ الروس مع الرافضة الصفويين من شيعة إيران والعراق ولبنان ونصيرية سوريا، لهذا سنُنسي الروسَ في حربنا ضدهم، أهوال ما لاقوه في أفغانستان. أدعو جميع الفصائل لقصفِ القرى النصيرية في كل يوم بمئات الصواريخ، وأعرض مكافأة بقيمة 3 ملايين يورو لمن يقتل بشار الأسد! ومكافأة بقيمة 2 مليون يورو لمن يقتل حسن نصر الله!)
من أين سيأتي هذا الإرهابي بهكذا مبالغ وباليورو؟ فلننسَ ذلك وإليكم الأسوأ في حديث الإرهابي الجولاني هذا عام 2015: (أدعو المجاهدين في بلاد القوقاز لنصرة أهل الشام ما استطاعوا، فإذا قتل الجيش الروسي من عامة أهل الشام فاقتلوا من عامّتهم، وإن قتلوا من جنودنا فاقتلوا من جنودهم). هل نسيَ بوتين برأيكم هذا الكلام؟
بعد عشر سنواتٍ ها هو الإرهابي نفسهُ يركعُ أمام بوتين قائلاً: (أشكرك فخامة الرئيس على الاستقبال الحافل! لدينا روابط تاريخية قديمة وعلاقات ثنائية ومصالح مشتركة. نحترمُ كل ما مضى من اتفاقيات بين البلدين وهذا التاريخ العظيم)
ماذا يُمكن أن نُسمي هذا؟ براغماتية سياسية مثلاً؟ وهل يفقهُ هذا الإرهابي وكلُّ مَنْ حوله ولا أسثني أحداً، معنى البراغماتية؟ هذا اسمهُ ركوع، جنوع، مذلة، تكويع
إذاً؛ يريدُ وحسب كلامه الاستمرار في العقود والاتفاقيات والاستثمارات الروسية، ماذا عن حصة دول الخليج والولايات المتحدة وأوروبا فيها؟ ماذا عن الاتفاقيات والاستثمارات “الخرندعية” مع السعودية وقطر والإمارات وغاز أذربيجان، والمترو التركي؟ كيف ستثقُ هذه الدول بهكذا حكومة تلحسُ ليس كلامها فقط، بل اتفاقياتها وعقودها؟
إنقلاب على الجولاني؟
تأكيداً لانتهاء دور الجولاني وفشل زيارته لموسكو، طلع علينا الإرهابي أسعد الشيباني، وفي مقابلة قبل ساعات متبرئاً من الروس ولقائه بهم: (لقائي مع الروس، بتاريخ 06.12.2024، جاء بتوجيه من الرئيس أحمد الشرع، لتحييد القوات الروسية عن المعركة التي كانت تجري حينها بهدف إسقاط الأسد، مع التأكيد للروس أن ما يجري هو تغيير النظام، وليست التحالفات التي عقدها، وهذه التحالفات ستبقى بما يحافظ على مصلحة الشعب السوري). الشيباني هذا برّرَ كذبهُ الفاضح و “التكويع” بالقول: (من الحكمة دوماً في أيّ انتصار، أن نتصرّفَ باستراتيجية طويلة الأمد. هناك اتفاقيات عقدت سابقاً مع الجانب الروسي لن نقبل بها!!)، وماذا عن كلام الجولاني؟ أهو إنقلابُ عليه أم “لحس كلام؟”
من أكاذيب وتبريرات الشيباني أنّهم “يبحثون” مع روسيا مراجعة الاتفاقيات المبرمة في عهد النظام السابق، بما فيها اتفاقيات “القواعد العسكرية الروسية”، ليختم حديثه بالإنقلاب الشامل على الجولاني بأكذوبةٍ كبرى: (لا توجد حالياً أي اتفاقيات سارية بين البلدين)!!.
حديثُ الشيباني وجماعته، والآن أصبحنا نقول جماعة الشيباني لأنه الوجه الجديد الذي “يُبيّضُ” نفسه، هذا الحديث سيترجمُ على الأرض لحفظ ماء الوجه، بانتهاكاتٍ “مدروسة” للقواعد الروسية خلال الفترة القادمة.
رأي مركز فيريل للدراسات
هذا التضاربُ والتناقض بين تصريحات الإرهابيين، يعكسُ ثلاثة أمور؛ إنقلاب الشارع السوري المؤيد لهم عليهم، وتراجع شعبيتهم بعد خطوات الذل المتتابعة، بالإضافة للانهيار الاقتصادي والمعيشي والأمني. الأمر الثاني؛ محاولة الخروج من الشرنقة التي وضعوا أنفسهم فيها بسبب غبائهم أولاً، وانعدام خبرتهم السياسية ثانياً، فربما أدركوا أنّ زيارتهم لموسكو كانت “فخاً” لهم وليس لبوتين الذي، ورغم اعتراض بعض القوميين على لقائه بالإرهابي، خرجَ منتصراً ولم يقع في الفخ البريطاني. الأمر الثالث؛ أيضاً إنقلابي، فالشيباني يرى نفسهُ الأجدر بكرسي الرئاسة من صديقه في الإرهاب الجولاني مجهول النّسَب، فلماذا يأتون بابن طلاس وهو موجود؟
أقصوصة طلب تسليم بشار الأسد، كانت للاستهلاك المحلي وتمريرها على الأغبياء، فالجولاني لن يتجرأ على هكذا طلَب. وعندما تُقرّر موسكو تسليم بشار الأسد، لن تُفاوض شخصياتٍ بهذا المستوى الوضيع الكسيح، بل ستكون صفقة كبيرة مع واشنطن مثلاً، هذا إن سمح بوتين لرامبو نفسهُ بمناقشة هكذا طلَب.
تزكية وتلميع مناف طلاس كزعيم لسوريا الجديدة، مستمرة ومن عدة جهات ونرى في مركز فيريل أنها ستتطور أكثر، فمَنْ كتبَ محاضرته مع الأجوبة في باريس، شخص سياسي مُحنّك، على دراية بما يدور وراء الستار، فهو يريدُ دولةً متطورة، ولا يخشى من ذكر الديموقراطية والحضارة والمساواة، ولا تعنيه تفاهات “التكفير” أو دولة الخلافة “الحجرية”، كما أنّ الدعمَ المالي المُقدّم لمناف طلاس يتفوّقُ على دعم قطر “المتوقّف” حالياً، مع أطنان الذهب وملايين الدولارات التي سرقها الجولاني وعصابته، من مصرف سوريا المركزي وفيلات رجالات الأسد الفارّين، أو من المصالحات والأتاوة.
هناك كما ذكرنا في البحث السابق، إعادة لضباط سوريين كبار موالين لموسكو، إلى صفوف الجيش، يعملون في الساحل السوري خاصة، بينهم أسماء كبيرة تقضُّ مضاجع عبيد الجولاني عندما يسمعوا بها.
السؤال الآن ليس هل سيرحل الجولاني وجماعته؟ فهذا باتَ من الماضي، السؤال هو: هل سيُرحّلون مجاناً دون إرهاب ومجازر وفوضى تشمل كامل التراب السوري؟ خفايا زيارة الجولاني لموسكو، ما خفي أعظم. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. الدكتور جميل م. شاهين 19.10.2025. الباحث السوري زيد م. هاشم.